فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [النساء: 41] "

باب { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا} الْمُخْتَالُ: وَالْخَتَّالُ وَاحِدٌ.

نَطْمِسَ وُجُوهًا: نُسَوِّيَهَا حَتَّى تَعُودَ كَأَقْفَائِهِمْ.
طَمَسَ الْكِتَابَ: مَحَاهُ.
سَعِيرًا: وُقُودًا.

هذا ( باب) بالتنوين في قوله تعالى: ( { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد} ) استفهام توبيخ أي فكيف حال هؤلاء الكفار أو صنيعهم إذا جئنا من كل أمة بنبيهم يشهد على كفرهم كقوله تعالى: { وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم} [المائدة: 117] فكيف في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف والعامل في إذًا هو هذا المقدّر أو في محل نصب بفعل محذوف أي فكيف يكونون أو يصنعون، ويجري فيها الوجهان النصب على التشبيه بالحال كما هو مذهب سيبويه أو على التشبيه بالظرفية كما هو مذهب الأخفش وهو العامل في إذا أيضًا ومن كل أمة متعلق بجئنا والمعنى أنه يؤتى بنبي كل أمة يشهد عليها ولها ( { وجئنا بك} ) يا محمد ( { على هؤلاء شهيدًا} ) [النساء: 41] أي تشهد على صدق هؤلاء الشهداء لحصول علمك بعقائدهم لدلالة كتابك وشرعك على قواعدهم.
وقال أبو حيان: الأظهر أنّ هذه الجملة في موضع جر عطفًا على جئنا الأوّل أي فكيف يصنعون في وقت المجيئين.

( المختال والختال) بفتح الخاء المعجمة والمثناة الفوقية المشددة معناهما ( واحد) كذا في رواية الأكثر ولا ينتظم هذا مع المختال لأن المختال هو صاحب الخيلاء والكبر فهو مفتعل من الخيلاء وأما ختال فهو فعال من الختل وهو الخديعة، فلا يمكن أن يكون بمعنى المختال المراد به المتكبر، وللأصيلي والخال بدون الفوقية بدل المختال وصوّبه غير واحد لأنه يطلق على معان فيكون بمعنى الخائل وهو المتكبر.
وقال اليونيني: وعند أبي ذر والختال بالخاء والتاء ثالث الحروف في الأصل الذي قابلت به، وأنكر ذلك شيخنا الإمام أبو عبد الله بن مالك قال: والصواب والخال بغير تاء اهـ.

ومراده قوله تعالى: { إن الله لا يحب من كان مختالًا فخورًا} [النساء: 36] .

( { نطمس وجوهًا} ) [النساء: 47] أي ( نسوّيها حتى تعود كأقفائهم) حقيقة أو هو تمثيل وليس المراد حقيقته حسًّا، وأسند الطبري عن قتادة المراد أن تعود الأوجه في الأقفية يقال ( طمس الكتاب) إذا ( محاه) ومراده قوله تعالى: { من قبل أن نطمس وجوهًا} فنطمس هنا نصب على الحكاية كما لا يخفى.

وقوله تعالى: { وكفى بجهنم} ( { سعيرًا} ) [النساء: 55] أي ( وقودًا) ولأبي ذر جهنم سعيرًا وقودًا ولا محل لسياق هذه الآيات هنا فيحتمل أن يكون من النساخ.


[ قــ :4329 ... غــ : 4582 ]
- حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ يَحْيَى: بَعْضُ الْحَدِيثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْرَأْ عَلَيَّ».

قُلْتُ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قَالَ: «فَإِنِّى أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي» فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى بَلَغْتُ { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا} قَالَ: «أَمْسِكْ» فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ.
[الحديث 4582 - أطرافه في: 5049 - 5050 - 5055 - 5056] .

وبه قال: ( حدّثنا صدقة) بن الفضل المروزي قال: ( أخبرنا) ولأبي ذر أخبرني بالإفراد ( يحيى) بن سعيد القطان ( عن سفيان) الثوري ( عن سليمان) بن مهران الأعمش ( عن إبراهيم) النخعي ( عن عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة ابن عمرو السلماني ( عن عبد الله) هو ابن مسعود ( قال يحيى) بن سعيد القطان بالإسناد السابق ( بعض الحديث عن عمرو بن مرة) بفتح العين ومرة بضم الميم وتشديد الراء الجملي بفتح الجيم والميم أبي عبد الله الكوفي الأعمى أي من رواية الأعمش عن عمرو بن مرة عن إبراهيم كما صرح بذلك في باب البكاء عند قراءة القرآن حيث أخرجه عن مسدد عن يحيى القطان بالإسناد المذكور، وقال بعده قال الأعمش: وبعض الحديث حدّثني عمرو بن مرة عن إبراهيم، والحاصل أن الأعمش سمع الحديث من إبراهيم النخعي وسمع بعضه من عمرو بن مرة عن إبراهيم يعني عن عبيدة عن ابن مسعود أنه ( قال: قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( اقرأ عليّ) زاد في باب: من أحب أن يسمع القرآن من غيره من طريق عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش القرآن وهو يصدق بالبعض ( قلت: آقرأ) بمدّ الهمزة ( عليك وعليك أنزل؟ قال) : ( فإني أحب أن أسمعه من غيري) .

قال ابن بطال: يحتمل أن يكون أحب أن يسمعه من غيره ليكون عرض القرآن سنة أو ليتدبره ويتفهمه، وذلك أن المستمع أقوى على التدبر ونفسه أخلى وأنشط لذلك من القارئ لاشتغاله بالقراءة وأحكامها وهذا بخلاف قراءته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أبي بن كعب فإنه أراد أن يعلمه كيف أداء القراءة ومخارج الحروف.

( فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت: { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} قال) عليه الصلاة والسلام: ( أمسك) وفي باب: البكاء عند قراءة القرآن قال لي: كف أو أمسك على الشك ( فإذا عيناه تذوفان) بالذال المعجمة وكسر الراء خبر المبتدأ وهو عيناه وإذا للمفاجأة أي تطلقان دمعهما وبكاؤه عليه الصلاة والسلام على المفرطين أو لعظم ما تضمنته الآية من هول المطلع وشدة الأمر أو هو بكاء فرح لا بكاء جزع لأنه تعالى جعل أمته شهداء على سائر الأمم كما قال الشاعر:
طفح السرور عليّ حتى أنه ... من عظم ما قد سرّني أبكاني
وهذا الأخير نقله صاحب فتوح الغيب عن الزمخشري.

وفي هذا الحديث ثلاثة من التابعين على نسق واحد، وأخرجه أيضًا في فضائل القرآن وكذلك النسائي.


باب قَوْلِهِ { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} صَعِيدًا: وَجْهَ الأَرْضِ.
.

     وَقَالَ  جَابِرٌ كَانَتِ الطَّوَاغِيتُ الَّتِي يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهَا فِي جُهَيْنَةَ وَاحِدٌ وَفِي أَسْلَمَ وَاحِدٌ وَفِي كُلِّ حَيٍّ وَاحِدٌ كُهَّانٌ، يَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ.
.

     وَقَالَ  عُمَرُ: الْجِبْتُ: السِّحْرُ.
وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ.
.

     وَقَالَ  عِكْرِمَةُ: الْجِبْتُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ شَيْطَانٌ.
وَالطَّاغُوتُ: الْكَاهِنُ.

( باب قوله) تعالى، وسقط الباب وتاليه لغير أبي ذر ( { وإن كنتم مرضى} ) مرضًا يخاف معه من استعمال الماء أو مرضًا يمنع من الوصول إليه والمرض انحراف مزاج تصدر معه الأفعال غير مستقيمة، والمراد هنا كل ما يخاف منه محذور ولو شيئًا فاحشًا في عضو ظاهر.
وعن مجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم أن قوله: { وإن كنتم مرضى} نزلت في رجل من الأنصار كان مريضًا فلم يستطع أن يقوم فيتوضأ ولم يكن له خادم يناوله فأتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر ذلك له فأنزل الله تعالى هذه الآية وهذا مرسل.
( { أو على سفر} ) طويل أو قصير لا تجدون فيه الماء والسفر هو الخروج
عن الوطن، وينبغي أن يكون مباحًا ( { أو جاء أحد منكم من الغائط} ) [النساء: 43] فأحدث بخروج الخارج من أحد السبيلين وأصل الغائط المطمئن من الأرض وكانت عادة العرب إتيانه للحدث ليسترهم عن أعين الناس فكنوا به عن الخارج تسمية للشيء باسم مكانه.

( صعيدًا) يريد تفسير قوله تعالى: { فتيمموا صعيدًا طيبًا} قال: ( وجه الأرض) بالنصب ولأبي ذر وجه الأرض بالرفع بتقدير هو والمراد بوجه الأرض ظاهرها سواء كان عليها تراب أم لا.
ولذا قالت الحنفية لو ضرب المتيمم يده على حجر صلد ومسح أجزاءه.

وقالت الشافعية لا بدّ أن يعلق باليد شيء من التراب لقوله تعالى في سورة المائدة: { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} [المائدة: 6] أي من بعضه وجعل من لابتداء الغاية تعسف إذ لا يفهم من نحو ذلك إلا التبعيض والمسح ببعض الخشب والحجر غير مقصود هذا وأنه وصف بالطيب والأرض الطيبة هي المنبتة وغير الطيبة لا تنبت وغير التراب لا ينبت، والذي لا ينبت لا يكون طيبًا فهو أمر بالتراب فقط.
وقال الشافعي وهو القدوة في اللغة وقوله فيها الحجة لا يقع اسم الصعيد إلا على تراب ذي غبار، فأما البطحاء الغليظة والرقيقة فلا يقع عليها اسم الصعيد فإن خالطه تراب أو مدر يكون له غبار كان الذي خالطه هو الصعيد، وقد وافق الشافعي الفراء وأبو عبيد وفي حديث حذيفة عند الدارقطني في سننه وأبي عوانة في صحيحه مرفوعًا "جعلت لي الأرض مسجدًا وترابها لنا طهورًا".
وعند مسلم تربتها وهذا مفسر للآية والمفسر يقضي على المجمل.

( وقال جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري فيما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: { يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت} [النساء: 60] ( كانت الطواغيت) بالمثناة جمع طاغوت ( التي يتحاكمون إليها) في الجاهلية ( في) قبيلة ( جهينة) طاغوت ( واحد وفي) قبيلة ( أسلم) طاغوت ( واحد وفي كل حي) من أحياء العرب ( واحد) وهي ( كهان) بضم الكاف وتشديد الهاء جمع كاهن ( ينزل عليهم الشيطان) بالإخبار عن الكائنات في المستقبل ( وقال عمر) بن الخطاب مما هو موصول عند عبد بن حميد في قوله تعالى: { يؤمنون بالجبت والطاغوت} [النساء: 51] ( الجبت) هو ( السحر والطاغوت) هو ( الشيطان وقال عكرمة) مولى ابن عباس فيما وصله عد بن حميد أيضًا ( الجبت بلسان الحبشة) هو ( شيطان والطاغوت) هو ( الكاهن) وفيه جواز وقوع المعرّب في القرآن وحمله الشافعي على توارد اللغتين.


[ قــ :439 ... غــ : 4583 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: هَلَكَتْ قِلاَدَةٌ لأَسْمَاءَ فَبَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي طَلَبِهَا رِجَالًا فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ، وَلَيْسُوا عَلَى وُضُوءٍ وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً فَصَلَّوْا وَهُمْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ يَعْنِي آيَةَ التَّيَمُّمِ { أُولِى الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] ذَوِي الأَمْرِ.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد ( محمد) هو ابن سلام البيكندي كما في رواية أبي ذر في الجهاد وبه جزم الكلاباذي وابن عساكر وغيرهما قال: ( أخبرنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سليمان الكوفي يقال اسمه عبد الرحمن ( عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير ( عن عائشة رضي الله عنها) أنها ( قالت: هلكت) أي ضاعت ( قلادة) بكسر القاف كان ثمنها اثني عشر درهمًا ( لأسماء) بنت أبي بكر كانت عائشة استعارتها منها وقولها في كتاب التيمم انقطع عقد لي فإضافتها لها إنما ذلك باعتبار حيازتها لذلك واستيلائها لمنفعته ( فبعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في طلبها رجالًا) هم أسيد بن حضير ومن تبعه ( فحضرت الصلاة وليسوا على وضوء ولم يجدوا ماء فصلوا وهم على غير وضوء فأنزل الله تعالى يعني آية التيمم) وسقط لأبي ذر قوله يعني آية، وحينئذٍ على المفعولية.
وهذا الحديث سبق تامًّا في كتاب التيمم.

( أولي الأمر) ولغير أبي ذر باب قوله تعالى: ( { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر} { منكم} ) [النساء: 59] أي ( ذوي الأمر) وهم الخلفاء الراشدون ومن سلك طريقهم في رعاية العدل ويدرج فيهم القضاة وأمراء السرية أمر الله تعالى الناس بطاعتهم بعد ما أمرهم بالعدل تنبيهًا على أن وجوب طاعتهم ما داموا على الحق وقيل علماء الشرع لقوله تعالى: { ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذي يستنبطونه منهم} [النساء: 83] .