فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {فلما جاوزا قال لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، قال: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} [الكهف: 63]

باب قَوْلِهِ: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الحُوتَ} [الكهف: 62، 63]
صُنْعًا: عَمَلًا، حِوَلًا: تَحَوُّلًا.
قَالَ: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: 64] إِمْرًا وَنُكْرًا دَاهِيَةً، يَنْقَضَّ يَنْقَاضُ كَمَا تَنْقَاضُ السِّنُّ.
لَتَخِذْتَ وَاتَّخَذْتَ وَاحِدٌ.
رُحْمًا مِنَ الرُّحْمِ وَهْيَ أَشَدُّ مُبَالَغَةً مِنَ الرَّحْمَةِ وَنَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ الرَّحِيمِ وَتُدْعَى مَكَّةُ أُمَّ رُحْمٍ أَيِ الرَّحْمَةُ تَنْزِلُ بِهَا
هذا ( باب) بالتنوين وهو ثابت في رواية أبي ذر ساقط لغيره ( قوله: {فلما جاوزا}) موسى
وفتاه مجمع البحرين ( {قال}) موسى ( {لفتاه}) يوشع ( {آتنا غداءنا}) ما نتغدى به ( {لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا}) قيل لم يعن موسى في سفر غير ما ساره من مجمع البحرين ويؤيده التقييد باسم الإشارة ( {قال}) يوشع ( {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة}) يعني الصخرة التي رقد عندها موسى ( {فإني نسيت الحوت}) [الكهف: 62، 63] أي نسيت أن أخبرك بما رأيت منه وسقط قوله قال أرأيت لأبي ذر قال بعد نصبًا إلى قوله عجبًا.

( {صنعًا}) في قوله: {وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا} [الكهف: 104] أي ( عملًا) وذلك لاعتقادهم أنهم على الحق ( {حولًا}) في قوله: {لا يبغون عنها حولًا} أي ( تحولًا) لأنهم لا يجدون أطيب منها أو المراد به تأكيد الخلود وسقط قول صنعًا الخ لأبي ذر ( {قال}) أي موسى ( {ذلك}) أي أمر الحوت ( {ما كنا نبغ}) بغير تحتية بعد الغين أي نطلب لأنه علامة على المطلوب ( {فارتدا على آثارهما قصصًا}) [الكهف: 64] أي يتبعان آثار مسيرهما اتباعًا.

( {إمرًا}) في قوله: ( {لقد جئت شيئًا إمرًا}) [الكهف: 71] و ( {نكرًا}) في قوله: {لقد جئت شيئًا نكرًا} [الكهف: 74] معناهما ( داهية) وسقط قوله إمرًا وواو ونكرًا لأبي ذر وقال أبو عيدة إمرًا داهية ونكرًا أي عظيمًا ففرق بينهما.
( {ينقض}) بتشديد الضاد في قوله: {فوجد فيها جدارًا يريد أن ينقض} [الكهف: 77] ( ينقاض كما ينقاض السن) بألف بعد القاف مع تخفيف الضاد المعجمة فيهما حكاه الحافظ شرف الدين اليونيني عن أئمة اللغة قال: ونبهني عليه شيخنا الإمام جمال الدين بن مالك وقت قراءتي بين يديه وهو الذي في المشارق للإمام أبي الفضل ولأبي ذر كما قاله البرماوي والدماميني ينقاض بتشديد المعجمة فيهما.
قال أبو البقاء.
بوزن يحمار ومقتضى هذا التشبيه أن يكون وزنه يفعال والألف قراءة الزهري.
قال الفارسي: هو من قولهم قضته فانقاض أي هدمته فانهدم.
قال في الدر: فعلى هذا يكون وزنه ينفعل والأصل انقيض فأبدلت الياء ألفًا أي فصار بعد الإبدال انقاض والسن بالسين المهملة المكسورة والنون، ولأبي ذر عن الكشميهني الشيء بالشين المعجمة والتحتية الساكنة والهمزة بدل السن ومعنى ينقض ينكسر وينقاض ينقلع من أصله وعن علي أنه قرأ ينقاض بالصاد المهملة.
قال ابن خالويه أي انشقت طولًا ( {لتخذت}) بالتخفيف في قوله: {لتخذت عليه أجرًا} ( واتخذت) بالتشديد ( واحد) في المعنى.

( {رحمًا}) بضم الراء وسكون الحاء المهملة في قوله: {وأقرب رحمًا} [الكهف: 81] ( من الرحم) بضم فسكون وهو الرحمة قال رؤبة:
يا منزل الرحم على إدريسًا ... ومنزل اللعن على إبليسا
وفي نسخة من الرحم بفتح فكسر ( وهي أشد مبالغة من الرحمة) المفتوحة الراء التي هي رقة القلب لأنها تستلزمها غالبًا من غير عكس ( ويظن) بالنون المفتوحة وضم الظاء المعجمة وفي
نسخة: ويظن بالتحتية المضمومة وفتح المعجمة مبنيًّا للمفعول ( أنه) أي رحمًا مشتق ( من الرحيم) المشتق من الرحمة ( وتدعى مكة) المشرفة ( أم) بنصب الميم ( رحم) بضم فسكون ( أي الرحمة تنزل بها) وفي حديث ابن عباس مرفوعًا "ينزل الله في كل يوم على حجاج بيته الحرام عشرين ومائة رحمة ستين للطائفين وأربعين للمصلين وعشرين للناظرين" رواه البيهقي بإسناد حسن.


[ قــ :4471 ... غــ : 4727 ]
- حَدَّثَنِي قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ:.

قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى نبي الله لَيْسَ بِمُوسَى الْخَضِرِ فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَامَ مُوسَى خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقِيلَ لَهُ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ قَالَ: أَنَا فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ وَأَوْحَى إِلَيْهِ بَلَى عَبْدٌ مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، قَالَ: أَيْ رَبِّ كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَيْهِ؟ قَالَ: تَأْخُذُ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ فَحَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَاتَّبِعْهُ قَالَ: فَخَرَجَ مُوسَى وَمَعَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَمَعَهُمَا الْحُوتُ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَنَزَلاَ عِنْدَهَا قَالَ فَوَضَعَ مُوسَى رَأْسَهُ فَنَامَ" -قَالَ سُفْيَانُ وَفِي حَدِيثِ غَيْرِ عَمْرٍو قَالَ: "وَفِي أَصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا الْحَيَاةُ لاَ يُصِيبُ مِنْ مَائِهَا شَيْءٌ إِلاَّ حَيِيَ فَأَصَابَ الْحُوتَ مِنْ مَاءِ تِلْكَ الْعَيْنِ قَالَ- فَتَحَرَّكَ وَانْسَلَّ مِنَ الْمِكْتَلِ فَدَخَلَ الْبَحْرَ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ مُوسَى قَالَ لِفَتَاهُ: {آتِنَا غَدَاءَنَا} [الكهف: 62] الآيَةَ قَالَ: وَلَمْ يَجِدِ النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ مَا أُمِرَ بِهِ قَالَ لَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} [الكهف: 63] الآيَةَ قَالَ: فَرَجَعَا يَقُصَّانِ فِي آثَارِهِمَا فَوَجَدَا فِي الْبَحْرِ كَالطَّاقِ مَمَرَّ الْحُوتِ فَكَانَ لِفَتَاهُ عَجَبًا وَلِلْحُوتِ سَرَبًا قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ إِذْ هُمَا بِرَجُلٍ مُسَجًّى بِثَوْبٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى قَالَ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا مُوسَى.
قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا؟ قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لاَ أَعْلَمُهُ وَأَنَا عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ لاَ تَعْلَمُهُ قَالَ: بَلْ أَتَّبِعُكَ قَالَ: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ فَعُرِفَ الْخَضِرُ فَحَمَلُوهُمْ فِي سَفِينَتِهِمْ بِغَيْرِ نَوْلٍ" -يَقُولُ بِغَيْرِ أَجْرٍ- "فَرَكِبَا السَّفِينَةَ قَالَ: وَوَقَعَ عُصْفُورٌ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَغَمَسَ مِنْقَارَهُ الْبَحْرَ فَقَالَ الْخَضِرُ لِمُوسَى: مَا عِلْمُكَ وَعِلْمِي وَعِلْمُ الْخَلاَئِقِ فِي عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ مِقْدَارُ مَا غَمَسَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْقَارَهُ قَالَ: فَلَمْ يَفْجَأْ مُوسَى إِذْ عَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى قَدُومٍ فَخَرَقَ السَّفِينَةَ فَقَالَ لَهُ مُوسَى قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ الآيَةَ فَانْطَلَقَا إِذَا هُمَا بِغُلاَمٍ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَقَطَعَهُ قَالَ لَهُ مُوسَى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف: 74 و75] إِلَى قَوْلِهِ: {فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} فَقَالَ بِيَدِهِ
هَكَذَا {فَأَقَامَهُ} [الكهف: 77] فَقَالَ لَهُ مُوسَى: إِنَّا دَخَلْنَا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَلَمْ يُضَيِّفُونَا وَلَمْ يُطْعِمُونَا {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ( 77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: 77، 78] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا».
قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا.
وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ كَافِرًا.

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا ( قتيبة بن سعيد) الثقفي أبو رجاء البغلاني بفتح الموحدة وسكون المعجمة قال: ( حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر أيضًا حدّثنا ( سفيان بن عيينة) بن أبي عمران ميمون الهلالي الكوفي ثم المكي الإمام الحافظ الحجة تغير حفظه بأخرة وربما دلس عن الثقات وهو من أثبت الناس في عمرو بن دينار ( عن عمرو بن دينار) المكي الجمحي مولاهم ( عن سعيد بن جبير) الأسدي مولاهم الكوفي أنه ( قال: قلت لابن عباس أن نوفًا) كذا في اليونينية وفي الفرع نوف بغير ألف ( البكالي) بكسر الموحدة نسبة إلى بني بكال بطن من حمير ونوف بغير صرف وصرفه أشهر كما مر ولأبي ذر البكالي بفتح الموحدة ( يزعم أن موسى نبي الله) المرسل إلى بني إسرائيل كذا في الفرع موسى نبي الله والذي في اليونينية يزعم أن موسى نبي بني إسرائيل ( ليس بموسى الخضر) بل موسى آخر ( فقال) ابن عباس -رضي الله عنهما- ( كذب عدوّ الله) يعني نوفًا وعبّر بذلك للزجر والتحذير لا قدحًا فيه ( حدّثنا أبي بن كعب عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل) يذكرهم بنعم الله عليهم وعليه يذكر ما أكرمه الله به من رسالته وتكريمه وتفضيله ( فقيل له: أي الناس أعلم) أي منهم ( قال) ولأبي ذر فقال: ( أنا) أي أعلم ( فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه) كان يقول الله أعلم ( وأوحى إليه) بفتح الهمزة والحاء ( بلى عبد من عبادي) كائن ( بمجمع البحرين هو أعلم منك) أي بشيء مخصوص والعالم بالعلم الخاص لا يلزم منه أن يكون أعلم من العالم بالعلم العام ( قال: أي رب كيف السبيل إليه) أي إلى لقائه ( قال: تأخد حوتًا في مكتل فحيثما فقدت الحوت) بفتح القاف ( فاتبعه) بهمزة وصل وتشديد الفوقية وكسر الموحدة ولأبي ذر عن الكشميهني فاتبعه بسكون الفوقية وفتح الموحدة أي اتبع أثر الحوت فإنك ستلقى العبد الأعلم ( قال: فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون) مجرور بالإضافة منصرف كنوح على الفصحى ( ومعهما الحوت) المأمور به ( حتى انتهيا إلى الصخرة) التي عند مجمع البحرين ( فنزلا عندها قال فوضع موسى رأسه فنام قال سفيان) بن عيينة بالإسناد السابق ( وفي حديث غير عمرو) لعل الغير المذكور كما قال في الفتح قتادة لما عند ابن أبي حاتم من طريقه ( قال وفي أبي الصخرة عين يقال لها) ولأبي الوقت والأصيلي له ( الحياة) بتاء التأنيث آخره ( لا يصيب من مائها شيء) من الحيوان ( إلا حيي) وعند ابن إسحاق من شرب منه خلد ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي لا تصيب بالفوقية أي العين شيئًا أي من الحيوان إلا حيي ( فأصاب الحوت من) رشاش ( ماء تلك العين قال فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر) ولعل هذه العين إن ثبت النقل فيها هي التي شرب منها الخضر فخلد كما قال به جماعة كما مر
( فلما استيقظ موسى قال لفتاه: {آتنا غداءنا} الآية) أي بعد أن نسي الفتى أن يخبره بأن الحوت حيي وانطلاقهما سائرين بقية يومهما وليلتهما حتى كان من الغد قال له إذ ذاك آتنا غداءنا ( قال ولم يجد النصب حتى جاوز ما أمر به) فألقى الله عليه الجوع والنصب ( قال له فتاه يوشع بن نون {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) أي أن أخبرك بخبره ( الآية) إلى قوله: {ذلك ما كنا نبغ} [الكهف: 64] ( قال فرجعا يقصّان في آثارهما) حتى انتهيا إلى الصخرة ( فوجدا في البحر كالطاق ممر الحوت) مفعول وجدا ( فكان لفتاه عجبًا) إذ هو أمر خارق ( وللحوت سربًا) مسلكًا وروى ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: رجع موسى فوجد الحوت فجعل موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء ويتبع الحوت وجعل الحوت لا يمس شيئًا من البحر إلا يبس حتى يصير صخرة ( قال: فلما انتهيا إلى الصخرة إذا) والذي في اليونينية إذ ( هما برجل مسجى) مغطى ( بثوب) وفي رواية الربيع عن أنس عند ابن أبي حاتم قال انجاب الماء عن مسلك الحوت فصارت كوّة فدخلها موسى على أثر الحوت فإذا هو بالخضر ( فسلم عليه موسى قال) الخضر بعد أن رد السلام عليه وكشف الثوب عن وجهه ( وأنى) بهمزة نون مشددة مفتوحتين أي وكيف ( بأرضك السلام) وأهلها كفار أو لم يكن السلام تحيتهم ( فقال) موسى بعد أن قال له الخضر من أنت: ( أنا موسى قال) الخضر ( موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم.
قال)
له موسى: ( {هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدًا}) أي علمًا ذا رشد أسترشد به ( قال) ولأبي ذر فقال ( له الخضر: يا موسى إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه وأنا على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه) فكل منا مكلف بأمور من الله دون صاحبه ( قال) موسى ( بل أتبعك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي هل والأولى أوضح ( {قال}) الخضر: ( {فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء}) تنكره ابتداء ( {حتى أحدث لك منه ذكرًا}) حتى أبداك ببيانه ( فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت بهما سفينة) ولأبي ذر: بهم أي بموسى ويوشع والخضر ( فعرف الخضر فحملوهم في سفينتهم بغير نول) بفتح النون وسكون الواو ( يقول بغير أجر) أي أجرة ( فركبا السفينة) ولم يذكر يوشع لأنه تابع غير مقصود بالأصالة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فركبا في السفينة ( قال: ووقع عصفور) بضم العين ( على حرف السفينة فغمس منقاره البحر) بنصبهما ولأبي ذر في البحر ( فقال الخضر لموسى) ولأبي ذر: يا موسى ( ما علمك وعلمي وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار) بالرفع ( ما غمس هذا العصفور منقاره) وفي رواية ما نقص علمي وعلمك من علم الله والعلم يطلق ويراد به المعلوم وعلم الله لا يدخله نقص ونقص العصفور لا تأثير له فكأنه لم يأخذ شيئًا فهو كقوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
أي لا عيب فيهم.

( قال: فلم يفجأ موسى) بالهمزة ( إذ عمد الخضر) بفتح الميم ( إلى قدوم) بفتح القاف وتخفيف الدال أي الآلة المعروفة ( فخرق السفينة فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت) بفتح الميم
أيضًا ( إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت الآية) .
وسقط لأبي ذر لقد جئت والآية ( فانطلقا) بعد أن خرجا من السفينة ( إذ هما بغلام يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني فأخذ الخضر رأسه بحذف الجار والنصب مفعول أخذ ( فقطعه قال) ولأبي الوقت فقال الله موسى: {أقتلت نفسًا زكية} بالتشديد طاهرة ( {بغير نفس}) قيل وكان القتل في أبلة بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام المفتوحة مدينة قرب بصرة وعبادان ( {لقد جئت شيئًا نكرًا}) منكرًا ( {قال}) الخضر: ( {ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا}) وأتى بلك مع نكرًا بخلاف أمرًا قيل لأن النكر أبلغ لأن معه القتل الحتم بخلاف خرق السفينة فإنه يمكن تداركه ( إلى قوله: {فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقض}) أن يسقط ( فقال) الخضر ( بيده هكذا {فأقامه} فقال له موسى: إنّا دخلنا هذه القربة فلم يضيفونا ولم يطعمونا {لو شئت لاتخذت عليه أجرًا قال هذا فراق بيني وبينك}) قال في الأنوار: الإشارة إلى الفراق الموعود بقوله فلا تصاحبني أو إلى الاعتراض الثالث أو الوقت أي هذا الاعتراض سبب فراقنا أو هذا الوقت وقته ( {سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا}) لكونه منكرًا من حيث الظاهر وقد كانت أحكام موسى كغيره من الأنبياء مبنيّة على الظواهر ولذا أنكر خرق السفينة وقتل الغلام إذ التصرف في أموال الناس وأرواحهم بغير حق حرام في الشرع الذي شرعه لأنبيائه عليهم السلام إذ لم يكلفنا إلى الكشف عن البواطن لما في ذلك من الحرج وأما وقوع ذلك من الخضر فالظاهر أنه قد شرع له أن يعمل بما كشف له من بواطن الأسرار واطلع عليه من حقائق الأستار فلما علم الخضر علمًا يقينًا أنه إن لم يعب السفينة بالخرق غصبها الملك وجب عليه ذلك دفعًا للضرر عن ملاكها إذ لو تركها ولم يعبها فاتت بالكلية عليهم بأخذ الملك لها وكذا قتل الغلام فإنه علم بالوحي أنه إن لم يقتله تبعه أبواه على الكفر لمزيد محبتهما له فكانت المضرة بقتله أيسر من إبقائه لا سيما والمطبوع على الكفر الذي لا يرجى إيمانه كان قتله في شريعتهم واجبًا لأن أخذ الجزية لم يكن سائغًا لهم وقد رزقهما الله خيرًا منه كما مرّ ولو ترك الجدار حتى يسقط ضاع مال أولئك الأيتام فكانت المصلحة التامة في إقامته ولعل ذلك كان واجبًا عليه.

( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وددنا) بكسر الدال الأولى وسكون الثانية ( إن موسى صبر حتى يقص) بضم أوله وفتح آخره مبنيًّا للمفعول ( علينا من أمرهما قال وكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة) غير معيبة ( غصبًا وأما الغلام فكان كافرًا) وقد سبق أن أمام يستعمل موضع وراء فهي مفسّرة للآية كما مرّ وقوله تعالى: {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} [الكهف: 80] فيه إشعار بأن الغلام كان كافرًا كما في هذه القراءة لكنها كقراءة أمامهم وصالحة من الشواذ المخالفة لمصحف عثمان والله الموفق.