فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله: {فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون}

باب قَوْلِهِ: { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]
( باب قوله) عز وجل، وسقط لفظ باب لغير أبي ذر وقوله للكشميهني والحموي ( { فاذهب أنت وربك} ) رفع عطفًا على الفاعل المستتر في اذهب وجاز ذلك للتأكيد بالضمير ويحتمل أنهم أرادوا حقيقة الذهاب على الله لأن مذهب اليهود التجسيم، ويؤيده مقابلة الذهاب بالقعود في قولهم ( { فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} ) [المائدة: 24] وظاهر الكلام إنهم قالوا ذلك استهانة بالله ورسوله وعدم مبالاة بهما.

وأصل هذا أن موسى عليه السلام أمر أن يدخلوا مدينة الجبارين وهي أريحاء فبعث إليهم اثني عشر عينًا من كل سبط منهم عين ليأتوه بخبر القوم فلما دخلوها رأوا أمرًا عظيمًا من هيئتهم وعظمتهم فدخلوا حائطًا لبعضهم، فجاء صاحب الحائط ليجتني الثمار من حائطه فنظر إلى آثارهم
فتتبعهم فكلما أصاب واحدًا منهم أخذه فجعله في كمه مع الفاكهة حتى التقطهم كلهم فجعلهم في كمه مع الفاكهة، وذهب إلى ملكهم فنثرهم بين يديه فقال الملك: قد رأيتم شأننا فاذهبوا وأخبروا صاحبكم رواه ابن جرير عن عبد الكريم بن الهيثم، حدّثنا إبراهيم بن بشار، حدّثنا سفيان عن أبي سعيد عن عكرمة عن ابن عباس.

قال ابن كثير: وفي هذا الإسناد نظر وقد ذكر كثير من المفسرين أخبارًا من وضع بني إسرائيل في عظمة خلق هؤلاء الجبارين وأنه كان فيهم عوج بن عنق بنت آدم عليه الصلاة والسلام، وأنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعًا وثلث ذراع تحرير الحساب وهذا شيء يستحيى منه، ثم هو مخالف لما في الصحيح أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال "إن الله خلق آدم طوله ستون ذراعًاً ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن" ثم ذكروا أن عوجًا كان كافرًا وأنه امتنع من ركوب السفينة وأن الطوفان لم يصل إلى ركبته وهذا كذب وافتراء فإن الله تعالى ذكر أن نوحًا دعا على أهل الأرض من الكافرين فقال: { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا} [نوح: 26] وقال تعالى: { فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين} [الشعراء: 119] وقال تعالى { لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} [هود: 43] وإذا كان ابن نوح غرق فكيف يبقى عوج بن عنق وهو كافر هذا لا يسوغ في عقل ولا في شرع ثم في وجود رجل يقال له عوج بن عنق نظر، والله أعلم اهـ.


[ قــ :4356 ... غــ : 4609 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ ح وَحَدَّثَنِي حَمْدَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا الأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ الْمِقْدَادُ يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لاَ نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ وَلَكِنِ امْضِ وَنَحْنُ مَعَكَ فَكَأَنَّهُ سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَرَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقٍ، أَنَّ الْمِقْدَادَ قَالَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: ( حدّثنا إسرائيل) بن يونس السبيعي ( عن مخارق) بضم الميم وتخفيف الخاء المعجمة آخره قاف ابن عبد الله الأحمسي الكوفي ( عن طارق بن شهاب) الأحمسي البجلي الكوفي أنه قال: ( سمعت ابن مسعود) عبد الله ( -رضي الله عنه- قال: شهدت من المقداد) هو ابن الأسود وكان قد تباه فنسب إليه واسم أبيه عمرو ( ح) لتحويل السند.

قال المؤلّف بالسند السابق.

( وحدّثني) بالإفراد ( حمدان) هو أحمد ( بن عمر) بضم العين البغدادي ليس له في البخاري إلا هذا الموضع قال: ( حدّثنا أبو النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة هاشم بن القاسم التميمي الخراساني نزيل بغداد قال: ( حدّثنا الأشجع) بالشين المعجمة والجيم والعين المهملة عبيد الله بن
عبد الرحمن الكوفي ( عن سفيان) الثوري ( عن مخارق) هو ابن عبد الله ( عن طارق) هو ابن شهاب ( عن عبد الله) هو ابن مسعود أنه ( قال: قال المقداد) هو المعروف بابن الأسود ( يوم بدر) : ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يومئذٍ ( يا رسول الله إنّا لا نقول لك) سقط لفظ لك لأبي ذر ( كما قالت بنو إسرائيل لموسى فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن امض ونحن معك) .
وعند أحمد: ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون ( فكأنه سرّي عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أزيل عنه المكروهات كلها.

( ورواه) أي الحديث المذكور ( وكيع) هو ابن الجراح الرؤاسي فيما وصله أحمد وإسحاق في مسنديهما عنه ( عن سفيان) هو الثوري ( عن مخارق عن طارق أن المقداد قال ذلك) القول وهو يا رسول الله إنا لا نقول لك إلخ ( للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .
ومراد البخاري أن صورة سياق هذا أنه مرسل بخلاف سياق الأشجع واستظهر لرواية الأشجع الموصلة برواية إسرائيل، وقد وقع قوله ورواه وكيع الخ مقدمًا على قوله حدّثنا أبو نعيم عند أبي ذر مؤخرًا عند غيره.
قال في الفتح: وهو أشبه بالصواب، وعند ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأصحابه يوم الحديبية حين صدّ المشركون الهدي وحيل بينهم وبين مناسكهم "إني ذاهب بالهدي فناحره عند البيت" فقال المقداد: إنا والله لا نكون كالملأ من بني إسرائيل إذ قالوا لنبيهم: اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا معكم مقاتلون، فلما سمعها أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تتابعوا على ذلك.
قال الحافظ ابن كثير: وهذا إن كان محفوظًا يوم الحديبية فيحتمل أنه كرر هذه المقالة يومئذٍ كما قالها يوم بدر وسقط قوله ذلك لأبي ذر.