فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم} [التوبة: 12]

باب { فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ}
هذا (باب) بالتنوين في قوله سبحانه وتعالى: { فقاتلوا أئمة الكفر} ) أي فقاتلوا المشركين الذين نقضوا العهد وطعنوا في دينكم بصريح التكذيب وتقبيح أحكام الله فوضع أئمة الكفر موضع المضمر إذ التقدير فقاتلوهم للإشارة إلى أنهم بذلك صاروا رؤساء الكفرة وقادتهم أو المراد رؤساؤهم وخصوا بذلك لأن قتلهم أهم ({ إنهم لا أيمان لهم} ) [التوبة: 12] بفتح الهمزة جمع يمين وهو المناسب للنكث ومعنى نفيها عنهم أنهم لا يوفون بها وإن صدرت منهم واستشهد به الحنفية على أن يمين الكافر لا تكون شرعية، وعند الشافعية يمين شرعية بدليل وصفها بالنكث وقرأ ابن عامر بكسرها مصدر آمن يؤمن إيمانًا أي لا تصدق لهم أو لا أمان لهم وسقط باب لغير أبي ذر.


[ قــ :4404 ... غــ : 4658 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَقَالَ: مَا بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ الآيَةِ إِلاَّ ثَلاَثَةٌ وَلاَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ إِلاَّ أَرْبَعَةٌ،
فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: إِنَّكُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُخْبِرُونَا فَلاَ نَدْرِي فَمَا بَالُ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَبْقُرُونَ بُيُوتَنَا وَيَسْرِقُونَ أَعْلاَقَنَا؟ قَالَ: أُولَئِكَ الْفُسَّاقُ أَجَلْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلاَّ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهُمْ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَوْ شَرِبَ الْمَاءَ الْبَارِدَ لَمَا وَجَدَ بَرْدَهُ.

وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي الزمن قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد قال: (حدّثنا زيد بن وهب) الجهني أبو سليمان الكوفي المخضرم (قال: كنا عند حذيفة) بن اليمان (فقال: ما بقي من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة)، كذا وقع مبهمًا عند البخاري، ووافقه النسائي وابن مردويه كلاهما على الإبهام وإيراد ذلك هنا وهو يومئ إلى أن المراد الآية المسوقة هنا.

وروى الطبري من طريق حبيب بن حسان عن زيد بن وهب قال كنا عند حذيفة فقرأ هذه الآية: { فقاتلوا أئمة الكفر} قال: ما قوتل أهل هذه الآية بعد، لكن وقع عند الإسماعيلي من رواية ابن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد بلفظ ما بقي من المنافقين من أهل هذه الآية { لا تتخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء} [الممتحنة: 1] الآية إلا أربعة نفر، إن أحدهم لشيخ كبير.
قال الإسماعيلي: إن كانت الآية ما ذكر في خبر ابن عيينة فحق هذا الحديث أن يخرج في سورة الممتحنة، والمراد بكونهم لم يقاتلوا أن قتالهم لم يقع لعدم وقوع الشرط لأن لفظ الآية وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا فلما لم يقع منهم نكث ولا طعن لم يقاتلوا.

وقوله: إلا ثلاثة سمي منهم في رواية أبي بشر عن مجاهد أبو سفيان بن حرب وفي رواية معمر عن قتادة أبو جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وأبو سفيان وسهيل بن عمرو، وتعقب بأن أبا جهل وعتبة قتلا ببدر وإنما ينطبق التفسير على من نزلت الآية المذكورة وهو حي فيصح في أبي سفيان وسهيل بن عمرو وقد أسلما قاله في الفتح.
وقال البرماوي كالكرماني: أي ثلاثة آمنوا ثم ارتدوا وطعنوا في الإسلام من ذوي الرئاسة والتقدم فيه أي في الكفر.

(ولا من المنافقين) الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر (إلا أربعة) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تسميتهم انتهى، وقد كان حذيفة صاحب سر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في شأن المنافقين يعرفهم دون غيره.

(فقال أعرابي): لم يعرف اسمه (إنكم أصحاب محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بنصب أصحاب بدلاً من الضمير في إنكم أو منادى مضاف منه الأداة (تخبرونا) بسكون الخاء وبفتحها مع تشديد الموحدة وفي نسخة تخبروننا بنونين على الأصل لأن النون لا تحذف إلا لناصب أو جازم والأولى لغة فصيحة لبعض العرب وزاد الإسماعيلي عن أشياء (فلا ندري فما بال هؤلاء الذين يبقرون) بمثناة تحتية مفتوحة فموحدة ساكنة فقاف مضمومة وفي رواية غير أبي ذر يبقرون بضم التحتية وفتح الموحدة وتشديد القاف مكسورة أي يفتحون أو ينقبون (بيوتنا) وفي نسخة: ينقرون بالنون الساكنة بدل الموحدة وضم القاف (ويسرقون أعلاقنا)؟ بالعين المهملة والقاف أي نفائس أموالنا، وفي بعض
النسخ أغلاقنا بالمعجمة وكذا وجد مضبوطًا بخط الحافظ الشرف الدمياطي، لكن قال السفاقسي: لا أعلم له وجهًا.
قال في فتح الباري: ويمكن توجيهه بأن الإغلاق جمع غلق بفتحتين وهو ما يغلق ويفتح بالمفتاح، والغلق أيضًا الباب فالمعنى يسرقون مفاتيح الإغلاق ويفتحون الأبواب ويأخذون ما فيها، أو المعنى يسرقون الأبواب وتكون السرقة كناية عن قلعها وأخذها ليتمكنوا من الدخول فيها.

(قال) حذيفة (أولئك) أي الذين يبقرون ويسرقون (الفساق) أي لا الكفار ولا المنافقون (أجل) أي نعم (لم يبق منهم إلا أربعة أحدهم شيخ كبير) لم يعرف اسمه (لو شرب الماء البارد لما وجد برده) لذهاب شهوته وفساد معدته بسبب عقوبة الله له في الدنيا فلا يفرق بين الأشياء.