فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله: (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد تزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم)

باب قَوْلِهِ: { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 117]
( باب قوله) سبحانه وتعالى: ( { لقد تاب الله على النبي} ) من إذنه للمنافقين في التخلف في غزوة تبوك والأحسن أن يكون من قبيلاً { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} وقيل هو بعث على التوبة على سبيل التعريض لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممن يستغني عن التوبة فوصف بها ليكون بعثًا للمؤمنين على التوبة على سبيل التعريض وإبانة لفضلها ( { والمهاجرين والأنصار} ) أي وتاب عليهم حقيقة لأنه لا ينفك الإنسان عن الزلات أو كانوا يتوبون على وساوس تقع في قلوبهم ( { الذين اتبعوه} ) حقيقة بأن خرج أوّلاً وتبعوه أو مجازًا عن اتباعهم أمره ونهيه ( { في ساعة العسرة} ) في وقت الشدة الحاصلة لهم في غزوة تبوك أي من عسرة الزاد والماء والظهر والقيظ وبعد الشقة إذ السفرة كلها تبع لتلك الساعة وبها يقع الأجر على الله تعالى وإن كان عرف الساعة لما قل من الزمن كالقطعة من النهار كساعات الرواح إلى الجمعة، فالمراد بها هنا من وقت الخروج إلى العود روي أنه لما نفد زادهم كان النفر منهم يمصون التمرة تداولاً بينهم وإنهم عطشوا حتى نحروا بعض إبلهم فشربوا عصارة ما في كروشها حتى استسقى لهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأمطرت عليهم سحابة لم تتجاوزهم وكان الرجلان والثلاثة يتعقبون البعير الواحد ( { من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم} ) عن الثبات على الإيمان أو اتباع الرسول ما نالهم من المشقة والشدة ( { ثم تاب عليهم} ) تكرير للتوكيد من حيث المعنى فيكون الضمير للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمهاجرين والأنصار ويجوز أن يكون الضمير للفريق المذكور في قوله كاد تزيغ قلوب فريق منهم لصدور الكيدودة منهم ( { إنه بهم رؤوف رحيم} ) [التوبة: 117] حتى تاب عليهم وسقط قوله في ساعة العسرة الخ لأبي ذر وقال: بعد قوله { اتبعوه} الآية.


[ قــ :4421 ... غــ : 4676 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ.

قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
كَعْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ، وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فِي حَدِيثِهِ وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا قَالَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِكَ فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ».

وبه قال: ( حدّثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر بن الطبري المصري ( قال: حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا ( ابن وهب) عبد الله المصري ( قال: أخبرني) بالإفراد ( يونس) بن يزيد الأيلي ( قال أحمد) : هو ابن صالح شيخ المؤلّف المذكور ( وحدّثنا) أيضًا ( عنبسة) بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الموحدة والسين المهملة ابن خالد بن يزيد الأيلي ابن أخي يونس قال: ( حدّثنا) عمي ( يونس) الأيلي ( عن ابن شهاب) الزهري أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عبد الرحمن بن كعب) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله ولأبي ذر زيادة ابن مالك ( قال: أخبرني) بالإفراد أيضًا أبي ( عبد الله بن كعب) الأنصاري المدني الشاعر.

قال في فتح الباري: والحاصل أن أحمد بن صالح روى هذا الحديث عن شيخين عن يونس لكن فرقهما لاختلاف الصيغة، ثم ظاهره أن السند بينهما متحد وليس كذلك لأن في رواية ابن وهب أن شيخ ابن شهاب هنا هو عبد الرحمن بن كعب كما في رواية عنبسة وليس كذلك بل هو في رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب كذلك أخرجه النسائي عن سليمان بن مهران عن ابن وهب، ولعل البخاري بناه على أن عبد الرحمن نسب لجده فتتحد الروايتان على ذلك الحافظ أبو علي الصدفي فيما قرأته بخطه بهامش نسخته وقد أفرد البخاري رواية ابن وهب بهذا الإسناد في النذر فوقع في رواية أبي ذر عبد الرحمن بن كعب، وإنما أخرج النسائي بعض الحديث وقد وجدت بعض الحديث أيضًا في سنن أبي داود عن سليمان بن داود شيخ البخاري فيه كما في النسائي، وعن أبي الطاهر بن السراج عن ابن وهب كذلك.

وقد تعقبه تلميذه شيخنا الحافظ أبو الخير السخاوي -رحمه الله تعالى- فيما وجد بخطه في حاشية نسخته من فتح الباري بأن البخاري قد أخرج حديث عنبسة في وفود الأنصار فيما مضى ووقع هناك عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، وأخرج حديث ابن وهب في النذر فيما سيأتي، ووقع أيضًا فيه كذلك وحينئذٍ فسندهما متحد وكذا رأيت الدمياطي ألحق هنا في نسخته مما صحح عليه عبد الله في نسب عبد الرحمن وكذا ثبت عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب في سنن أبي داود حسبما ثبت في رواية اللؤلؤي وابن داسة عنه عن شيخه ابن السراج وسليمان بن داود المهري كلاهما عن ابن وهب.
نعم قيل إن الذي في رواية ابن داسة عبد الله بن عبد الله بن كعب وهو وهم لأن عبد الله الأول إنما هو عبد الرحمن وأما روايته فهي كما مر في روايتي ابن السني وابن الأحمر عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك بدونها وحينئذٍ فهذا خلاف ما اقتضاه كلام شيخنا من اتحاد سند أبي داود والنسائي، ثم إن قوله سليمان بن مهران سهو إما من الكاتب أو من غيره فإنما هو ابن داود اهـ.

( وكان) أي عبد الله ( قائد كعب) أبيه ( من) بين ( بنيه) بني بفتح الموحدة وكسر النون وسكون التحتية ( حين عمي) وكان أبناؤه أربعة عبد الله وعبد الرحمن ومحمد وعبيد الله ( قال: سمعت) أبي ( كعب بن مالك في حديثه) الطويل في قصة توبته المسوق هنا مختصرًا مقتصرًا على المحتاج منه كالوصايا المنزل فيه قوله تعالى: { وعلى الثلاثة الذين خلفوا} زاد في نسخة حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ( قال في آخر حديثه) يا رسول الله ( إن من توبتي أن أنخلع) أن أخرج ( من) جميع ( مالي صدقة إلى الله ورسوله) بنصب صدقة أي لأجل التصدق أو حالاً بمعنى متصدقًا وإلى بمعنى اللام أي صدقة خالصة لله ولرسوله، ولأبي ذر: وإلى رسوله ( فقال) له ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( امسك) عليك ( بعض مالك فهو خير لك) من أن تضرر بالفقر وتجرع الصبر على الإضاقة.