فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين} [النساء: 69]

باب { فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ}
هذا ( باب) بالتنوين في قوله تعالى: ( { فأولئك} ) أي من أطاع الله والرسول ( { مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين} ) [النساء: 69] في الجنة بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر لأن الحجاب إذا زال شاهد بعضهم بعضًا، وليس المراد كون الكل في درجة واحدة لأن ذلك يقتضي التسوية في الدرجة بين الفاضل والمفضول وهو غير جائز، والأظهر أن قوله: من النبيين بيان للذين أنعم الله عليهم، وجوّز تعلق من النبيين بيطع أي: { ومن يطع الله والرسول} من النبيين ومن بعدهم ويكون قوله: { فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم} إشارة إلى الملأ الأعلى ثم قال: { وحسن أولئك رفيقًا} .

ويبين ذلك قوله عليه الصلاة والسلام عند الموت "اللهم ألحقني بالرفيق الأعلى" قاله الراغب، وتعقبه أبو حيان فأفسده معنى وصناعة، أما المعنى فلأن الرسول هنا هو محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد أخبر تعالى أنه من يطع الله ورسوله فهو مع من ذكر ولو جعل من النبيين متعلقًا بيطع لكان من النبيين تفسيرًا لمن الشرطية، فيلزم أن يكون في زمانه عليه الصلاة والسلام أو بعده أنبياء يطيعونه وهذا غير ممكن لقوله تعالى: { وخاتم النبيين} ولقوله عليه الصلاة والسلام "لا نبي بعدي".

وأما الصناعة؛ فلأن ما قبل الفاء الواقعة جوابًا للشرط لا يعمل فيما بعدها.
لو قلت إن تضرب يقم عمرو زيدًا لم يجز، وسقط قوله باب لغير أبي ذر.


[ قــ :4333 ... غــ : 4586 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمْرَضُ إِلاَّ خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ»، وَكَانَ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ أَخَذَتْهُ بُحَّةٌ شَدِيدَةٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " { مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69] " فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ.

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن عبد الله بن حوشب) بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة بينهما واو ساكنة الطائفي نزيل الكوفة قال: ( حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ولأبي ذر عن إبراهيم بن سعد ( عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ( عن عروة) بن الزبير ( عن عائشة رضي الله تعالى عنها) أنها ( قالت: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبوي ذر والوقت النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( ما من نبي يمرض) بفتح التحتية والراء بينهما ميم ساكنة ( إلا خير بين) المقام في ( الدنيا و) الرحلة إلى ( الآخرة) ( وكان في شكواه الذي قبض فيه) ولأبي ذر عن الكشميهني.
التي قبض فيها ( أخذته بحة شديدة) بضم الموحدة وتشديد الحاء المهملة غلظ صوت وخشونة حلق فسمعته يقول: ( { مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} فعلمت أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( خُير) بضم الخاء المعجمة أي بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وهذا معنى قوله في الحديث الآخر: ( اللهم الرفيق الأعلى) ثلاثًا.

وقد ذكروا في سبب نزول هذه الآية أن رجلًا من الأنصار جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو محزون فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يا فلان ما لي أراك محزونًا"؟ فقال: يا نبي الله شيء فكرت فيه.
قال: "وما هو"؟ قال: نحن نغدو عليك ونروح وننظر إلى وجهك ونجالسك غدًا ترفع مع النبيين فلا نصل إليك فلم يرد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا فأتاه جبريل بهذه الآية { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا} قال: فبعث إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبشره.
رواه ابن جرير من حديث سعيد بن جبريل مرسلًا.

ورواه الطبراني عن عائشة مرفوعًا بلفظ فقال: يا رسول الله إنك لأحب إليّ من نفسي وأهلي ومالي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فانظر إليك وإذا ذكرت موتك عرفت أنك ترفع مع النبيين وإني إن دخلت الجنة خشيت أني لا أراك، فلم يرد عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى نزل عليه جبريل عليه السلام بهذه الآية.
وقد سمى الواحدي وغيره الرجل ثوبان.
وقد ثبت في غير ما حديث من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "المرء مع من أحب".