فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى}

باب { وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى}
هذا ( باب) بالتنوين في قوله تعالى: ( { وإن خفتم ألاّ تقسطوا} ) أن لا تعدلوا من أقسط ولا نافية أي وإن حذرتم عدم الأقساط أي العدل ( { في اليتامى} ) [النساء: 3] وقرئ تقسطوا بفتح التاء من قسط وهو بمعنى جار على المشهور في أن الرباعي بمعنى عدل والثلاثي بمعنى جار وكأن الهمزة فيه للسلب فمعنى أقسط أزال القسط وهو الجور ولا على هذا زائدة ليس إلا وإلا يفسد المعنى كهي في لئلا يعلم وحكى الزجاج أن قسط الثلاثي يستعمل استعمال الرباعي وعلى هذا فتكون لا غير زائدة كهي في الأولى وجواب الشرط في وإن خفتم فانكحوا أو فواحدة وثبت الباب وتاليه لأبي ذر.


[ قــ :4320 ... غــ : 4573 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ يَتِيمَةٌ فَنَكَحَهَا وَكَانَ لَهَا عَذْقٌ وَكَانَ يُمْسِكُهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ شَيْءٌ فَنَزَلَتْ فِيهِ: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} أَحْسِبُهُ قَالَ: كَانَتْ شَرِيكَتَهُ فِي ذَلِكَ الْعَذْقِ وَفِي مَالِهِ.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد ( إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: ( أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني ( عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( هشام بن عروة عن أبيه) عن عروة بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها- أن رجلًا كانت له) أي عنده ( يتيمة) مات أبوها ( فنكحها) أي تزوجها ( وكان لها عذق) بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة آخره قاف أي نخلة ( وكان) الرجل ( يمسكها) أي اليتيمة ( عليه) أي لأجله فعلى هنا تعليلية ولأبي ذر عن الكشميهني فيمسكها عليه ( ولم يكن لها) لليتيمة ( من نفسه شيء فنزلت فيه { وإن خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى} ) قال هشام بن يوسف ( أحسبه) أي عروة ( قال: كانت) أي اليتيمة ( شريكته) أي الرجل ( في ذلك العذق وفي ماله) .
وقوله: إن رجلًا كانت له يتيمة يوهم أنها نزلت في شخص معين والمعروف عن هشام بن عروة التعميم، ووقع عند
الإسماعيلي كذلك ولفظه أنزلت في الرجل تكون عنده اليتيمة وكذا في الرواية اللاحقة من طريق ابن شهاب عن عروة، وقضية العذق في التي يرغب عن نكاحها وأما التي يرغب في نكاحها فهي التي يعجبه مالها وجمالها فلا يزوّجها لغيره ويريد أن يتزوجها بدون صداق مثلها.




[ قــ :431 ... غــ : 4574 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3] فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا تَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ وَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا، فَيُعْطِيَهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ فَنُهُوا عَنْ أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ وَيَبْلُغُوا لَهُنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ فِي الصَّدَاقِ فَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ، قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَإِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} قَالَتْ عَائِشَةُ: وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى: { وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 17] رَغْبَةُ أَحَدِكُمْ عَنْ يَتِيمَتِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ قَالَتْ: فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا عَنْ مَنْ رَغِبُوا فِي مَالِهِ وَجَمَالِهِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ، إِلاَّ بِالْقِسْطِ مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ إِذَا كُنَّ قَلِيلاَتِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ.

وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير أنه سأل عائشة) رضي الله تعالى عنها (عن) معنى (قول الله تعالى: { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} فقالت) عائشة له: (يا ابن أختي) أسماء ولأبي الوقت يا ابن أخي (هذه اليتيمة) التي مات أبوها (تكون في حجر وليها) القائم بأمورها (تشركه) بفتح التاء والراء وفي نسخة تشركه بضم ثم كسر (في ماله ويعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط) أن يعدل (في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره) هو معطوف على معمول بغير يعني يريد أن يتزوّجها بغير أن يعطيها مثل ما يعطيها غيره أي ممن يرغب في نكاحها ويدل على ذلك قوله: (فنهوا) بضم النون والهاء (عن أن ينكحوهن) ولأبي ذر عن ذلك أي عن ترك الأقساط (إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا لهن) باللام ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بهن (أعلى سنتهن) أي طريقتهن (في الصداق) وعادتهن في ذلك (فأمروا) بالفاء (أن ينكحوا ما طاب) ما حل (لهم من النساء سواهن) أي سوى اليتامى من النساء، وقد تقرر أن ما لا تستعمل في ذوي العقول واستعملها هنا لهن ذهابًا إلى الصفة كأنه قيل النوع الطيب من النساء أي الحلال أو المشتهى والثاني أرجح لاقتضاء المقام ولأن الأمر بالنكاح لا يكون إلا في الحلال فوجب الحمل على شيء آخر أو إجراء لهن مجرى غير العقلاء لنقصان عقلهن كقوله: { أو ما ملكت أيمانهن} [النور: 31] .

(قال عروة) بن الزبير بالسند السابق: (قالت عائشة: إن الناس استفتوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) طلبوا منه الفتيا في أمر النساء (بعد) نزول (هذه الآية) وهي وإن خفتم إلى ورباع (فأنزل الله) تعالى ({ ويستفتونك في النساء} ) [النساء: 17] الآية (قالت عائشة: وقول الله تعالى في آية أخرى: ({ وترغبون أن تنكحوهن} ) [النساء: 17] كذا في رواية صالح وليس ذلك في آية أخرى بل هو في نفس الآية.
وعند مسلم والنسائي واللفظ له من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه بهذا الإسناد في هذا الموضع فأنزل الله تعالى: { ويستفتونك في النساء} قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن ({ وترغبون أن تنكحوهن} ) فذكر الله أنه يتلى عليكم في الكتاب الآية الأولى وهي قوله: { وإن خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء: 3] قالت عائشة: وقول الله في الآية الأخرى: { وترغبون أن تنكحوهن} قال في الفتح فظهر أنه سقط من رواية البخاري شيء (رغبة أحدكم عن يتيمته) بأن لم يردها (حين تكون) أي اليتيمة (قليلة المال والجمال قالت) عائشة (فنهوا أن ينكحوا عمن رغبوا في ماله وجماله) بفتح التحتية وللأصيلي بضمها وإسقاط عن (في يتامى النساء إلا بالقسط) بالعدل (من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال) فينبغي أن يكون نكاح الغنية الجميلة ونكاح الفقيرة الذميمة على السواء في العدل.

وسبق هذا الحديث في الشركة في باب شركة اليتيم.