فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله: {والرسول يدعوكم في أخراكم} [آل عمران: 153] «

باب قَوْلِهِ { وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} وَهْوَ تَأْنِيثُ آخِرِكُمْ.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: { إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} فَتْحًا أَوْ شَهَادَةً
( باب قوله) تعالي: ( { والرسول يدعوكم} ) مبتدأ وخبر في موضع نصب على الحال ودعوة الرسول إلى عباد الله إلي عباد الله يدعوهم إلى ترك الفرار من العدوّ وإلى الرجعة والكرة ( { في أخراكم} ) قال البخاري تبعًا لأبي عبيدة: ( وهو) أي أخراكم ( تأنيث آخركم) بكسر الخاء المعجمة.

قال في الفتح والعمدة والتنقيح: فيه نظر لأن أخرى تأنيث آخر بفتح الخاء لا كسرها وزاد في التنقيح أفعل تفضيل كفضلى وأفضل، وتعقبه في المصابيح فقال نظر البخاري أدق من هذا وذلك أنه لو جعل أخرى هنا تأنيثًا لآخر بفتح الخاء لم يكن فيه دلالة على التأخر الوجودي، وذلك لأنه أميتت دلالته على هذا المعنى بحسب العرف وصار إنما يدل على الوجهين بالمغايرة فقط تقول: مررت برجل حسن ورجل آخر أي مغاير للأول وليس المراد تأخره في الوجود عن السابق وكذا مررت بامرأة جميلة وامرأة أخرى والمراد في الآية الدلالة على التأخر فلذلك قال تأنيث آخركم كسر الخاء لتصير أخرى دالة على التأخر كما في قالت أولاهم لأخراهم أي المتقدمة للمتأخرة واستعماله في هذا المعنى موجود في كلامهم بل هو الأصل اهـ.

( وقال ابن عباس) : مما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: ( { إحدى الحسنيين} ) [التوبة: 52] أي ( فتحًا أو شهادة) ومحل ذكر هذا في سورة براءة على ما لا يخفى واحتمال وقوع إحدى الحسنيين وهي الشهادة وقعت في أُحُد استبعده في العمدة.


[ قــ :4308 ... غــ : 4561 ]
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: جَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، وَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ { إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ} وَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا.

وبه قال: ( حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين وجدّه فرّوخ الحراني الجزري سكن مصر قال: ( حدّثنا زهير) هو ابن معاوية قال: ( حدّثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي ( قال: سمعت البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: جعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أميرًا ( على الرجالة) بتشديد الجيم خلاف الفارس وكانوا خمسين رجلًا رماة ( يوم أُحُد عبد الله بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة الأنصاري ( وأقبلوا) بالواو وفي اليونينية فأقبلوا أي المسلمون حال كونهم ( منهزمين) أي بعضهم، وذلك أنهم صاروا ثلاث فرق.

فرقة استمروا في الهزيمة إلى قرب المدينة فلم يرجعوا حتى مضى القتال وهم قليل ونزل فيهم: { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان} [آل عمران: 155] .

وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قتل فصارت غاية الواحد منهم أن يذبّ عن نفسه أو يستمر على بصيرته في القتال إلى أن يقتل وهم أكثر الصحابة.

وفرقة ثبتت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم تراجع القسم الثاني شيئًا فشيئًا لما عرفوا أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حي ( فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم) أي في ساقتهم وجماعتهم الأخرى ( ولم يبق مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من أصحابه ( غير اثني عشر رجلًا) بسكون الياء، فمن المهاجرين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير وأبو عبيدة وعبد الرحمن بن عوف، ومن الأنصار أسيد بن حضير والحباب بن المنذر والحرث بن الصمة وسعد بن معاذ وأبو دجانة وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح وسهل بن حنيف ذكره الواقدي والبلاذري فهم ستة عشر رجلًا.