فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران: 110]

باب { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}
هذا ( باب) بالتنوين في قوله تعالى: ( { كنتم خير أمة أُخرجت للناس} ) [آل عمران: 110] .
قيل كان ناقصة على بابها فتصلح للانقطاع نحو: كان زيد قائمًا، وللدوام نحو: { وكان الله غفورًا رحيمًا} فهي بمنزلة لم يزل وهذا بحسب القرائن فقوله: { كنتم خير أمة} لا يدل على أنهم لم يكونوا خيرًا فصاروا خيرًا أو انقطع ذلك عنهم، وقال في الكشاف: كان عبارة عن وجود الشيء في زمان ماض على سبيل الإِبهام وليس فيه دليل على عدم سابق ولا على انقطاع طارئ ومنه قوله تعالى: { وكان الله غفورًا رحيمًا} و { كنتم خير أمة} كأنه قيل وجدتم خير أمة.
قال أبو حبان: قوله لم يدل على عدم سابق هذا إذا لم تكن بمعنى صار فإذا كانت بمعنى صار دلت على عدم سابق.

فإذا قلت: كان زيد عالمًا بمعنى صار زيد عالمًا دلت على أنه انتقل من حالة الجهل إلى حالة العلم؛ وقوله ولا على انقطاع طارئ قد سبق أن الصحيح أنها كسائر الأفعال يدل لفظ المضي منها على الانقطاع، ثم قد يستعمل حيث لا انقطاع، وفرق بين الدلالة والاستعمال ألا ترى أنك تقول هذا اللفظ يدل على العموم ثم قد يستعمل حيث لا يراد العموم بل يزاد الخصوص، وقوله: كأنه قيل وجدتم خير أمة بدل على أنها التامة وأن خبر أمة حال، وقوله: وكان الله غفورًا رحيمًا، لا شك أنها الناقصة فتعارضا.

وأجاب أبو العباس الحلبي: بأنه لا تعارض لأن هذا تفسير معنى لا تفسير إعراب، وقيل إن كان هنا تامة بمعنى وجدتم وحينئذ فخير أمة نصب على الحال، وقيل زائدة أي أنتم خير أمة، والخطاب للصحابة وهذا مرجوح أو غلط لأنها لا تزاد أولًا، وقد نقل ابن مالك الاتفاق عليه، وقيل الخطاب لجميع الأمة أي كنتم في علم الله، وقيل في اللوح المحفوظ.

وعن ابن عباس فيما رواه أحمد في مسنده والنسائي في سننه والحاكم في مستدركه قال: هم الذين هاجروا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى المدينة، والصحيح كما قاله ابن كثير العموم في جميع الأمة كل قرن بحسبه وخير قرونهم الذين بعث فيهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، وفي سنن ابن ماجه ومستدرك الحاكم وحسنه الترمذي عن معاوية بن حيدة مرفوعًا: أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل.


[ قــ :4304 ... غــ : 4557 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] قَالَ: خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلاَسِلِ، فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الإِسْلاَمِ.

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي ( عن سفيان) الثوري ( عن ميسرة) ضد الميمنة ابن عمار الأشجعي ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) في قوله تعالى: ( { كنتم خير أمة أُخرجت للناس} قال: خير الناس للناس) أي خير بعض الناس لبعضهم أي أنفعهم لهم، وإنما كان كذلك لأنكم ( تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام) فهم سبب في إسلامهم وقول الزركشي وغيره قيل ليس هذا التفسير بصحيح ولا معنى لإدخاله في المسند لأنه لم يرفعه ليس بصحيح بل إساءة أدب لا ينبغي ارتكاب مثلها، وقد تقدم من وجه آخر في أواخر الجهاد مرفوعًا بلفظ: عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل يعني الأسارى الذين يقدم بهم أهل الإسلام في الوثاق والأغلال والقيود ثم بعد ذلك يسلمون وتصلح سرائرهم وأعمالهم فيكونون من أهل الجنة.

وهذا الحديث أخرجه النسائي في التفسير.