فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا) الآية

باب { الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضُعْفًا} [الأنفال: 66] الآيَةَ
( { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا} ) في القوة والجلد ( الآية) زاد غير أبي ذر إلى قَوْلِهِ: { وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} .


[ قــ :4399 ... غــ : 4653 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ خِرِّيتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حِينَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَنْ لاَ يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ، فَجَاءَ التَّخْفِيفُ فَقَالَ: { الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضُعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} قَالَ: فَلَمَّا خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنَ الْعِدَّةِ نَقَصَ مِنَ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خُفِّفَ عَنْهُمْ.

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن عبد الله السلمي) بضم السين وفتح اللام خاقان البلخي قال: ( أخبرنا عبد الله بن المبارك) المروزي قال: ( أخبرنا جرير بن حازم) بفتح جيم جرير وحازم بالحاء المهملة والزاي ( قال: أخبرني) بالإفراد ( الزبير) بضم الزاي ( ابن خريت) بكسر الخاء المعجمة والراء المشددة وبعد التحتية الساكنة فوقية بصري من صغار التابعين ( عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال لما نزلت { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة فجاء التخفيف) عنهم وعند ابن إسحاق من طريق عطاء عن ابن عباس فخفف الله عنهم فنسخها بالآية الأخرى ( فقال: { الآن خفف الله عنكم} ) وسقط قوله فقال لأبي ذر ( { وعلم أن فيكم ضعفًا} ) في البدن أو في البصيرة ( { فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين} ) أمر بلفظ الخبر إذ لو كان خبرًا لم يقع بخلاف المخبر عنه، والمعنى في وجوب المصابرة لمثلينا أن المسلم على إحدى الحسنيين إما أن يقتل فيدخل الجنة أو يسلم فيفوز بالأجر والغنيمة والكافر يقاتل على الفوز بالدنيا وقد زاد الإسماعيلي في الحديث ففرض عليهم أن لا يفر رجل من رجلين ولا قوم من مثليهم، والحاصل أنه يحرم على المقاتل الانصراف عن الصف إذا لم يزد عدد الكفار على مثلينا فلو لقي مسلم كافرين فله الانصراف وإن كان هو الذي طلبهما لأن فرض الجهاد والثبات إنما هو في الجماعة، لكن قال البلقيني الأظهر بمقتضى نص الشافعي في المختصر أنه ليس له الانصراف.
( قال) ابن عباس ( فلما خفف الله عنهم من العدة نقص) بالتخفيف ( من الصبر بقدر ما خفف عنهم) .

وهذا الحديث أخرجه أبو داود في الجهاد.


[9] - سورة بَرَاءَةَ
{ وَلِيجَةً} كُلُّ شَيْءٍ أَدْخَلْتَهُ فِي شَيْءٍ، { الشُّقَّةُ} : السَّفَرُ، الْخَبَالُ: الْفَسَادُ، وَالْخَبَالُ: الْمَوْتُ، وَلاَ تَفْتِنِّي: لاَ تُوَبِّخْنِي، كَرْهًا وَكُرْهًا وَاحِدٌ، مُدَّخَلًا: يُدْخَلُونَ فِيهِ يَجْمَحُونَ: يُسْرِعُونَ، وَالْمُؤْتَفِكَاتِ ائْتَفَكَتْ: انْقَلَبَتْ بِهَا الأَرْضُ، أَهْوَى: أَلْقَاهُ فِي هُوَّةٍ، عَدْنٍ خُلْدٍ عَدَنْتُ بِأَرْضٍ أَيْ أَقَمْتُ، وَمِنْهُ مَعْدِنٌ وَيُقَالُ فِي مَعْدِنِ صِدْقٍ فِي مَنْبِتِ صِدْقٍ، { الْخَوَالِفُ} : الْخَالِفُ الَّذِي خَلَفَنِي فَقَعَدَ بَعْدِي، وَمِنْهُ يَخْلُفُهُ فِي الْغَابِرِينَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النِّسَاءُ مِنَ الْخَالِفَةِ، وَإِنْ كَانَ جَمْعَ الذُّكُورِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عَلَى تَقْدِيرِ جَمْعِهِ إِلاَّ حَرْفَانِ، فَارِسٌ، وَفَوَارِسُ وَهَالِكٌ: وَهَوَالِكُ: الْخَيْرَاتُ وَاحِدُهَا خَيْرَةٌ، وَهْيَ الْفَوَاضِلُ.
مُرْجَئُونَ: مُؤَخَّرُونَ، الشَّفَاشَفِيرٌ وَهْوَ حَدُّهُ، وَالْجُرُفُ: مَا تَجَرَّفَ مِنَ السُّيُولِ وَالأَوْدِيَةِ.
هَارٍ: هَائِرٍ، لأَوَّاهٌ شَفَقًا وَفَرَقًا.

     وَقَالَ  الشَّاعِرُ:
إِذَا مَا قُمْتُ أَرْحَلُهَا بِلَيْلٍ ... تَأَوَّهُ آهَةَ الرَّجُلِ الْحَزِينِ
يقال: تهورت البئر: إذا وانهدمت وانهار مثله.

( [9] سورة براءة)
مدنية ولها أسماء أخر تزيد على العشرة منها: التوبة والفاضحة والمقشقشة لأنها تدعو إلى التوبة وتفضح المنافقين وتقشقشهم أي تبرئ منهم وهي من آخر ما نزل ولم يكتبوا بسملة أو لها أمان وبراءة نزلت لرفعه أو توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يبين موضعها، وكانت قصتها تشابه قصة الأنفال لأن فيها ذكر العهود وفي براءة نبذها فضمت إليها.

( { وليجة} ) يريد قوله تعالى: { ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة} [التوبة: 16] ( كل شيء أدخلته في شيء) وهي فعيلة من الولوج كالدخيلة وهي نظير البطانة والداخلة والمعنى لا ينبغي أن يوالوهم ويفشوا إليهم أسرارهم وسقط قوله وليجة الخ لأبي ذر وثبت لغيره.

( { الشُّقَّةُ} ) في قوله: { بعدت عليهم الشقة} [التوبة: 42] هي ( السفر) وقيل هي المسافة التي تقطع بمشقة يقال شقة شاقة أي بعدت عليهم الشاقة البعيدة أي يشق على الإنسان سلوكها.

( الخبال) في قوله: { ما زادوكم إلا خبالًا} [التوبة: 47] ( الفساد) والاستثناء يجوز أن يكون منقطعًا أي أنه لم يكن في عسكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبال فيزيد المنافقون فيه، وكأن المعنى ما زادوكم قوّة ولا شدة لكن خبالًا وأن يكون متصلًا وذلك أن عسكر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة تبوك كان فيهم منافقون كثير ولهم لا محالة خبال فلو خرج هؤلاء لالتأموا مع الخارجين فزاد الخبال.
( والخبال: الموت) كذا في جميع الروايات والصواب الموتة بضم الميم وزيادة هاء آخره وهو ضرب من الجنون.

وقوله تعالى: ( { ولا تفتني} ) أي ( لا توبخني) من التوبيخ ولأبي ذر عن المستملي لا توهني بالهاء وتشديد النون من الوهن وهو الضعف ولابن السكن ولا تؤثمني بمثلثة مشددة وميم ساكنة من الإثم وصوبه القاضي عياض.

( { كرهًا} ) بفتح الكاف ( وكرهًا) بضمها ( واحد) في المعنى ومراده قوله تعالى: { قل أنفقوا طوعًا أو كرهًا} وسقط كرهًا الخ لأبي ذر.

( { مدخلًا} ) بتشديد الدال يريد لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلًا أي: ( يدخلون فيه) والمدخل السرب في الأرض وقوله تعالى: { لولوا إليه وهم} ( { يجمحون} ) [التوبة: 57] أي ( يسرعون) إسراعًا لا يردّهم شيء كالفرس الجموح.

وقوله: { وأصحاب مدين} ( { والمؤتفكات} ) [التوبة:70] وهي قريات قوم لوط ( ائتفكت) أي ( انقلبت بها) أي القريات ( الأرض) فصار عاليها سافلها وأمطروا حجارة من سجيل.

( { أهوى} ) يريد: { والمؤتفكة أهوى} بسورة النجم يقال: ( ألقاه في هوّة) بضم الهاء وتشديد الواو أي مكان عميق وذكرها استطرادًا.

وقوله تعالى: { في جنات} ( { عدن} ) [التوبة: 72] أي ( خلد) بضم الخاء المعجمة وسكون اللام يقال ( عدنت بأرض أي أقمت) بها ( ومنه معدن) وهو الموضع الذي يستخرج منه الذهب والفضة ونحوهما ( ويقال) فلان ( في معدن صدق) أي ( في منبت صدق) كأنه صار معدنًا له للزومه له وسقط لأبي ذر من عدنت الخ.

( { الخوالف} ) يريد قوله: { رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} [التوبة: 87] وفسره بقوله ( الخالف الذي خلفني فقعد بعدى ومنه) أي من هذا اللفظ ( يخلفه في الغابرين) .
قال عليه الصلاة والسلام في حديث أم سلمة "اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين" رواه مسلم.
قال النووي أي الباقين ( ويجوز أن يكون النساء من الخالفة) وهي المرأة ( وإن) بالواو ولأبي ذر: فإن ( كان) خوالف ( جمع الذكور فإنه لم يوجد على تقدير جمعه) على فواعل ( الآخر فإن فارس وفوارس وهالك وهوالك) قاله أبو عبيدة.
وزاد ابن مالك شاهق وشواهق وناكس ونواكس وداجن ودواجن وهذه الخمسة جمع فاعل وهو شاذ ولأبي ذر: وهالك في الهوالك.

والمفهوم من أوّل كلام البخاري أن خوالف جمع خالف وحينئذٍ إنما يجوز أن يكون النساء إذا كان يجمع الخالفة على خوالف وإنما الخالف يجمع على الخالفين بالياء والنون والمشهور في فواعل أنه جمع فاعلة فإن كان من صفة النساء فواضح وقد تحذف الهاء في صفة المفرد من النساء، وإن كان من صفة الرجال فالهاء للمبالغة يقال رجل خالفة لا خبر فيه والأصل في جمعه بالنون كما مرّ، والمراد بالخوالف في الآية النساء والرجال العاجزون والصبيان فجمع بجمع
المؤنث تغليبًا لكونهن أكثر في ذلك من غيرهن.

قوله: { وأولئك لهم} ( { الخيرات} ) [التوبة: 88] ( واحدها خيرة) بفتح الخاء وسكون التحتية آخرها هاء تأنيث ( وهي الفواضل) بالضاد المعجمة قاله أبو عبيدة.

قوله: { وآخرون} ( { مرجون} ) [التوبة: 106] أي ( مؤخرون) لأمر الله ليقضي فيهم ما هو قاض وهذه ساقطة لأبي ذر.

( الشفا) بفتح الشين المعجمة والفاء مقصورًا يريد قوله تعالى: { على شفا جرف هار} [التوبة: 109] وفسر الشفا بقوله: ( شفير) ولأبي ذر الشفير ثم قال: ( وهو) أي الشفير ( حده) بالدال بعد الحاء المهملتين وللكشميهني وهو حرفه أي جانبه.

( والجرف ما تجرف من السيول والأودية) أي يحفر بالماء فصار واهيًا.

( { هار} ) أي ( هائر) يقال انهارت البئر إذا تهدمت.
قال القاضي: وإنما وضع شفا الجرف وهو ما جرفه الوادي الهائر في مقابلة التقوى تمثيلاً لما بنوا عليه أمر دينهم في البطلان وسرعة الانطماس ثم رشحه بانهياره به في النار ووضعه في مقابلة الرضوان تنبيهًا على أن تأسيس ذلك على أمر يحفظه عن النار ويوصله إلى رضوان الله تعالى ومقتضياته التي الجنة أدناها وتأسيس هذا على ما هم بسببه على صدد الوقوع في النار ساعة فساعدة ثم إن مصيرهم إلى النار لا محالة اهـ.

وقوله: { إن إبراهيم} ( { لأوّاه} ) [التوبة: 114] أي ( شفقًا وفرقًا) كناية عن فرط ترحمه ورقة قلبه وفيه بيان الحامل له على الاستغفار لأبيه مع شكاسته عليه.

( وقال الشاعر:) وهو المثقب بتشديد القاف المفتوحة العبدي واسمه جحاش بن عائذ بن محصن، وسقط لفظ الشاعر لغير أبي ذر.

( إذا ما قمت أرحلها بليل) .

بفتح الهمزة والحاء المهملة من رحلت الناقة أرحلها إذا شددت الرحل على ظهرها والرحل أصغر من القتب.

( تأوّه آهة) بمدّ الهمزة وللأصيلي أهة ( الرجل الحزين) .
بتشديد الهاء وقصر الهمزة قال الحريري في درة الغوّاص يقولون في التأوّه أوّه والأفصح أن يقال أوه بكسر الهاء وضمها وفتحها والكسر أغلب وعليه قول الشاعر:
وقد شدّد بعضهم الواو فقال: أوّه، ومنهم من حذف الهاء وكسر الواو فقال أوّ، وتصريف الفعل منها أوّه وتأوّه والمصدر والآهة ومنه قول مثقب العبدي:
إذا ما قمت أرحلها بليل.

البيت.
وهذا البيت من جملة قصيدة أوّلها:
أفاطم قبل بينك متعيني ... ومنعك ما سألت كأن تبيني
ولا تعدي مواعد كاذبات ... تمرّ بها رياح الصيف دوني
فإني لو تخالفني شمالي ... لما أتبعتها أبدًا يميني
( يقال: تهوّرت البئر إذا انهدمت وإنها مثله) كذا لأبوي ذر والوقت وسقط لغيرهما.