فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله: {براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين} [التوبة: 1]

باب قَوْلِهِ: { بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
[التوبة: 1] أُذُنٌ: إِعْلاَمٌ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: أُذُنٌ يُصَدِّقُ، تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَنَحْوُهَا كَثِيرٌ، وَالزَّكَاةُ: الطَّاعَةُ وَالإِخْلاَصُ.
لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ: لاَ يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.
يُضَاهُونَ: يُشَبِّهُونَ
( باب قوله) عز وجل: ( { براءة من الله ورسوله} ) أي هذه براءة مبتدأ صدورها من الله تعالى وغاية انتهائها ( { إلى الذين عاهدتم من المشركين} ) [التوبة: 1] فبراءة خبر مبتدأ محذوف وقيل مبتدأ خبره إلى الذين وجاز الابتداء بالنكرة لأنها تخصصت بالجار بعدها، والمعنى أن الله ورسوله برئا من العهد الذي عاهدتم به المشركين وذلك أنهم عاهدوا مشركي العرب فنكثوا ولم يف به إلا بنو ضمرة وبنو كنانة فأمرهم بنبذ العهد إلى من نقضه وأمروا أن يسيحوا الأربعة الأشهر المحرم صيانة لها من القتال.

وقوله: ( { أذان} ) أي ( إعلام) يقال آذنته إيذانًا وأذانًا وهو اسم قام مقام المصدر، وسقط هذا لغير أبي ذر.

( وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله ويقولون هو ( أذن يصدق) كل ما سمع وسمي بالجارحة للمبالغة كأنه من فرط سمعه صار جملة آلة السماع ما سمي الجاسوس عينًا لذلك.

وقوله: { خذ من أموالهم صدقة} ( { تطهرهم وتزكيهم بها} ) [التوبة: 103] بمعنى واحد لأن الزكاة والتزكية في اللغة الطهارة ( ونحوها) وفي نسخة ونحو هذا ( كثير) في القرآن أو في لغات العرب ( والزكاة الطاعة والإخلاص) أي تأتي بمعناهما رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: ( { تطهرهم وتزكيهم بها} ) قال الزكاة طاعة الله والإخلاص.

وقوله تعالى في سورة فصلت: { وويل للمشركين الذين} ( { لا يؤتون الزكاة} ) [فصلت: 6] قال ابن عباس فيما رواه عليّ بن أبي طلحة عنه ( لا يشهدون أن لا إله إلا الله) وهذا ذكره استطرادًا.

وقوله تعالى: ( يضاهون) قال ابن عباس فيما رواه ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طلحة عنه ( يشبهون) وقال: أبو عبيدة هي التشبيه وقال القاضي أي يضاهي قولهم قول الذين كفروا فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه والمضاهاة المشابهة وهذا أخبار من الله تعالى عن قول اليهود: عزير ابن الله، والنصارى المسيح ابن الله فأكذبهم الله تعالى بقوله: { وذلك قولهم بأفواههم} [التوبة: 30] والتقييد بكونه بأفواههم مع أن القول لا يكون إلا بل بالفم للإشعار بأنه لا دليل عليه فهو كالمهملات لم يقصد بها الدلالة على المعاني، وقول اليهود هذا كان مذهبًا مشهورًا عندهم أو قاله بعض من متقدميهم أو من كان بالمدينة، وإنما ذلك لأنه لم يبق فيهم بعد وقعة بختنصر من يحفظ التوراة فلما أحياه الله بعد مائة عام وأملى عليهم التوراة حفظًا فتعجبوا من ذلك، وقالوا ما هذا إلا لأنه ابن الله والدليل على أن هذا القول كان فيهم أن الآية قرئت عليهم فلم يكذبوا مع تهالكهم على التكذيب.


[ قــ :4400 ... غــ : 4654 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ} وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه ( قال: سمعت البراء) بن عازب ( رضي الله عنه يقول: آخر آية نزلت) عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} ) في آخر سورة النساء ( وآخر سورة نزلت) عليه عليه الصلاة والسلام ( براءة) .

فإن قلت: سبق في آخر سورة البقرة من حديث ابن عباس أن آخر آية الربا وعند النسائي من حديث ابن عباس أن سورة النصر آخر سورة نزلت.
أجيب: بأن المراد آخرية مخصوصة لأن الأولية والآخرية من الأمور النسبية، وأما السورة فإن آخرية النصر باعتبار نزولها كاملة بخلاف براءة فالمراد أوّلها أو معظمها، وإلاّ ففيها آيات كثيرة نزلت قبل سنة الوفاة النبوية وسيكون لنا عودة إلى الإلمام بشيء من مبحث ذلك بسورة النصر إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته.