فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {هذان خصمان اختصموا في ربهم} [الحج: 19]

باب قَوْلِهِ: { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19]
هذا ( باب) بالتنوين وسقط لغير أبي ذر ( قوله) تعالى: ( { هذان خصمان اختصموا في ربهم} ) [الحج: 19] أي في دين ربهم والخصم في الأصل مصدر فيوحد ويذكر غالبًا كقوله: { نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب} [ص: 21] ويجوز أن يثنى ويجمع ويؤنث كهذه الآية ولما كان كل خصم فريقًا يجمع طائفة قال اختصموا بصيغة الجمع كقوله: { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} [الحجرات: 9] فالجمع مراعاة للمعنى.
وقال في الكشاف: الخصم صفة وصف بها الفوج أو الفريق فكأنه قيل هذان فوجان أو فريقان يختصمان، وقوله ( هذان) للفظ واختصموا للمعنى قال في الدار: إن عنى بقوله أن الخصم صفة بطريق الاستعمال المجازي فمسلم لأن المصدر يكثر الوصف به وإن أراد أنه صفة حقيقة فخطؤه ظاهر لتصريحهم بأن رجل خصم مثل رجل عدل.


[ قــ :4487 ... غــ : 4743 ]
- حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- أَنَّهُ كَانَ يُقْسِمُ فِيهَا إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ: { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَعُتْبَةَ وَصَاحِبَيْهِ يَوْمَ بَرَزُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ.
رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ.

     وَقَالَ  عُثْمَانُ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَوْلَهُ.

وبه قال: ( حدّثنا حجاج بن منهال) الأنماطي السلمي مولاهم البصري قال: ( حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة مصغرًا ابن بشير مصغرًا أيضًا قال: ( أخبرنا أبو هاشم) يحيى بن دينار الرماني بضم الراء وتشديد الميم الواسطي ( عن أبي مجلز) بكسم الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي لاحق بن حميد السدوسي ( عن قيس بن عباد) بضم العين المهملة وتخفيف الموحدة البصري ( عن أبي ذر) جندب بن جنادة ( -رضي الله عنه- أنه كان يقسم فيها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قسمًا بفتح السين بدل قوله فيها وهو الصواب ورواية الكشميهني فيها تصحيف كما لا يخفى إذ المراد القسم الذي هو الحلف ( إن هذه الآية { هذان خصمان اختصموا في ربهم} نزلت في حمزة) بن عبد المطلب ( و) في ( صاحبيه) علي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وهؤلاء الثلاثة الفريق المؤمنون ( و) في ( عتبة) بن ربيعة بن عبد شمس ( و) في ( صاحبيه) أخيه شيبة والوليد بن عتبة المذكور وهم الفريق الآخر ( يوم برزوا في يوم) وقعة ( بدر) والستة كلهم من قريش ثلاثة منهم مسلمون وهم من بني عبد مناف اثنان من بني هاشم والثالث وهو عبيدة من بني عبد المطلب، وباقيهم مشركون وهم من بني عبد شمس بن عبد مناف وتفصيل مبارزتهم على المشهور أن حمزة لعتبة وعبيدة لشيبة وعليًّا للوليد.
وقيل: إن عبيدة للوليد وعليًّا لشبيه والسند بذلك أصح مما قبله إلا أن ذلك أنسب، وقتل كل واحد من المسلمين من برز له من الكفار إلا عبيدة فإنه اختلف مع من بارزه بضربتين فوقعت الضربة في ركبة عبيدة ومال حمزة وعلي إليه فأعاناه على قتله واستشهد عبيدة من تلك الضربة بالصفراء عند رجوعهم.

( رواه) أي حديث الباب هذا بإسناده ومتنه ( سفيان) الثوري فيما وصله المؤلّف في المغازي ( عن أبي هاشم) شيخ هشيم المذكور هنا عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي ذر بلفظ نزلت ( { هذان خصمان اختصموا في ربهم} ) في ستة من قريش علي وحمزة وعبيدة بن الحارث وشيبة بن ربيعة وأخيه عتبة والوليد بن عتبة ( وقال عثمان) هو ابن أبي شيبة ( عن جرير) هو ابن عبد الحميد ( عن منصور) هو ابن المعتمر ( عن أبي هاشم) هو ابن دينار الرماني ( عن أبي مجلز) هو لاحق السدوسي ( قوله) أي هو من قوله موقوفًا عليه، وقد وصله أبو هاشم في رواية الثوري وهشيم إلى أبي ذر كما مر قريبًا والحكم للواصل إذا كان حافظًا على ما لا يخفى والثوري أحفظ من منصور فتقدم روايته.




[ قــ :4488 ... غــ : 4744 ]
- حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ قَيْسٌ: وَفِيهِمْ نَزَلَتْ: { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} قَالَ: هُمُ الَّذِينَ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ عَلِيٌّ وَحَمْزَةُ وَعُبَيْدَةُ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ.

وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم قال: (حدّثنا معتمر بن سليمان قال: (سمعت أبي) سليمان بن طرخان بالخاء المعجمة التيمي (قال: حدّثنا أبو مجلز) لاحق السدوسي (عن قيس بن عباد) بضم العين وتخفيف الموحدة (عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-) وسقط لأبي ذر ابن أبي طالب أنه (قال: أنا أوّل من يجثو) بالجيم أي يجلس على ركبتيه (بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة قال قيس): هو ابن عباد من قوله موقوفًا عليه (وفيهم) أي في حمزة وصاحبيه وعتبة وصاحبيه (نزلت { هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال هم الذين بارزوا يوم بدر علي وحمزة) بن عبد المطلب (وعبيدة) بن الحارث بن عبد المطلب والثلاثة مسلمون (وشيبة بن ربيعة) بن عبد شمس (و) أخوه (عتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة) المذكور.

ومقتضى رواية سليمان بن طرخان هذه الاقتصار على قوله: أنا أوّل من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة فقط كما أن مقتضى رواية أبي هاشم السابقة قريبًا الاقتصار على سبب النزول فليس في رواية قيس بن عباد عن أبي ذر وعلى اختلاف عليه، لكن أخرج النسائي من طريق يوسف بن يعقوب عن سليمان التيمي بهذا الإسناد إلى علي قال: فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم بدر { هذان خصمان} وزاد أبو نعيم في مستخرجه ما في رواية معتمر بن سليمان وهو قوله أنا أوّل من يجثو وكذا أخرجه الحاكم من طريق أبي جعفر الرازي ورواه عبد بن حميد عن يزيد بن هارون وعن حماد بن مسعدة كلاهما عن سليمان التيمي كرواية معتمر فإن كان محفوظًا فيكون الحديث عند قيس عن أبي ذر وعن علي معًا بدليل اختلاف سياقهما قاله في الفتح.

وقد روي أن الآية نزلت في أهل الكتاب والمسلمين قال أهل الكتاب: نحن أحق بالله وأقدم منكم كتابًا ونبينا قبل نبيكم، وقال المؤمنون: نحن أحق بالله آمنا بمحمد وآمنا بنبيكم وما أنزل الله من كتاب فأفلج الله الإسلام على من ناوأه وأنزل { هذا خصمان} قاله قتادة بنحوه.

وقال عكرمة: هما الجنة والنار قالت النار: خلقني الله لعقوبته، وقالت الجنة: خلقني الله لرحمته فقص الله على محمد خبرهما وخصوص السبب لا يمنع العموم في نظير ذلك السبب وقول عطاء ومجاهد أن المراد الكافرون والمؤمنون يشمل الأقوال كلها وينتظم فيه قصة بدر وغيرها.


سورة الْمُؤْمِنِينَ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَبْعَ طَرَائِقَ: سَبْعَ سَمَوَاتٍ، لَهَا سَابِقُونَ: سَبَقَتْ لَهُمُ السَّعَادَةُ.
قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ: خَائِفِينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ: بَعِيدٌ بَعِيدٌ.
فَاسْأَلِ
الْعَادِّينَ: الْمَلاَئِكَةَ، لَنَاكِبُونَ: لَعَادِلُونَ، كَالِحُونَ، عَابِسُونَ،.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ: مِنْ سُلاَلَةٍ: الْوَلَدُ، وَالنُّطْفَةُ: السُّلاَلَةُ، وَالْجِنَّةُ: وَالْجُنُونُ وَاحِدٌ، وَالْغُثَاءُ الزَّبَدُ وَمَا ارْتَفَعَ عَنِ الْمَاءِ وَمَا لاَ يُنْتَفَعُ بِهِ.
يَجْأَرُونَ: يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ كَمَا تَجْأَرُ البَقَرَةُ، عَلَى أَعْقَابِكُمْ: رَجَعَ عَلَى عَقِبَيْهِ.
سَامِرًا مِنَ السَّمَرِ وَالجَمِيعُ السُّمَّارُ وَالسَّامِرُ هَا هُنَا فِي مَوْضِعِ الجَمْعِ.
تُسْحَرُونَ: تَعْمَوْنَ مِنَ السِّحْرِ.


(سورة المؤمنين)
بالياء، وفي نسخة سورة المؤمنون بالواو مكية مائة وتسع عشرة آية في البصري وثمان عشرة في الكوفي.

(بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر.

(قال ابن عيينة) سفيان مما وصله في تفسيره من رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه في قوله تعالى: { ولقد خلقنا فوقكم} ({ سبع طرائق} ) [المؤمنون: 17] أي (سبع سماوات) سميت طرائق لتطارقها وهو أن بعضها فوق بعض يقال طارق النعل إذا أطبق نعلًا على نعل وطارق بين الثوبين إذا لبس ثوبًا على ثوب قاله الخليل والزجاج والفراء أو لأنها طرق الملائكة في العروج والهبوط قاله علي بن عيسى، وقيل لأنها طرق الكواكب في مسيرها والوجه في إنعامه علينا بذلك أنه جعلها موضعًا لأرزاقنا بإنزال الماء منها وجعلها مقرًا للملائكة ولأنها موضع الثواب ومكان إرسال الأنبياء ونزول الوحي.

({ لها سابقون} ) في قوله تعالى: { أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} [المؤمنون: 61] أي (سبقت لهم السعادة) قاله ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة وضمير لها يرجع إلى الخيرات لتقدمها في اللفظ واللام قيل بمعنى إلى يقال سبقت له وإليه بمعنى ومفعول سابقون محذوف تقديره سابقون الناس إليها وقيل اللام للتعليل أي سابقون الناس لأجلها وسقط هذا لأبي ذر.

({ قلوبهم وجلة} ) [المؤمنون: 60] قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم أي (خائفين) أن لا يقبل منهم ما آتوا من الصدقات وهذا ثابت لأبي ذر عن المستملي (قال) ولأبي ذر وقال: (ابن عباس) فيما وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة (هيهات هيهات) بالفتح من غير تنوين لغة الحجازين بني لوقوعه أي (بعيد بعيد).

قال في المصابيح: المعروف عند النحاة أنها اسم فعل أي سمي بها الفعل الذي هو بعد وهذا تحقيق لكونه اسمًا مع أن مدلوله وقوع البعد في الزمن الماضي والمعنى أن دلالته على معنى بعد ليست من حيث إنه موضوع لذلك المعنى ليكون فعلًا بل من حيث إنه موضوع لفعل دال على بعد يقترن بالزمان الماضي وهو بعد كوضع سائر الأسماء لمدلولاتها.
اهـ.

وفسره الزجاج في ظاهر عبارته بالمصدر فقال: البعد لما توعدون أو بعد لما توعدون فظاهرها أنه مصدر بدليل عطف الفعل عليه ويمكن أن يكون فسر المعنى فقط وجمهور القرّاء على فتح التاء من غير تنوين فيهما وهي لغة الحجازيين وإنما بنوه لشبهه بالحرف وفيه لغات تزيد على الأربعين وكرر للتوكيد وليست المسألة من التنازع قال جرير:
فهيهات هيهات العقيق وأهله ... وهيهات خل بالعقيق نواصله
({ فاسأل العادّين} ) أي (الملائكة) يعني الذين يحفظون أعمال بني آدم ويحصونها عليهم وهذا قول عكرمة وقيل الملائكة الذي يعدّون أيام الدنيا وقيل المعنى سل من يعرف عدد ذلك فإنا نسيناه.

(لناكبون) ولأبي ذر قال ابن عباس لناكبون (لعادلون) عن الصراط السويّ.

(كالحون) أي (عابسون) وفي حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا تشويه النار فتقلص شفته العليا وتسترخي السفلى رواه الحاكم (وقال غيره) أي غير ابن عباس وثبت وقال غيره لأبي ذر وسقط لغيره.

(من سلالة: الولد والنطفة السلالة) لأنه استل من أبيه وهو مثل البرادة والنحاتة لما يتساقط الشيء بالبرد والنحت وقال الكرماني ليس الولد تفسيرًا للسلالة بل مبتدأ خبره السلالة وهي فعالة وهو بناء يدل على القلة كالقلامة.

(والجنة) في قوله { أم يقولون به جنة} (والجنون واحد) في المعنى وقيل كانوا يعملون بالضرورة أنه أرجحهم عقلًا وأثقبهم نظرًا فالمجنون كيف يمكنه أن يأتي بمثل ما أوتي به من الدلائل القاطعة والشراع الكاملة الجامعة.

(والغثاء) في قوله: { فجعلناهم غثاء} هو (الزبد وما ارتفع عن الماء وما لا ينتفع به) وهو من غثا الوادي يغثو غثوًا بالواو وأما غثت نفسه تغثي غثيانًا أي خبثت فهو قريب من معناه ولكنه من مادّة الياء.

(يجأرون) أي (يرفعون أصواتهم) بالاستغاثة والضجيج (كما تجأر البقرة) لشدة ما نالهم.

({ على أعقابكم} ) [المؤمنون: 66] يقال (رجع على عقبيه) أي أدبر يعني أنهم مدبرون عن سماع الآيات.

(سامرًا) نصب على الحال من فاعل تنكصون أو من الضمير في مستكبرين مأخوذ (من السمر) وهو سهر الليل مأخوذ وهو ما يقع على الشجر من ضوء القمر فيجلسون إليه يتحدثون مستأنسين به قال:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
وقال الراغب السامر الليل المظلم (والجميع السمار) بوزن الجمار (والسامر ها هنا في موضع الجمع) وهو الأفصح تقول قوم سامر ونظيره نخرجكم طفلًا.

(تسحرون) أي فكيف (تعمون من السحر) حتى يخيل لكم الحق باطلًا مع ظهور الأمر وتظاهر الأدلة وثبت من قوله تجأرون إلى هنا في رواية النسفيّ وسقط لغيره كما نبه عليه في الفتح.


[4] سورة النُّورِ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) { مِنْ خِلاَلِهِ} مِنْ بَيْنِ أَضْعَافِ السَّحَابِ { سَنَا بَرْقِهِ} وَهُوَ الضِّيَاءُ.
مُذْعِنِينَ يُقَالُ لِلْمُسْتَخْذِي مُذْعِنٌ.
أَشْتَاتًا وَشَتَّى وَشَتَاتٌ وَشَتٌّ وَاحِدٌ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: { سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا} : بَيَّنَّاهَا.
.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ: سُمِّيَ الْقُرْآنُ لِجَمَاعَةِ السُّوَرِ، وَسُمِّيَتِ السُّورَةُ لأَنَّهَا مَقْطُوعَةٌ مِنَ الأُخْرَى، فَلَمَّا قُرِنَ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ سُمِّىَ قُرْآنًا،.

     وَقَالَ  سَعْدُ بْنُ عِيَاضٍ الثُّمَالِيُّ { الْمِشْكَاةُ} الْكُوَّةُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ.
وَقَولُهُ تَعَالَى: { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} : تَأْلِيفَ بَعْضِهِ إِلَى بَعْضٍ { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} : فَإِذَا جَمَعْنَاهُ وَأَلَّفْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ أَيْ مَا جُمِعَ فِيهِ فَاعْمَلْ بِمَا أَمَرَكَ وَانْتَهِ عَمَّا نَهَاكَ اللَّهُ، وَيُقَالُ لَيْسَ لِشِعْرِهِ قُرْآنٌ أَيْ تَأْلِيفٌ، وَسُمِّيَ الْفُرْقَانَ لأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ مَا قَرَأَتْ بِسَلًا قَطُّ أَيْ لَمْ تَجْمَعْ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا.
.

     وَقَالَ : { فَرَّضْنَاهَا} أَنْزَلْنَا فِيهَا فَرَائِضَ مُخْتَلِفَةً، وَمَنْ قَرَأَ: { فَرَضْنَاهَا} يَقُولُ: فَرَضْنَا عَلَيْكُمْ وَعَلَى مَنْ بَعْدَكُمْ.
.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا لَمْ يَدْرُوا لِمَا بِهِمْ مِنَ الصِّغَرِ.
.

     وَقَالَ  الشَّعْبِيُّ أُولِي الإِرْبَةِ مَنْ لَيْسَ لَهُ إِرْبٌ.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ: لاَ يُهِمُّهُ إِلاَّ بَطْنُهُ وَلاَ يُخَافُ عَلَى النِّسَاءِ.

     وَقَالَ  طَاوُسٌ: هُوَ الأَحْمَقُ الذِي لاَ حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ.


([4] سورة النور)
مدنية وهي ثنتان أو أربع وستون آية.

(بسم الله الرحمن الرحيم) ثبتت البسملة لأبي ذر وفي بعض النسخ ثبوتها مقدمة على السورة.

(من خلاله) في قوله تعالى: { فترى الودق يخرج من خلاله} [النور: 43] أي فترى المطر يخرج (من بين أضعاف السحاب) وخلال مفرد كحجاب أو جمع كجبال جمع جبل.

(سنا برقه وهو الضياء) يقال: سنا يسنو سنا أي أضاء يضيء قال امرؤ القيس:
يضيء سناه أو مصابيح راهب
والسناء بالمد الرفعة والمعنى هنا يكاد ضوء برق السحاب يذهب بالأبصار من شدة ضوئه والبرق الذي صفته كذلك لا بد وأن يكون نارًا عظيمة خالصة والنار ضد الماء والبرد فظهوره يقتضي ظهور الضد من الضد وذلك لا يمكن إلا بقدرة قادر حكيم وسقط لغير أبي ذر قوله وهو من قوله وهو الضياء.

(مذعنين) في قوله تعالى: { وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين} [النور: 49] (يقال للمستخذي) بالخاء والذال المعجمتين اسم فاعل من استخذى أي خضع (مذعن) بالذال المعجمة أي منقاد يريد إن كان لهم الحكم لا عليهم يأتوا إليه منقادين لعلمهم بأنه يحكم لهم.

(أشتاتًا وشتى) بتشديد التاء (وشتات) بتخفيفها (وشت) بتشديدها (واحد) في المعنى ومراده ما في قوله تعالى: { ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعًا أو أشتاتًا} [النور: 61] وجميعًا حال من فاعل تأكلوا وأشتاتًا عطف عليه والأكثرون على أن الآية نزلت في بني ليث بن عمرو حيّ من كنانة كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده فيمكث يومه حتى يجد ضيفًا يأكل معه فإن لم يجد من يؤاكله لم يأكل شيئًا وربما قعد الرجل والطعام بين يديه من الصباح إلى الرواح فنزلت هذه الآية فرخص لهم أن يأكلوا كيف شاؤوا جميعًا مجتمعين أو أشتاتًا متفرقين.

(وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله تعالى: ({ سورة أنزلناها} ) [النور: 1] أي (بيناها) قال الزركشي تبعًا للقاضي عياض كذا في النسخ والصواب أنزلناها وفرضناها بيناها فبيناها تفسير فرضناها لا تفسير أنزلناها ويدل عليه قوله بعد هذا ويقال في فرضناها أنزلنا فيها فرائض مختلفة فإنه يدل على أنه تقدم له تفسير آخر.
اهـ.

وتعقب الزركشي صاحب المصابيح فقال: يا عجبًا لهذا الرجل وتقويله لابن عباس ما لم يقله فالبخاري نقل عن ابن عباس تفسير أنزلناها ببيناها وهو نقل صحيح ذكره الحافظ مغلطاي من طريق ابن المنذر بسنده إلى ابن عباس فما هذا الاعتراض البارد.
اهـ.

وقد روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله وفرضناها يقول بيناها.
قال في الفتح: وهو يؤيد قول عياض.

(وقال غيره) أي غير ابن عباس (سمي القرآن لجماعة السور) بفتح الجيم والعين وتاء التأنيث والسور مجرور بالإضافة ويجوز كسر الجيم والعين وهاء الضمير والسور نصب مفعول لجماعه (وسميت السورة لأنها) منزلة بعد منزلة (مقطوعة من الأخرى) والجمع سور بفتح الواو وقال الراعي:
سود المحاجر لا يقرأن بالسور
وفيها لغتان الهمز وتركه فبتركه هي المنزلة من منازل الارتفاع ومن ثم سمي سور البلد لارتفاعه على ما يحويه ومنه قول النابغة:
ألم تر أن الله أعطاك سورة ... ترى كل ملك دونها يتذبذب
يعني منزلة من منازل الشرف التي قصرت عنها منازل الملوك فسميت السورة لارتفاعها وعلو قدرها وبالهمز القطعة التي فصلت من القرآن عما سواها وأبقيت منه لأن سؤر كل شيء بقيته بعد ما يؤخذ منه.

(فلما قرن بعضها إلى بعض سمي) المجموع (قرآنًا).
قال أبو عبيدة سمي القرآن لأنه يجمع السور فيضمها (وقال سعد بن عياض) بسكون العين (الثمالي) بضم المثلثة وتخفيف الميم نسبة إلى ثمالة قبيلة من الأزد الكوفي التابعي مما وصله ابن شاهين من طريقه (المشكاة) هي (الكوّة) بضم الكاف وفتحها وتشديد الواو وهي الطاقة غير النافذة (بلسان الحبشة) ثم عرّب وقال مجاهد هي القنديل وقيل هي الأنبوبة في وسط القنديل.

وقوله تعالى: ({ إن علينا جمعه وقرآنه} ) أي (تأليف بعضه إلى بعض { فإذا قرآناه فاتبع قرآنه} ) (القيامة: 17، 18] أي (فإذا بعناه وألفناه فاتبع قرآنه) أي (ما جمع فيه فاعمل بما أمرك) الله فيه (وانته عما نهاك الله) فيه وسقطت الجلالة لأبي ذر وفي الأول للكل (ويقال ليس لشعره قرآن أي تأليف وسمي الفرقان) بالنصب (لأنه يفرق) بضم التحتية وفتح الفاء وتشديد الراء مكسورة (بين الحق والباطل ويقال للمرأة ما قرأت بسلى قط) بفتح السين المهملة منونًا من غير همز وهي الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد (أي لم تجمع في بطنها ولدًا) والحاصل أن القرآن عنده مشتق من قرأ بمعنى جمع لا من قرأ بمعنى تلا.

(وقال فرضناها) بتشديد الراء ولأبي ذر ويقال في فرضناها أي (أنزلنا فيها فرائض مختلفة) فالتشديد لتكثير المفروض وقيل للمبالغة في الإيجاب.
ومن قرأ (فرضناها) بالتخفيف وفي قراءة غير أبي عمرو وابن كثير (يقول): المعنى (فرضنا عليكم) أي فرضناها فأسقط الضمير (وعلى من بعدكم) إلى يوم القيامة والسورة لا يمكن فرضها لأنها قد دخلت في الوجود وتحصيل الحاصل محال فوجب أن يكون المراد فرضنا ما بين فيها من الأحكام.

(قال): ولأبي ذر وقال (مجاهد) فيما وصله الطبري في قوله: { أو الطفل الذين لم يظهروا} [النور: 31] أي (لم يدروا) بسكون الدال العورة من غيرها (لما بهم) أي لأجل ما بهم (من الصغر) وقال الفراء والزجاج لم يبلغوا أن يطيقوا إتيان النساء وقيل لم يبلغوا حد الشهوة والطفل يطلق على الجمع والمثنى فلذا وصف بالجمع أو لما قصد به الجنس روعي فيه الجمع.

(وقال الشعبي) بفتح المعجمة فيما وصله الطبري (أولي الإربة) هو (من ليس له إرب) بكسر الهمزة أي حاجة النساء وهم الشيوخ الهم والممسوحون وقال ابن جبير المعتوه وقال ابن عباس المغفل الذي لا شهوة له وقال مجاهد المخنث الذي لا يقوم ذكره.

(وقال مجاهد) فيما وصله الطبري هو الذي (لا يهمه إلا بطنه ولا يخاف على النساء) لبلهه (وقال طاوس): فيما وصله عبد الرزاق عنه عن أبيه (هو الأحمق الذي لا حاجة له في النساء)
وقيل هو الذي لا تشتهيه المرأة وثبت من قوله وقال الشعبي إلى هنا للنسفي وسقط من فرع اليونينية كأصله كبعض الأصول.