فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {قل: يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض، لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله، النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته، واتبعوه لعلكم تهتدون}

باب { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِى وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158]
(باب) بالتنوين وهو ثابت لأبي ذر ({ قل يا أيها الناس} ) شامل للعرب وغيرهم كأهل الكتاب ({ إني رسول الله إليكم جميعًا} ) حال من المجرور بلى وفيه ردّ على العيسوية من اليهود أتباع عيسى الأصبهاني الزاعمين تخصيص إرساله عليه السلام بالعرب، وقيل المراد بالناس العقلاء ومن تبلغه الدعوة ({ الذي له ملك السماوات والأرض} ) نصب بأعني أو جر نعت للجلالة وإن حيل بين النعت والمنعوت بما هو متعلق المضاف إليه ومناسبة ذكر السماوات والأرض هنا الإشعار بأن له تخصيص من شاء بما شاء من تخصيص الرسالة وتعميمها ({ لا إله إلا هو} ) جملة لا محل لها من الإعراب أو بدل من الصلة التي هي له ملك السماوات والأرض ولقائل أن يقول الأولى الاستئناف ويكون كالجواب لمن سأل لماذا اختص بذلك فأجيب بأنه المتوحد بالألوهية وقوله: ({ يحيي ويميت} ) يجري مجرى الدليل على ذلك ({ فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي} ) الذي لا يخط كتابًا بيده ولا يقرؤه وقد ولد في قوم أميين ونشأ بين أظهرهم في بلد ليس به عالم يعرف أخبار الماضين ولم يخرج في سفر ضاربًا إلى عالم فيعكف عليه فجاءهم بأخبار التوراة والإنجيل والأمم الماضية إلى غير ذلك من العلوم التي تعجز عن بلوغها القوى البشرية مما لا يرتاب أنه أمر إلهي ووحي سماوي ({ الذي يؤمن بالله وكلماته} ) المنزلة عليه وعلى سائر الرسل من كتب ووحي وقراءة وكلمته بالإفراد يراد بها الجن أو القرآن أو عيسى.

وفي حديث عبادة بن الصامت عند البخاري مرفوعًا "من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته" الحديث.
قال في الأنوار: أريد بالكلمة في الآية عيسى تعريضًا باليهود وتنبيهًا على أن من لم يؤمن به لم يعتبر إيمانه وقال غيره لعله أراد كلمة كن، وخصّ بها عيسى لأنه لم يوجد بغيرها لأن كان غيره كذلك لكنه ينسب إلى نطفة الأب في الجملة ({ واتبعوه} ) اسلكوا طريقه واقتفوا أثره ({ لعلكم تهتدون} ) [الأعراف: 158] إلى الصراط المستقيم وسقط لغير أبي ذر لفظ باب وله من قوله: { لا إله الا هو} إلى آخرها.
وقال بعد قوله: { والأرض} الآية.
وثبت ذلك للباقين.


[ قــ :4387 ... غــ : 4640 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلاَءِ بْنِ زَبْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: كَانَتْ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ مُحَاوَرَةٌ فَأَغْضَبَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ فَانْصَرَفَ عَنْهُ عُمَرُ مُغْضَبًا فَاتَّبَعَهُ أَبُو بَكْرٍ يَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَغْلَقَ بَابَهُ فِي وَجْهِهِ فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَبُو الدَّرْدَاءِ وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَّا صَاحِبُكُمْ هَذَا فَقَدْ غَامَرَ» قَالَ وَنَدِمَ عُمَرُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ فَأَقْبَلَ حَتَّى سَلَّمَ وَجَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَصَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْخَبَرَ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي إِنِّي.

قُلْتُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ».

     وَقَالَ  أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: غَامَرَ سَبَقَ بِالْخَيْرِ.

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد الله) غير منسوب عند الأكثرين وعند ابن السكن عن الفربري عن البخاري عبد الله بن حماد وبذلك جزم أبو نصر الكلاباذي وغيره وعبد الله هذا هو الآملي بمد الهمزة وضم الميم المخففة وهو من تلامذة البخاري وكان يورق بين يديه وكان حافظًا وشارك البخاري في كثير من شيوخه وروايته عنه هنا من رواية الأكابر عن الأصاغر قال: (حدّثنا سليمان بن عبد الرحمن) الدمشقي من شيوخ المؤلّف (وموسى بن هارون) البني بضم الموحدة وتشديد النون المكسورة والبردي بضم الموحدة وسكون الراء الكوفي قدم مصر وسكن الفيوم وليس له في البخاري غير هذا الحديث (قالا: حدّثنا الوليد بن مسلم) أبو العباس الدمشقي قال: (حدّثنا عبد الله بن العلاء) بفتح العين والمد (ابن زبر) بفتح الزاي وسكون الموحدة الربعي بفتح الراء والموحدة وبالعين المهملة (قال: حدّثني) بالإفراد (بسر بن عبيد الله) بضم الموحدة وسكون المهملة وعبيد الله بضم العين مصغرًا الحضرمي الشامي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو إدريس) عائذ الله (الخولاني) بالخاء المعجمة المفتوحة والنون (قال: سمعت أبا الدرداء) عويمرًا الأنصاري -رضي الله عنه- (يقول: كانت بين أبي بكر وعمر) -رضي الله عنهما- (محاورة) بالحاء والراء المهملتين (فأغضب أبو بكر عمر) -رضي الله عنهما- (فانصرف عنه عمر) حال كونه (مغضبًا فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه) غاية لسؤال أبي بكر عمر (فأقبل أبو بكر إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال أبو الدرداء ونحن عنده) عليه الصلاة والسلام (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أما صاحبكم هذا) يعني أبا بكر (فقد غامر) بالغين المعجمة وبعدها ألف فميم ثم راء أي خاصم وغاضب وحاقد.
وفي مناقب أبي بكر أقبل أبو بكر آخذًا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أما صاحبكم هذا فقد غامر فسلم".
وقال: إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ فأقبلت إليك فقال: "يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثًا".

(قال) أبو الدرداء (وندم عمر على ما كان منه) من عدم استغفاره لأن بكر -رضي الله عنهما- (فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقص على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخبر) الذي وإن بينه وبين الصديق (قال أبو الدرداء: وغضب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وفي المناقب فجعل وجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتمعر أي يتغير من شدة الغضب (وجعل أبو بكر يقول): وهو جاث على ركبتيه مشفقًا أن ينال
عمر من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما يكره (والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم) من عمر في ذلك (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هل أنتم تاركو لي صاحبي هل أنتم تاركو لي صاحبي) مرتين وتاركو بغير نون مضافًا لصاحبي مع الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالجار والمجرور كقراءة ابن عامر { زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم} [الأنعام: 137] ببناء زين للمفعول ورفع قتل ونصب أولادهم وجر شركائهم وهي قراءة متواترة وتضعيف أهل العربية لها للفصل إنما هو لاعتقادهم أن القراءات بحسب وجوه العربية وهو خطأ فالعربية تصحح بالقراءة لا القراءة بالعربية وقد أشبعت الكلام في مبحث ذلك في كتابي في القراءات الأربعة عشر، وتقديم الجار يفيد الاختصاص، وفي رواية أبي ذر تاركون لي بالنون على الأصل (إني قلت: { يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا} فقلتم: كذبت.
وقال أبو بكر: صدقت).
وهذا كما مرّ قريبًا خطاب عام يردّ على العيسوية من اليهود المصدقين ببعثته إلى العرب لا إلى بني إسرائيل لأنا نقول إنهم أقرّوا بأنه رسول وإذا كان كذلك كان صادقًا في كل ما يدعيه وقد ثبت بالتواتر وبظاهر هذه الآية أنه كان يدعي عموم رسالته فوجب تصديقه وبطل قولهم إنه كان مبعوثًا للعرب لا لبني إسرائيل.

وهذا الحديث من أفراد المؤلّف.

(قال أبو عبد الله): هو البخاري في تفسير (فأمر) أي (سبق بالخير) بالتحتية الساكنة كذا فسره والذي في الصحاح والنهاية أي خاصم أي دخل في غمرة الخصومة وهي معظمها، والمغامر الذي يرمي بنفسه في الأمور المهلكة، وقيل هو من الغمر بالكسر وهي الحقد أي حاقد غيره وقد مر نحوه، وهذا ثابت في رواية أبوي الوقت وذر ساقط لغيرهما.
قال في المشارق: كذا فسره المستملي عن البخاري وهو يدل على أنه ساقط للحموي والكشميهني على ما لا يخفى.