فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {قل: هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا} [الكهف: 103]

باب قَوْلِهِ: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} [الكهف: 103]
( باب) بالتنوين ( قوله: { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالًا} ) [الكهف: 103] زاد أبو ذر
الآية أي هل نخبركم بالأخسرين ثم فسرهم بقوله { الذين ضل سعيهم} أي عملوا أعمالًا باطلة على غير شريعة مشروعة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا أي يعتقدون أنهم على هدى فضل سعيهم وأعمالًا نصب على التمييز وجمع لأنه من أسماء الفاعلين أو لتنوّع أعمالهم فليسوا مشتركين في عمل واحد وفي قوله تعالى: { وهم يحسبون أنهم يحسنون} تجنيس التصحيف وهو أن يكون النقط فرقًا بين الكلمتين وقوله هل ننبئكم استفهام تقريري، وفي قوله: ( { الأخسرين أعمالًا} [الكهف: 103] الاستعارة استعارة الخسران الذي هو حقيقة في ضدّ الربح لكون أعمالهم الصالحة نفدت أجورها واستعار الضلال الذي هو حقيقة في التيه عن الطريق المستقيم لإسقاط أعمالهم وإذهابها، وفي قوله: قل هل ننبئكم الحذف أي قل هل ننبئكم بما يحل بالأخسرين وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.


[ قــ :4472 ... غــ : 4728 ]
-
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُصْعَبٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} هُمُ الْحَرُورِيَّةُ قَالَ: لاَ هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَمَّا الْيَهُودُ فَكَذَّبُوا مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَأَمَّا النَّصَارَى كَفَرُوا بِالْجَنَّةِ، وَقَالُوا: لاَ طَعَامَ فِيهَا وَلاَ شَرَابَ وَالْحَرُورِيَّةُ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَكَانَ سَعْدٌ يُسَمِّيهِمُ الْفَاسِقِينَ.

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا ( محمد بن بشار) بموحدة فمعجمة مشددة الملقب ببندار قال: ( حدّثنا محمد بن جعفر) الهذلى البصري المعروف بغندر قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن عمرو) بفتح العين ولأبي ذر زيادة ابن مرة بضم الميم وتشديد الراء ابن عبد الله المرادي الأعمى الكوفي ( عن مصعب) بضم الميم وفتح العين بينهما مهملة ساكنة وآخره موحدة، ولأبي ذر: ابن سعد بسكون العين ابن أبي وقاص أنه ( قال: سألت أبي) سعد بن أبي وقاص عن قوله تعالى: { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالًا} هم الحرورية) ؟ بفتح الحاء المهملة وضم الراء الأولى وكسر الثانية بينهما واو ساكنة والمثناة التحتية مشددة بعدها تاء تأنيث نسبة إلى حروراء قرية بقرب الكوفة كان ابتداء خروج الخوارج على عليّ منها ولعل سبب سؤال مصعب أباه عن ذلك ما روى ابن مردويه من طريق القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل في هذه الآية قال: أظن أن بعضهم الحرورية.
وعند الحاكم من وجه آخر عن أبي الطفيل قال: قال علي: منهم أصحاب النهروان، وذلك قبل أن يخرجوا وأصله عند عبد الرزاق بلفظ قام ابن الكوّاء إلى علي فقال: ما الأخسرين أعمالًا؟ قال: ويلك منهم أهل حروريا.

( قال) أي سعد بن أبي وقاص: ( لا) ليس هم الحرورية ( هم اليهود والنصارى) وللحاكم قال لا أولئك أصحاب الصوامع ولابن أبي حاتم من طريق أبي خميصة بفتح الخاء المعجمة والصاد المهملة واسمه عبيد الله بن قيس قال هم الرهبان الذين حبسوا أنفسهم في السواري ( أما اليهود فكذبوا محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأما النصارى كفروا) ولأبي ذر فكفروا ( بالجنة وقالوا لا طعام فيها ولا شراب والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه وكان سعد) هو ابن أبي وقاص ( يسميهم الفاسقين) والصواب الخاسرين، ووقع على الصواب كذلك عند الحاكم لقوله: ( { قل هل ننبئكم
بالأخسرين}
)
[الكهف: 103] ووجه خسرانهم أنهم تعبّدوا على غير أصل فابتدعوا فخسروا الأعمار والأعمال وعن علي أنهم كفرة أهل الكتاب كان أوائلهم على حق فأشركوا بربهم وابتدعوا في دينهم وقيل هم الصابئون وقيل المنافقون بأعمالهم المخالفون باعتقادهم، وهذه الأقوال كلها تقتضي التخصيص بغير مخصص والذي يقتضيه التحقيق أنها عامة، فأما قول على أنهم الحرورية فمعناه أن الآية تشملهم كما تشمل أهل الكتابين وغيرهم لا أنها نزلت في هؤلاء على الخصوص بل أعم من ذلك لأنها مكية قبل خطاب أهل الكتاب ووجود الحرورية وإنما هي عامة في كل من دان بدين غير الإسلام وكل من راءى بعمله أو أقام على بدعة فكل من الأخسرين، وقد قال ابن عطية ويضعف قول من قال إن المراد أهل الأهواء والحرورية قوله تعالى بعد ذلك { أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه} [الكهف: 105] وليس في هذه الطوائف من يكفر بآيات الله وإنما هذه صفة مشركي عبدة الأوثان اهـ.

فاتّضح بهذا ما قلناه إن الآية عامة.