فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا، ولا تقم على قبره} [التوبة: 84]

باب قَوْلِهِ: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84]
( باب قوله) عز وجل وسقط لغير أبي ذر ( {ولا تصل على أحد منهم}) أي من المنافقين صلاة الجنازة ( {مات أبدًا}) ظرف منصوب بالنهي، ومنهم صفة لأحد أو حال من الضمير في مات أي مات حال كونه منهم أي متصفًا بصفة النفاق كقولهم: أنت مني أي على طريقتي، وهذا النهي عام في كل من عرف نفاقه وإن كان سبب النزول خاصًا بابن أبيّ رأس المنافقين وقد ورد ما يدل لنزولها في عدد معين منهم: ابن أبي وغيره لعلمه تعالى بموتهم على الكفر بخلاف غيرهم
فإنهم تابوا، فعند الواقدي عن معمر عن الزهري عن حذيفة قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إني مسرّ إليك سرًا فلا تذكره لأحد إني نهيت أن أصلي على فلان وفلان رهط ذوي عدد من المنافقين قال: فلذلك كان عمرًا إذا أراد أن يصلّي على أحد استتبع حذيفة فإن مشى معه وإلا لم يصل عليه، ومن طريق أخرى عن جبير بن مطعم أنهم اثنا عشر رجلاً ( {ولا تقم على قبره}) [التوبة: 84] .


[ قــ :4417 ... غــ : 4672 ]
- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يُكَفِّنَهُ فِيهِ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي عَلَيْهِ فَأَخَذَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِثَوْبِهِ فَقَالَ: تُصَلِّى عَلَيْهِ وَهْوَ مُنَافِقٌ وَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُمْ؟ قَالَ: «إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ -أَوْ أَخْبَرَنِي اللهُ- فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} فَقَالَ: سَأَزِيدُهُ عَلَى سَبْعِينَ» قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَلَّيْنَا مَعَهُ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ}.
[التوبة: 84]
وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( إبراهيم بن المنذر) القرشي الحزامي المدني قال: ( حدّثنا أنس بن عياض) الليثي أبو ضمرة المدني ( عن عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب شقيق سالم ( عن نافع) مولى ابن عمر ( عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال) : وسقط لأبي ذر لفظ أنه ( لما توفي عبد الله بن أبيّ) المنافق ( جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في الرواية السابقة من طريق أبي أسامة عن عبيد الله فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه ( فأعطاه قميصه وأمره) ولأبي ذر فأمره بالفاء بدل الواو ( أن يكفنه فيه ثم قام) عليه الصلاة والسلام ( يصلي عليه فأخذ عمر بن الخطاب بثوبه فقال: تصلي عليه؟) استفهام حذفت منه الأداة ( وهو) أي والحال أنه ( منافق وقد نهاك الله أن تستغفر لهم) أي للمنافقين ومن لازم النهي عن الاستغفار عدم الصلاة وظهر بهذه الرواية أن في قوله في طريق أبي أسامة عن عبيد الله وقد نهاك ربك أن تصلي عليه تجوّز أو حينئذ فلا منافاة بين قوله وقد نهاك ربك أن تصلي عليه وبين إخباره بأن آية النهي عن الصلاة على كل مشرك والقيام على قبره نزلت بعد ذلك ( قال) عليه الصلاة والسلام:
( إنما خيرني الله) بين الاستغفار وعدمه ( أو أخبرني الله) بالموحدة بدل التحتية وزيادة همزة أوله من الإخبار على الشك وفي أكثر الروايات بلفظ التخيير بين الاستغفار وعدمه من غير شك وسقط لفظ الجلالة في قوله: أو أخبرني الله لأبي ذر ( فقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) سقط لأبي ذر قوله: {فلن} الخ.

( فقال) عليه الصلاة والسلام: ( سأزيده) بضمير المفعول ( على سبعين) .

استشكل أخذه بمفهوم العدد حتى قال: سأزيد على السبعين مع أنه قد سبق قبل ذلك بمدة طويلة قوله تعالى في حق أبي طالب: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى} [التوبة: 113] وأجيب: بأن الاستغفار لابن أبيّ إنما هو لقصد تطييب من بقي منهم وفي ذلك نظر فليتأمل.

( قال: فصلّى عليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصلينا معه) فيه أن عمر ترك رأي نفسه وتابع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( ثم أنزل الله عليه) ولأبي ذر: أنزل عليه بضم الهمزة مبنيًا للمفعول ( {ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره}) للدفن أو الزيارة ( {إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون}) [التوبة: 84] تعليل للنهي والتعليل بالفسق مع أن الكفر أعظم قيل للإشعار بأنه كان عندهم موصوفًا بالفسق أيضًا فإن الكافر قد يكون عدلاً عند أهله، وإنما نهي عن الصلاة دون التكفين لأن البخل به مخلّ بكرمه عليه الصلاة والسلام أو لإلباسه العباس قميصه حين أُسر ببدر كما مرّ أو لأنه ما كان يردّ سائلاً وتكفينه فيه وإن علم عليه الصلاة والسلام أنه لا يردّ عنه العذاب فلأن ابنه قال: لا تشمت به الأعداء، ولأحمد من حديث قتادة قال ابنه: يا رسول الله إن لم تأته لم يزل يعير بهذا أو رجا إسلام غيره كما مرّ، وسقط لأبي ذر قوله: {ولا تقم على قبره} الخ ...