فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} [البقرة: 238]

باب { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238]
( باب) قوله تعالى: ( { حافظوا على الصلوات} ) بالأداء لوقتها والمداومة عليها وفي فاعل هنا قولان.
أحدهما: أنه بمعنى فعل كطارقت النعل وعاقبت اللص ولما ضمن المحافظة معنى المواظبة عدّاها بعلى، والثاني أن فاعل على بابها من كونها بين اثنين فقيل بين العبد وربه كأنه قال: احفظ هذه الصلاة يحفظك الله، وقيل بين العبد والصلاة أي احفظها تحفظك ( { والصلاة الوسطى} ) [البقرة: 238] ذكر للخاص بعد العام أي الوسطى بينها أو الفضلى منها من قولهم للأفضل الأوسط قاله الزمحشري، وتعقب بأن الذي يقتضيه الظاهر أن تكون الوسطى فعلى مؤنث الأوسط كالفضلى مؤنث الأفضل.
قال إعرابي يمدح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
يا أوسط الناس طرًّا في مفاخرهم ... وأكرم الناس أُمّا برّة وأبا
وقال تعالى: { قال أوسطهم} أي أفضلهم، ومنه يقال فلان واسطة قومه أي أفضلهم وعينهم، وليست من الوسط الذي معناه متوسط بين شيئين لأن فعلى معناها أفعل التفضيل ولا يبنى للتفضيل إلا ما يقبل الزيادة والنقص، والوسط بمعنى العدل والخيار يقبلهما بخلاف المتوسط بين الشيئين فإنه لا يقبلهما فلا يبنى منه أفعل التفضيل.


[ قــ :4282 ... غــ : 4533 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ح:
حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: هِشَامٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله تعالى عنه - أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: «حَبَسُونَا عَنْ صَلاَةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ مَلأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ أَوْ أَجْوَافَهُمْ - شَكَّ يَحْيَى - نَارًا».

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد ( عبد الله بن محمد) المسندي قال: ( حدّثنا يزيد)
من الزيادة ابن هارون الواسطي قال: ( أخبرنا هشام) هو ابن حسان القردوسي ( عن محمد) هو ابن سيرين ( عن عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة السلماني ( عن علي رضي الله تعالى عنه) أنه قال: ( قال النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح) :
وبه قال: ( حدّثني) ولأبي ذر: وحدّثني ( عبد الرحمن) بن بشر بن الحكم قال: ( حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان ( قال هشام) : هو ابن حسان القردوسي ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثنا هشام قال: حدّثنا ( محمد) هو ابن سيرين ( عن عبيدة) السلماني ( عن علي رضي الله تعالى عنه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال يوم الخندق) :
( حبسونا) أي منعونا ( عن) إيقاع ( صلاة الوسطى) زاد مسلم: صلاة العصر وإضافة الصلاة إلى الوسطى من إضافة الصفة إلى الموصوف وأجازه الكوفيون ( حتى غابت الشمس) زاد مسلم: ثم صلاها بين المغرب والعشاء، ويحتمل أن يكون أخّرها نسيانًا لاشتغاله بأمر العدوّ وكان هذا قبل نزول صلاة الخوف ( ملأ الله قبورهم وبيوتهم) أي مكان بيوتهم ( أو أجوافهم شك يحيى) بن سعيد القطان ( نارًا) .

وقد اختلف السلف والخلف في تعيين الصلاة الوسطى.
قال الترمذي والبغوي: أكثر علماء الصحابة وغيرهم أنها العصر، وقال الماوردي: إنه قول جمهور التابعين، وحكاه الدمياطي عن عمر وعلي وابن مسعود وأبي أيوب وابن عمرو وسمرة بن جندب وأبي هريرة وأبي سعيد وحفصة وأم حبيبة وأم سلمة وهو مذهب أحمد.
وقال ابن المنذر: إنه الصحيح عن أبي حنيفة وصاحبيه، واختاره ابن حبيب من المالكية لحديث عليّ مرفوعًا عند أحمد "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر" وكذا عند مسلم والنسائي وأبي داود كل بلفظ صلاة العصر، وكذا هو في حديث ابن مسعود والبراء بن عازب عند مسلم، وسمرة عند أحمد، وأبي هريرة عند ابن جرير، وأبي مالك الأشعري عند ابن جرير أيضًا، وابن مسعود عند ابن أبي حاتم، وابن حبان في صحيحه، ويؤكد ذلك الأمر بالمحافظة عليها كحديث "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله" واجتماع الملائكة في وقتها.

وروى ابن جرير من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال: كان في مصحف عائشة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر، وفي مصحف حفصة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر رواه ابن جرير وغيره.

وعورض بأن العطف بالواو في قوله وصلاة العصر يقتضي المغايرة.
وأجيب: بأن الواو زائدة أو هو من عطف الصفات لا من عطف الذوات كقوله تعالى: { ولكن رسول الله وخاتم النبيين} [الأحزاب: 40] لكن هي منسوخة التلاوة كما في حديث البراء بن عازب عند مسلم بلفظ: نزلت حافظوا على الصلوات وصلاة العصر فقرأناها على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما شاء الله ثم نسخها الله عز وجل وأنزل { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} وقيل: إنها الصبح رواه
مالك في موطئه بلاغًا عن علي وابن عباس وهو مذهب مالك ونص عليه الشافعي محتجًا بقوله تعالى: { وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238] والقنوت عنده في صلاة الصبح، وقيل هي الظهر لحديث زيد بن ثابت عند أحمد كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلّي صلاة أشد على أصحابه منها فنزلت { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} وقال: إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين.
ورواه أبو داود في سننه من حديث شعبة وقيل: هي المغرب ففي حديث ابن عباس عند ابن أبي حاتم بإسناد حسن قال، الصلاة الوسطى: هي المغرب واحتج لذلك بأنها معتدلة في عدد الركعات ولا تقصر في السفر، وبأن قبلها صلاتي سر وبعدها صلاتي جهر، وقيل: هي العشاء واختاره الواحدي ونقله القرطبي والسفاقسي واحتج له بأنها بين صلاتين لا تقصران.
وقيل: هي واحدة من الخمس لا بعينها وأبهمت فيهن كليلة القدر في الحول أو الشهر أو العشر، واختاره إمام الحرمين وقيل: مجموع الصلوات الخمس رواه ابن أبي حاتم عن ابن عمر.

قال الحافظ ابن كثير: وفي صحته نظر والعجب من اختيار ابن عبد البر له مع اطلاعه وحفظه وأنها لإحدى الكبر إذا اختار مع اطلاعه وحفظه ما لم يقم عليه دليل.
وقيل: الصبح والعشاء لما في الصحيح أنهما أثقل الصلاة على المنافقين، وقيل الصبح والعصر لقوّة الأدلة في إن كلاًّ منهما قيل إنه الوسطى فظاهر القرآن الصبح ونص الحديث العصر وقيل غير ذلك.
قال ابن كثير: والمدار ومعترك النزاع في الصبح والعصر، وقد بينت السنّة أنها العصر فتعين المصير إليها، وقد جزم الماوردي بأن مذهب الشافعي أنها العصر وإن كان قد نص في الجديد أنها الصبح لصحة الأحاديث أنها العصر لقوله إذا صح الحديث وقلت قولاً فأنا راجع عن قولي وقائل بذلك، لكن قد صمم جماعة من الشافعية أنها الصبح قولا واحدًا.