فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {لا ينفع نفسا إيمانها} [الأنعام: 158]

باب { لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام: 158]
( باب قوله) تعالى ( { لا ينفع نفسًا إيمانها} ) [الأنعام: 158] أي: يوم يأتي بعض آيات ربك كالدخان ودابة الأرض والدجال ويأجوج ومأجوج وحضور الموت { لا ينفع نفسًا إيمانها} إذا صار الأمر عيانًا والإيمان برهانيًا.
وقول الزمخشري فلم يفرق كما ترى بين النفس الكافرة إذا آمنت في غير وقت الإيمان وبين النفس التي آمنت في وقته ولم تكسب خيرًا، ومراده بذلك كما في الانتصاف الاستدلال على أن الكافر والعاصي في الخلود سواء حيث سوّى في الآية بينهما في عدم الانتفاع بما يستدر كأنه بعد ظهور الآيات مدفوع بما قاله المحققون أن التقدير: { يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها} أو كسبها في إيمانها حينئذٍ لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا من قبل، فيوافق الآيات والأحاديث المشاهدة بأن مجرد الإيمان ينفع ويورث النجاة ولو بعد حين، وفي الآية لف وأصله: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا لم تكن مؤمنة قبل إيمانها بعد ولا نفسًا لم تكسب في إيمانها خيرًا قبل ما تكسبه من الخير بعد، لكن حذف إحدى القرينتين.
وحاصله أن الإيمان المجرد قبل كشف قوارع الساعة نافع وأن الإيمان المقارن بالعمل الصالح أنفع وأما بعدها فلا ينفع شيء أصلًا ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في كتاب الفتن بعون الله وقوته.


[ قــ :4382 ... غــ : 4635 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا فَذَاكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ».

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: ( حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: ( حدّثنا عمارة) بضم العين وتخفيف الميم ابن القعقاع الضبي الكوفي قال: ( حدّثنا أبو زرعة) هرم بن عمرو البجلي الكوفي قال: ( حدّثنا أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها) غاية لعدم قيام الساعة، ويؤيده ما رواه البيهقي في كتاب البعث والنشور عن الحاكم أبي عبد الله: أن أوّل الآيات ظهور الدجال ثم نزول عيسى، ثم خروج يأجوج ومأجوج، ثم خروج الدابة، ثم طلوع الشمس من مغربها وهو أوّل
الآيات العظام المؤذنة بتغيير أحوال العالم العلوي، وذلك أن الكفار يسلمون في زمن عيسى، ولو لم ينفع الكفار هيمانهم أيام عيسى لما صار الذين واحدًا فإذا قبض عيسى عليه السلام ومن معه من المسلمين رجع أكثرهم إلى الكفر فعند ذلك تطلع الشمس من مغربها ( فإذا رآها الناس آمن من عليها) أي من على الأرض ( فذاك حين { لا ينفع نفسًا إيمانها} لم تكن آمنت من قبل) أي لا ينفع كافرًا لم يكن آمن قبل طلوعها إيمان بعد الطلوع ولا ينفع مؤمنًا لم يكن عمل صالحًا قبل الطلوع عمل صالح بعد الطلوع، لأن حكم الإيمان والعمل الصالح حينئذٍ حكم من آمن أو عمل عند الغرغرة وذلك لا يفيد شيئًا ما قال تعالى: { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا} [غافر: 85] .

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الإيمان وأبو داود في الملاحم والنسائي في الوصايا وابن ماجه في الفتن.




[ قــ :4383 ... غــ : 4636 ]
- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ وَذَلِكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا» ثُمَّ قَرَأَ الآيَةَ.

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( إسحاق) هو ابن نصر أبو إبراهيم السعدي كما جزم به خلف أو هو ابن منصور أبو يعقوب المروزي الكوسج كما جزم به أبو مسعود الدمشقي، لكن قال الحافظ ابن حجر: إن الأوّل أقوى قال: ( أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني قال: ( أخبرنا معمر) هو ابن راشد ( عن همام) هو ابن منبه الصنعاني ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها) وآية ذلك أن تطول الليلة حتى تكون قدر ليلتين.
رواه ابن مردويه من حديث حذيفة مرفوعًا ( فإذا طلعت) من مغربها ( ورآها الناس آمنوا أجمعون وذلك حين { لا ينفع نفسًا إيمانها} ثم قرأ الآية) ولمسلم عن ابن عمر مرفوعًا: "إن أوّل الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغربها" الحديث.

واستشكل بأن طلوع الشمس ليس بأوّل الآيات لأن الدخان والدجال قبله وأجيب: بأن الآيات إما أمارات دالة على قرب قيام الساعة، وإما أمارات دالة على وجود قيام الساعة وحصولها، ومن الأوّل الدخان وخروج الدجال ونحوهما، ومن الثاني طلوع الشمس من مغربها وسمي أوّلًا لأنه مبدأ القسم الثاني.

ويأتي إن شاء الله تعالى نبذة من فرائد الفوائد المتعلقة بهذه المباحث في محالها من هذا الكتاب وبالله المستعان وعليه التكلان.