فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} [الأنعام: 59]

باب {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} [الأنعام: 59]
هذا ( باب) بالتنوين في قوله تعالى: ( {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو}) [الأنعام: 59] المفاتح: جمع مفتح بفتح الميم وهو الخزانة أو جمع مفتح بكسر الميم وهو المفتاح بإثبات الألف وجمعه مفاتيح بياء بعد الألف وقرأ بها ابن السميقع وهو الآلة التي يفتح بها، فعلى الأول يكون المعنى وعنده خزائن الغيب وهذا منقول عن السدي فيما رواه الطبري، وعلى الثاني يكون قد جعل للغيب مفاتيح على طريق الاستعارة لأن المفاتيح هي التي يتوصل بها إلى ما في الخزائن المستوثق منها بالإغلاق فمن علم كيف يفتح بها ويتوصل إلى ما فيها فهو عالم وكذلك هاهنا إن الله تعالى لما كان عالمًا بجميع المعلومات ما غاب منها وما لم يغب عبّر عنه بهذه العبارة إشارة إلى أنه هو المتوصل إلى المغيبات وحده لا يتوصل إليها غيره وهذا هو الفائدة في التعبير بعند، وفيه ردّ على المنجم المخذول الذي يدعي علم الغيب والفلسفي المطرود الذي يزعم أن الله تعالى لا يعلم الجزئيات، وجوّز الواحدي أنه جمع مفتح بفتح الميم على أنه مصدر بمعنى الفتح أي وعنده فتوح الغيب أي يفتح الغيب على من يشاء من عباده ويطلق المفتاح على المحسوس والمعنوي، وفي حديث أنس مما صححه ابن حبان "أن من الناس مفاتح للخير".


[ قــ :4374 ... غــ : 4627 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34] ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى القرشي العامري الأويسي قال: ( حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن سالم بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( مفاتح الغيب) بوزن مساجد أي خزائن الغيب ( خمس) لا يعلمها إلا الله فمن ادّعى علم شيء منها فقد كفر بالقرآن العظيم وذكر خمسًا، وإن كان الغيب لا يتناهى لأن العدد لا ينفي زائدًا عليه أو لأن هذه الخمس هي التي كانوا يدّعون علمها ( {إن الله عنده علم الساعة}) أي علم قيامها فلا يعلم ذلك نبي مرسل ولا ملك مقرب لا يجلبها لوقتها إلا هو ومن ثمّ أنكر الداودي على الطبري دعواه أنه بقي من الدنيا من هجرة المصطفى نصف يوم وهو خمسمائة عام قال: وتقوم الساعة لأن دعواه مخالفة لصريح القرآن والسنّة ويكفي في الردّ عليه أن الأمر وقع بخلاف ما قال فقد مضت خمسمائة سنة ثم ثلاثمائة وزيادة لكن الطبري تمسك بحديث أبي ثعلبة رفعه: "لن تعجز هذه الأمة أن يؤخرها الله نصف يوم".
الحديث ... أخرجه أبو داود وغيره لكنه ليس صريحًا في أنها لا تؤخر أكثر من ذلك ( {وينزل الغيث}) فلا يعلم وقت إنزاله من غير تقديم ولا تأخير وفي بلد لا يجاوز به إلا هو لكن إذا أمر به علمته ملائكته الموكلون به ومن شاء الله من خلقه ( {ويعلم ما في الأرحام}) مما يريد أن يخلقه أذكر أم أنثى أتام أم ناقص لا أحد سواه لكن إذا أمر بكونه ذكرًا أو أنثى أو شقيًّا أو سعيدًا علمه الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء من خلقه ( {وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا) في دنياها أو أخراها من خير أو شر ( {وما تدري نفس بأي أرض تموت}) أفي بلدها أم في غيرها فليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض أفي بحر أو بر سهل أو جبل ( {إن الله عليم خبير}) [لقمان: 34] .
والاستدراك من نفي علم غير البارئ تعالى بوقت إنزال المطر قوّلنا لكن إذا أمر به علمته ملائكته الموكلون به الخ ... مستفاد من قوله: علم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسول الآية.
ومقتضاه إطلاع الرسول على بعض المغيب والولي تابع للرسول يأخذ عنه، وسقط قوله: {ويعلم ما في الأرحام} الخ لأبي ذر وقال إلى آخر السورة.

وهذا الحديث قد سبق في الاستسقاء ويأتي إن شاء الله تعالى في سورة الرعد ولقمان والله المستعان.