فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} [التوبة: 80]

باب قَوْلِهِ: { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} [التوية: 80]
(باب قوله) عز وجل، وسقط لغير أبي ذر ({ استغفر لهم أو لا تستغفر لهم} ) اللفظ لفظ الأمر ومعناه الخبر أي: إن شئت استغفر لهم وإن شئت فلا تستغفر لهم، ثم أعلمه الله تعالى أنه لا يغفر لهم وإن استغفر لهم سبعين مرة فقال: ({ إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} ) [التوبة: 80] والسبعون للتكثير وسقط { فلن يغفر الله لهم} لغير أبي ذر.


[ قــ :4415 ... غــ : 4670 ]
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
-رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ فَأَعْطَاهُ ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُصَلِّيَ، فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ رَبُّكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ فَقَالَ: { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ» قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ.
قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] .

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبيد بن إسماعيل) بضم العين من غير إضافة واسمه عبد الله أبو محمد القرشي الهباري من ولد هبار بن الأسود (عن أبي أسامة) حماد بن أسامة (عن عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله بن عمر العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما) أنه (قال: لما توفي عبد الله بن أبيّ) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد التحتية ابن سلول المنافق في ذي القعدة سنة تسع بعد منصرفهم من تبوك وكان قد تخلّف عنها كذا نقله في الفتح عن الواقدي وإكليل الحاكم وسقط لغير أبي ذر ابن أبيّ (جاء ابنه عبد الله بن عبد الله) وكان من المخلصين وفضلاء الصحابة (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه) قميصه ليكفن فيه أباه فالإعطاء إنما وقع لابنه العبد الصالح، وقيل إن عبد الله المنافق كان أعطى العباس يوم بدر قميصًا لما أسر العباس فكافأه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك لئلا يكون لمنافق منّة عليهم (ثم سأله أن يصلّي عليه فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليصل) زاد أبوا الوقت وذر وابن عساكر والأصيلي عليه (فقام عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (فأخد بثوب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله تصلي عليه) وفي نسخة: أتصلي عليه بإثبات همزة الاستفهام الإنكاري (و) الحال أن (قد نهاك ربك أن تصلّي عليه) قيل لعله قال ذلك بطريق الإلهام وإلاّ فلم يتقدم نهي عن الصلاة على المنافقين كما يرشد إليه قوله في آخر هذا الحديث فأنزل الله: { ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا} [التوبة: 84] .

وزعم بعضهم أن عمر اطّلع على نهي خاص في ذلك وأحسن ما قيل إنه فهم النهي من قوله تعالى: { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم} من حيث إنه سوّى بين الاستغفار وعدمه في عدم النفع وعلل ذلك بكفرهم، وقد ثبت في الشرع امتناع المغفرة لمن مات كافرًا والدعاء بوقوع ما علم انتفاء وقوعه شرعًا أو عقلاً ممتنع ولا ريب أن الصلاة على الميت المشرك استغفار له ودعاء وقد نهي عنه فتكون الصلاة عليه منهيًا عنها هذا مع ما عرف من صلابة عمر -رضي الله عنه- في الدين وكثرة بغضه للمنافقين.
وقال الزين بن المنير فيما حكاه عنه في الفتح: وإنما قال عمر ذلك عرضًا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومشورة لا إلزامًا وله عوائد بذلك، ولا يبعد أن يكون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أذن له في مثل ذلك فلا يستلزم ما وقع من عمر أنه اجتهد مع وجود النص كما تمسك به قوم في جواز ذلك وإنما أشار بالذي ظهر فقط، ولهذا احتمل منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذه بثوبه ومخاطبته له في مثل ذلك
المقام حتى التفت إليه متبسمًا كما في حديث ابن عباس في هذا الباب (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إنما خيّرني الله) بين الاستغفار وعدمه (فقال { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة} وسأزيده على السبعين) وعند عبد بن حميد من طريق قتادة فوالله لأزيدن على السبعين، وسأل الزمخشري فقال فإن قلت: كيف خفي على رسول الله يعني أن السبعين مثل في التكثير وهو أفصح العرب وأخبرهم بأساليب الكلام وتمثيلاته.
والذي يفهم من ذكر هذا العدد كثرة الاستغفار كيف وقد تلاه بقوله: { ذلك بأنهم كفروا} الآية، فبين الصارف عن المغفرة لهم حتى قال: خيرني وسأزيد على السبعين.
وأجاب: بأنه لم يخف عليه ذلك ولكنه خيل بما قال إظهارًا لغاية رحمته ورأفته على من بعث إليه كقول إبراهيم: { ومن عصاني فإنك غفور رحيم} [إبراهيم: 36] وفي إظهار النبي الرحمة والرأفة لطف لأمته ودعاء لهم إلى ترحم بعضهم على بعض اهـ.

قال في فتوح الغيب: قوله خيل أي صوّر في خياله أو في خيال السامع ظاهر اللفظ وهو العدد المخصوص دون المعنى الخفي المراد وهو التكثير كما أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ما عدّ عصيانه في قوله: { ومن عصاني} عصيان الله المراد منه عبادة الأصنام قال: وهو من أسلوب التورية وهو أن يطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد فيراد البعيد منهما اهـ.

وتعقب بعضهم ذلك بأنه يجب عليه الصلاة والسلام إظهار ما علم من الله في أمر الكفر وما يترتب عليه من العقاب للزجر وبأنه يستلزم جواز الاستغفار للكفار مع العلم بأنه لا يجوز، ولذلك قيل ما كان يعرف كفره وعند عبد الرزاق عن معمر والطبري من طريق سعيد كلاهما عن قتادة قال: أرسل عبد الله بن أبيّ إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما دخل عليه قال: أهلكك حب يهود، فقال: يا رسول الله إنما أرسلت إليك لتستغفر لي ولم أرسل إليك لتوبخني ثم سأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه، فأجابه.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا مرسل مع ثقة رجاله ويعضده ما أخرجه الطبراني من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما مرض عبد الله بن أنس جاءه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكلمه فقال: قد فهمت ما تقول فامتن عليّ فكفّني في قميصك وصلّ عليّ ففعل قال: وكان عبد الله بن أبيّ أراد بذلك دفع العار عن ولده وعشيرته بعد موته فأظهر الرغبة في صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليه ووقعت إجابته إلى سؤاله على حسب ما أظهر من حاله فالنهي عن الاستغفار لمن مات مشركًا لا يستلزم النهي عن الاستغفار لمن مات مظهرًا للإسلام.

(قال) أي عمر جريًا على ما يعلمه من أحواله (إنه منافق قال: فصلى عليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إجراء له على ظاهر حكم الإسلام واستئلافًا لقومه لا سيما ولم يقع نهي صريح عن الصلاة على المنافقين فاستعمل أحسن الأمرين في السياسة حتى كشف الله تعالى عنه الغطاء ونهي فانتهى (فأنزل الله تعالى: { ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره} ) زاد مسدد من حديث ابن عمر فترك الصلاة عليهم وابن أبي حاتم ولا قام على قبره وعند الطبري من حديث قتادة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال: وما يغني عنه قميصي من الله وإني لأرجو أن يسلم بذلك ألف من قومه، وقد روي أن ألفًا من الخزرج أسلموا لما رأوه يستشفي بثوبه ويتوقع اندفاع العذاب عنه به.




[ قــ :4416 ... غــ : 4671 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ دُعِيَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَثَبْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّى عَلَى ابْنِ أُبَيٍّ وَقَدْ قَالَ يَوْمَ كَذَا كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: «أُعَدِّدُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ» فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

     وَقَالَ : «أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ» فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَالَ: «إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرْ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا» قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمْ يَمْكُثْ إِلاَّ يَسِيرًا، حَتَّى نَزَلَتِ الآيَتَانِ مِنْ بَرَاءَةَ { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} إِلَى قَوْلِهِ: { وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84] قَالَ: فَعَجِبْتُ بَعْدُ مِنْ جُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) هو ابن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد بن عقيل بفتح العين الأيلي ( وقال غيره) : هو أبو صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث ( حدّثني) بالإفراد ( الليث) بن سعد قال: ( حدّثني) بالإفراد أيضًا ( عقيل) الأيلي ( عن ابن شهاب) الزهري أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عبيد الله بن عبد الله) بضم العين في الأول ابن عمر بن الخطاب ( عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: لما مات عبد الله بن أبيّ ابن سلول) بفتح السين المهملة وضم اللام وسكون الواو بعدها لام اسم أم عبد الله المذكور وابن بالرفع صفة عبد الله لا صفة أبيه ( دعي له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الدال مبنيًّا للمفعول ( ليصلّي عليه فلما قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) للصلاة عليه ( وثبت إليه فقلت يا رسول الله أتصلي على ابن أبيّ؟) بهمزة الاستفهام ( وقد قال يوم كذا كذا وكذا؟ قال: أعدد عليه قوله) بفتح العين وكسر الدال الأولى، ولأبي ذر: أعدّ بضم العين والدال وإسقاط الثانية يشير بذلك إلى مثل قوله: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، وقوله: ليخرجن الأعز منها الأذل.
( فتبسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تعجبًا من صلابة عمر وبغضه للمنافقين وتأنيسًا له وتطييبًا لقلبه كالمعتذر له عن ترك قبول كلامه ( وقال) :
( أخّر) أي تأخر ( عني يا عمر) وقيل معناه أخّر عني رأيك فاختصر إيجازًا وبلاغة ( فلما أكثرت عليه قال: إني خيرت) بين الاستغفار وعدمه ( فاخترت) الاستغفار، وقد أشكل فهم التخيير من الآية على كثير، وقد سبق جواب الزمخشري عن ذلك.
وقال صاحب الانتصاف: مفهوم الآية قد زلت فيه الأقدام حتى أنكر القاضي أبو بكر الباقلاني صحة الحديث وقال: لا يجوز أن يقبل هذا ولا يصح أن الرسول قاله وقال إمام الحرمين في مختصره هذا الحديث غير مخرّج في
الصحيح، وقال في البرهان: لا يصححه أهل الحديث، وقال الغزالي في المستصفى: الأظهر أن هذا الخير غير صحيح، وقال الداودي الشارح: هذا الحديث غير محفوظ وهذا عجيب من هؤلاء الأئمة كيف باحوا بذلك وطعنوا فيه مع كثرة طرقه واتفاق الصحيحين على تصحيحه بل وسائر الدين خرجوا في الصحيح وأخرجه النسائي وابن ماجه.

( لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له) بجزم يغفر جوابًا للشرط ولأبي ذر عن الكشميهني فغفر له بفاء وضم العين وفتح الراء بلفظ الماضي قال في الفتح: والأول أوجه ( لزدت عليها) تردّد هنا وفي الرواية السابقة قال: سأزيده ووعده صادق ولا سيما وقد ثبت قوله: لأزيدن بصيغة المبالغة في التأكيد وروى الطبري من طريق مغيرة عن الشعبي قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال الله: { إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} [التوبة: 80] فأنا أستغفر سبعين وسبعين وسبعين.

وأجيب: باحتمال أن يكون فعل ذلك استصحابًا للحال لأن جواز المغفرة بالزيادة كان ثابتاً قبل نزول الآية فجاز أن يكون باقيًا على أصله في الجواز.
قال الحافظ أبو الفضل: وحاصله أن العمل بالبقاء على حكم الأصل مع المبالغة لا يتنافيان فكأنه جوّز أن المغفرة تحصل بالزيادة على السبعين لا أنه جازم بذلك ولا يخفى ما فيه أو يكون طلب المغفر لتعظيم المدعو، فإذا تعذرت المغفرة عوّض الداعي عنها ما يليق به من الثواب أو دفع السوء كما ثبت في الخبر وقد يحصل بذلك تخفيف عن المدعو له كما في قصة أبي طالب قاله ابن المنير وفيه نظر لاستلزامه مشروعية طلب المغفرة لمن تستحيل المغفرة له شرعًا.

( قال: فصلّى عليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وذكر الواقدي أن مجمع بن حارثة قال: ما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أطال على جنازة قط ما أطال على جنازة عبد الله بن أبيّ من الوقوف ( ثم انصرف) من صلاته ( فلم يمكث إلاّ يسيرًا حتى نزلت الآيتان من براءة: { ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا} إلى قوله: { وهم فاسقون} قال) عمر رضي الله تعالى عنه ( فعجبت بعد) بالبناء على الضم لقطعه عن الإضافة ( من جرأتي) بضم الجيم وسكون الراء ثم همزة أي من إقدامي ( على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والله ورسوله أعلم) .