فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان} [المائدة: 90]

باب قَوْلِهِ: { إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة: 90] .

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: الأَزْلاَمُ: الْقِدَاحُ يَقْتَسِمُونَ بِهَا فِي الأُمُورِ، وَالنُّصُبُ: أَنْصَابٌ يَذْبَحُونَ عَلَيْهَا.
.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ: الزُّلَمُ الْقِدْحُ لاَ رِيشَ لَهُ وَهُوَ وَاحِدُ الأَزْلاَمِ، وَالإِسْتِقْسَامُ: أَنْ يُجِيلَ الْقِدَاحَ فَإِنْ نَهَتْهُ انْتَهَى وَإِنْ أَمَرَتْهُ فَعَلَ مَا تَأْمُرُهُ.
وَيُجِيلُ يُدِيرُ وَقَدْ أَعْلَمُوا الْقِدَاحَ أَعْلاَمًا بِضُرُوبٍ يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا، وَفَعَلْتُ مِنْهُ قَسَمْتُ وَالْقُسُومُ الْمَصْدَر
( باب قوله) جل وعلا ( { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس} ) خبر عن الأشياء المتقدمة وإنما أخبر عن جمع بمفرد لأنه على حذف مضاف أي إنما تعاطي الخمر الخ ( { من عمل الشيطان} ) [المائدة: 90] لأنه مسبب من تسويله وتزيينه والظرف في موضع رفع صفة لرجس.

( وقال) بالواو ولأبي ذر قال: ( ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما مما وصله ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عنه ( الأزلام) هي ( القداح) أي السهام التي ( يقتسمون بها في الأمور) في الجاهلية ( والنُّصب) ولأبي ذر بإسقاط الواو.
والنصب بضم النون والصاد قال ابن عباس مما وصله
ابن أبي حاتم هي ( أنصاب) كانوا ينصبونها ( يذبحون عليها) وقال ابن قتيبة حجارة ينصبونها ويذبحون عندها فتنصب عليها دماء الذبائح.

( وقال غيره) أي غير ابن عباس ( الزلم) بفتحتين هو ( القدح) بكسر القاف وسكون الدال وهو السهم الذي ( لا ريش له وهو واحد الأزلام) ويقال للسهم أوّل ما يقطع قطع ثم ينحت ويبرى فيسمى بريًا ثم يقوّم فيسمى قدحًا، ثم يراش ويركب نصله فيسمى سهمًا ( والاستقسام) هو ( أن يجيل) بالجيم ( القداح) قيمها ( فإن نهته) بأن خرج نهاني ربي ( انتهى) وترك ( وإن أمرته) بأن خرج أمرني ربي ( فعل ما تأمره) زاد أبو ذر به وأن معنى قوله ( يجيل) بضم التحتية وكسر الجيم أي ( يدير) من الإدارة وكانوا يعطون القيم على إجالتها مائة درهم ( وقد أعلموا القداح) وكانت سبعة مستوية موضوعة في جوف الكعبة عند هبل أعظم أصنامهم ( أعلامًا) يكتبونها عليها ( بضروب) أي بأنواع من الأمور، فعلى واحد أمرني ربي، وعلى الآخر نهاني ربي، وعلى آخر واحد منكم، وعلى آخر من غيركم، وعلى آخر ملصق، وعلى آخر العقل والسابع غفل أي ليس عليه شيء.
وكانوا ( يستقسمون) أي يطلبون ( بها) بيان قسمهم من الأمر الذي يريدونه كسفر أو نكاح أو تجارة أو اختلفوا فيه من نسب أو أمر قتيل أو حمل عقل وهو الدّية أو غير ذلك من الأمور العظيمة، فإن أجالوه على نسب وخرج منكم كان وسطًا فيهم وإن خرج من غيركم كان حلفًا فيهم وإن خرج ملصقًا كان على حاله، وإن اختلفوا في العقل فمن خرج عليه قدحه يحمله وإن خرج الغفل الذي لا علامة عليه أجالوا ثانيًا حتى يخرج المكتوب عليه وقد نهاهم الله عن ذلك وحرمه وسماه فسقًا.

ووقع في رواية يستقسمون به بتذكير الضمير أي يستقسمون بذلك الفعل ( وفعلت منه قسمت) قال في العمدة: أشار به إلى أن من أراد أن يخبر عن نفسه من لفظ الاستقسام يقول قسمت بضم التاء ( والقسوم) بضم القاف على وزن فعول ( المصدر) .


[ قــ :4363 ... غــ : 4616 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَإِنَّ فِي الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ لَخَمْسَةَ أَشْرِبَةٍ مَا فِيهَا شَرَابُ الْعِنَبِ.
[الحديث 4616 - أطرافه في: 5579] .

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد ( إسحاق بن إبراهيم) المعروف بابن راهويه قال: ( أخبرنا محمد بن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة ابن الفرافصة أبو عبد الله العبدي الكوفي قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز) بن مروان بن الحكم القرشي الأموي المدني ( قال: حدّثني) بالإفراد ( نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما) أنه ( قال: نزل تحريم الخمر وإن في المدينة) ولأبي ذر لأن بالمدينة بالموحدة بدل في ( يومئذٍ) قبل تحريمها ( لخمسة أشربة) شراب العسل والتمر والحنطة والشعير والذرة ( ما فيها شراب العنب) .

وهذا الحديث من أفراده.




[ قــ :4364 ... غــ : 4617 ]
- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: مَا كَانَ لَنَا خَمْرٌ غَيْرُ فَضِيخِكُمْ هَذَا الَّذِي تُسَمُّونَهُ الْفَضِيخَ، فَإِنِّى لَقَائِمٌ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: وَهَلْ بَلَغَكُمُ الْخَبَرُ؟ فَقَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، قَالُوا اهْرِقْ هَذِهِ الْقِلاَلَ يَا أَنَسُ، قَالَ: فَمَا سَأَلُوا عَنْهَا وَلاَ رَاجَعُوهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ.

وبه قال: ( حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي قال: ( حدّثنا ابن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد التحتية إسماعيل بن إبراهيم وعلية أمه قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن صهيب) بضم المهملة وفتح الهاء آخره موحدة مصغرًا البناني البصري ( قال: قال أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه ما كان خمر غير فضيخكم) بفتح الفاء وكسر الضاد وبالخاء المعجمتين شراب يتخذ من البسر وحده من غير أن تمسه النار والفضخ الكسر لأن البسر يشدخ ويترك في وعاء حتى يغلي ( هذا الذي تسمونه الفضيخ فإني لقائم أسقي أبا طلحة) زيد بن سهل الأنصاري زوج أم أنس ( وفلانًا وفلانًا) وقع من تسمية من كان مع أبي طلحة عند مسلم أبو دجانة وسهيل ابن بيضاء وأبو عبيدة وأُبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبو أيوب ( إذ جاء رجل) لم يسم ( فقال) : وفي الفرع قال: ( وهل بلغكم الخبر؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال: حرمت الخمر) أي حرمها الله تعالى على لسان رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالوا: ( أهرق) بهمزة مفتوحة فهاء ساكنة فراء مكسورة أمر من أهراق، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: هرق بفتح الهاء وكسر الراء من غير همز وله أيضًا عن الكشميهني أرق بهمزة مفتوحة فراء مكسورة من غير هاء.

قال السفاقسي: الجمع بين الهاء والهمزة ليس بجيد لأن الهاء بدل من الهمزة فلا يجمع بينهما.
وأجيب: بأنهم قد جمعوا بينهما كما في الصحاح وغيره، وصرح به سيبويه أي صب ( هله القلاب يا أنس) بكسر القاف أي الجرار التي لا يقل أحدها إلا القوي من الرجال ( قال) أي أنس: ( فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل) .
ففيه قبول خبر الواحد.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأشربة.




[ قــ :4365 ... غــ : 4618 ]
- حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: صَبَّحَ أُنَاسٌ غَدَاةَ أُحُدٍ الْخَمْرَ فَقُتِلُوا مِنْ يَوْمِهِمْ جَمِيعًا شُهَدَاءَ وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا.

وبه قال: ( حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي قال: ( أخبرنا ابن عيينة) سفيان ( عن عمرو) هو ابن دينار ( عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أنه ( قال: صبح أناس) بفتح الصاد وتشديد الموحدة ( غداة أُحد) سنة ثلاث ( الخمر) وفي الجهاد من طريق علي بن عبد الله المديني اصطبح ناس الخمر يوم أُحد أي شربوه صبوحًا أي بالغداة ( فقتلوا من يومهم جميعًا شهداء) وعند الإسماعيلي من طريق القواريري عن سفيان اصطبح قوم الخمر أول النهار
وقتلوا آخر النهار شهداء ( وذلك قبل تحريمها) وزاد البزار في مسنده فقالت اليهود: قد مات بعض الدين قتلوا وهي في بطونهم فأنزل الله تعالى: { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} [المائدة: 93] وفي سياق هذا الحديث غرابة وفي مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص قال: صنع رجل من الأنصار طعامًا فدعانا فشربنا الخمر قبل أن تحرّم حتى سكرنا فتفاخرنا الحديث، وفيه فنزلت { إنما الخمر والميسر} إلى قوله: { فهل أنتم منتهون} .

وحديث الباب أخرجه البخاري أيضًا في الجهاد والمغازي.




[ قــ :4366 ... غــ : 4619 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا عِيسَى وَابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ -رضي الله عنه- عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَهْيَ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنَ الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ.
[الحديث 4619 - أطرافه في: 5581، 5588، 5589، 7337] .

وبه قال: ( حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه ( الحنظلي) قال: ( أخبرنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ( وابن إدريس) عبد الله الأودي الكوفي كلاهما ( عن أبي حيان) بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية يحيى بن يزيد التيمي ( عن الشعبي) عامر بن شراحيل ( عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- أنه ( قال: سمعت عمر -رضي الله عنه- على منبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير) وفي هذا بيان حصول الخمر مما ذكر وليس للحصر لخلوّ التركيب عن أداته، ولتعقيبه بقوله ( والخمر ما خامر العقل) أي ستره وغطاه كالخمار سواء كان مما ذكر أو من غيره كأنواع الحبوب والنبات كالأفيون والحشيش، ولا تعارض بين قول ابن عمر أوّلًا نزل تحريم الخمر وأن بالمدينة يومئذٍ لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب، وبين قول عمر نزل تحريم الخمر وهي من خمسة الخ لأن الأوّل أفاد أن التحريم نزل في حالة لم يكن شراب العنب فيها بالمدينة، والقول الثاني وهو قول عمر لا يقتضي أن شراب العنب كان بالمدينة إذ ذاك بوجه وحيئنذٍ فلا تعارض كما لا يخفى.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الاعتصام والأشربة، ومسلم في آخر الكتاب، وأبو داود في
الأشربة وكذا الترمذي والنسائي فيه وفي الوليمة.