فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم} [النور: 18]

باب { وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 18]
هذا ( باب) بالتنوين في قوله: ( { ويبين الله لكم الآيات} ) في الأمر والنهي ( { والله عليم} ) بأمر عائشة وصفوان ( { حكيم} ) [النور: 18] في شرعه وقدرته.


[ قــ :4499 ... غــ : 4756 ]
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى عَائِشَةَ فَشَبَّبَ.

     وَقَالَ 
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ
قَالَتْ: لَسْتَ كَذَاكَ.
قُلْتُ: تَدَعِينَ مِثْلَ هَذَا يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ: { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} فَقَالَتْ: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَى.
.

     وَقَالَتْ : وَقَدْ كَانَ يَرُدُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا ( محمد بن بشار) بندار العبدي البصري قال: ( حدّثنا ابن أبي عدي) بفتح العين وكسر الدال المهملتين محمد قال: ( أنبأنا شعبة) بن الحجاج ( عن الأعمش) سليمان بن مهران ( عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح ( عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه ( قال: دخل حسان بن ثابت على عائشة فشبب) بشين معجمة فموحدتين الأولى مشددة أي أنشد تغزلًا ( وقال: حصان) عفيفة تمتنع من الرجل ( رزان) صاحبة وقار ( ما تزن بريبة) ما تتهم بها.

( وتصبح غرثى) جائعة ( من لحوم الغوافل) لا تغتابهن ولأبي ذر من دماء بدل من لحوم ( قالت) عائشة تخاطب حسانًا: ( لست كذاك) .
بل تغتاب الغوافل قال مسروق ( قلت) لها: ( تدعين مثل هذا يدخل عليك وقد أنزل الله) تعالى ( { والذي تولى كبره منهم} ) وهذا مشكل إذ ظاهره أن المراد بقوله والذي تولى كبره حسان والمعتمد أنه عبد الله بن أبي لكن في مستخرج أبي نعيم وهو ممن تولى كبره قال في الفتح فهذه أخف أشكالًا ( فقالت: وأي عذاب أشد من العمى؟ وقالت: وقد كان يردّ عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي يدفع هجو الكفار فيهجوهم ويذب عنه وفي المغازي قال عروة: كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول إنه الذي يقول:
فإن أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء
وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال: "إن الله يؤيد حسان بروح القدس في شعره".


باب [قَوْلِهِ تَعَالَى] : { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} .
[النور: 19، 0] تَشِيعَ: تَظْهَرُ.
{ وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِى الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: ]
هذا (باب) بالتنوين في قوله: ({ إن الذين يحبون} ) يريدون ({ أن تشيع} ) أن تنتشر ({ الفاحشة} ) الزنا ({ في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا} ) الحد ({ والآخرة} ) النار وظاهر الآية يتناول كل من كان بهذه الصفة وإنما نزلت في قذف عائشة إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ({ والله يعلم} ) ما في الضمائر ({ وأنتم لا تعلمون} ) وهذا نهاية في الزجر لأن من أحب إشاعة الفاحشة وإن بالغ في إخفاء تلك المحبة فهو يعلم أن الله تعالى يعلم ذلك منه ويعلم قدر الجزاء عليه ({ ولولا فضل الله عليكم ورحمته} ) لعاجلكم بالعقوبة فجواب لولا محذوف ({ وأن الله رؤوف} ) بعباده ({ رحيم} ) [النور: 19، 0] بهم فتاب على من تاب وطهر من طهر مهم بالحد وسقط لأبي ذر قوله: ({ في الذين آمنوا} ) الخ وقال بعد قوله الفاحشة الآية إلى قوله: ({ رؤوف رحيم} ).

(تشيع) أي (تظهر) قاله مجاهد وسقط هذا لغير أبي ذر.

({ ولا يأتل} ) ولأبي ذر وقوله ولا يأتل أي يفتعل من الآلية وهي الحلف أي ولا يحلف ({ أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا} ) أي على أن لا يؤتوا ({ أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله} ) يعني مسطحًا ولا تحذف في اليمين كثيرًا قال الله تعالى: { ولا تجعلوا الله عرضة لإيمانكم} { أن تبروا} يعني أن لا تبروا وقال امرؤ القيس:
فقلت يمين الله أبرح قاعدًا.
أي لا أبرح.

({ وليعفوا وليصفحوا} ) عمن خاض في أمر عائشة ({ ألا تحبون أن يغفر الله لكم} ) يخاطب أبا بكر ({ والله غفور رحيم} ) [النور: ] أي فإن الجزاء من جنس العمل فإذا غفرت يغفر لك وإذا صفحت يصفح عنك وسقط لأبي ذر من قوله والمهاجرين إلى آخر قوله: { أن يغفر الله لكم} وقال بعد قوله: ({ والمساكين} ) إلى قوله: { والله غفور رحيم} .


[ قــ :4499 ... غــ : 4757 ]
- وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ذُكِرَ مِنْ شَأْنِي الَّذِي ذُكِرَ وَمَا عَلِمْتُ بِهِ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيَّ خَطِيبًا فَتَشَهَّدَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهْلِي، وَايْمُ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي مِنْ سُوءٍ، وَأَبَنُوهُمْ بِمَنْ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَطُّ وَلاَ يَدْخُلُ بَيْتِي قَطُّ إِلاَّ وَأَنَا حَاضِرٌ، وَلاَ غِبْتُ فِي سَفَرٍ إِلاَّ غَابَ مَعِي».
فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: ائْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ نَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْخَزْرَجِ، وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ رَهْطِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَقَالَ: كَذَبْتَ، أَمَا وَاللَّهِ أَنْ لَوْ كَانُوا مِنَ الأَوْسِ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ تُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ، حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ شَرٌّ فِي الْمَسْجِدِ وَمَا عَلِمْتُ.
فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي وَمَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ، فَعَثَرَتْ .

     وَقَالَتْ : تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ أَيْ أُمِّ تَسُبِّينَ ابْنَكِ؟ وَسَكَتَتْ.
ثُمَّ عَثَرَتِ الثَّانِيَةَ فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: تَسُبِّينَ ابْنَكِ؟ ثُمَّ عَثَرَتِ الثَّالِثَةَ، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ فَانْتَهَرْتُهَا، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَسُبُّهُ إِلاَّ فِيكِ.
فَقُلْتُ: فِي أَيِّ شَأْنِي؟ قَالَتْ فَبَقَرَتْ لِي الْحَدِيثَ.
فَقُلْتُ: وَقَدْ كَانَ هَذَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَاللَّهِ، فَرَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي كَأَنَّ الَّذِي خَرَجْتُ لَهُ لاَ أَجِدُ مِنْهُ قَلِيلًا وَلاَ كَثِيرًا.
وَوُعِكْتُ فَقُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرْسِلْنِي إِلَى بَيْتِ أَبِي، فَأَرْسَلَ مَعِي الْغُلاَمَ.
فَدَخَلْتُ الدَّارَ فَوَجَدْتُ أُمَّ رُومَانَ فِي السُّفْلِ وَأَبَا بَكْرٍ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ.
فَقَالَتْ أُمِّي: مَا جَاءَ بِكِ يَا بُنَيَّةُ؟ فَأَخْبَرْتُهَا وَذَكَرْتُ لَهَا الْحَدِيثَ، وَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مِثْلَ مَا بَلَغَ مِنِّي.
فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ خَفِّضِي عَلَيْكِ الشَّأْنَ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلاَّ حَسَدْنَهَا وَقِيلَ فِيهَا.
وَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مَا بَلَغَ مِنِّي.
قُلْتُ: وَقَدْ عَلِمَ بِهِ أَبِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَاسْتَعْبَرْتُ وَبَكَيْتُ، فَسَمِعَ أَبُو بَكْرٍ صَوْتِي وَهْوَ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ.
فَنَزَلَ فَقَالَ لأُمِّي: مَا شَأْنُهَا؟ قَالَتْ: بَلَغَهَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ شَأْنِهَا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ.
قَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ أَيْ بُنَيَّةُ إِلاَّ رَجَعْتِ إِلَى بَيْتِكِ فَرَجَعْتُ.
وَلَقَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْتِي فَسَأَلَ عَنِّي خَادِمَتِي فَقَالَتْ: لاَ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا عَيْبًا إِلاَّ أَنَّهَا كَانَتْ تَرْقُدُ حَتَّى تَدْخُلَ الشَّاةُ فَتَأْكُلَ خَمِيرَهَا، أَوْ عَجِينَهَا.
وَانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أصْدُقِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَا بِهِ.
فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلاَّ مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَّهَبِ الأَحْمَرِ.

وَبَلَغَ الأَمْرُ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي قِيلَ لَهُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا كَشَفْتُ كَنَفَ أُنْثَى قَطُّ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُتِلَ شَهِيدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
قَالَتْ: وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، فَلَمْ يَزَالاَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ وَقَدِ اكْتَنَفَنِي أَبَوَايَ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ، إِنْ كُنْتِ قَارَفْتِ سُوءًا أَوْ ظَلَمْتِ فَتُوبِي إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ».
قَالَتْ: وَقَدْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَهْيَ جَالِسَةٌ بِالْبَابِ، فَقُلْتُ: أَلاَ تَسْتَحِي مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَذْكُرَ شَيْئًا.
فَوَعَظَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَالْتَفَتُّ إِلَى أَبِي فَقُلْتُ: أَجِبْهُ، قَالَ: فَمَاذَا أَقُولُ، فَالْتَفَتُّ إِلَى أُمِّي فَقُلْتُ: أَجِيبِيهِ، فَقَالَتْ: أَقُولُ مَاذَا؟ فَلَمَّا لَمْ يُجِيبَاهُ، تَشَهَّدْتُ فَحَمِدْتُ اللَّهَ وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قُلْتُ: أَمَّا بَعْدُ فَوَاللَّهِ لَئِنْ.

قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي لَمْ أَفْعَلْ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَشْهَدُ إِنِّي لَصَادِقَةٌ مَا ذَاكَ بِنَافِعِي عِنْدَكُمْ، لَقَدْ تَكَلَّمْتُمْ بِهِ وَأُشْرِبَتْهُ قُلُوبُكُمْ وَإِنْ.

قُلْتُ إِنِّي فَعَلْتُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَفْعَلْ، لَتَقُولُنَّ قَدْ بَاءَتْ بِهِ عَلَى نَفْسِهَا.
وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا، وَالْتَمَسْتُ اسْمَ يَعْقُوبَ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ، إِلاَّ أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ: { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} وَأُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ سَاعَتِهِ، فَسَكَتْنَا، فَرُفِعَ عَنْهُ، وَإِنِّي لأَتَبَيَّنُ السُّرُورَ فِي وَجْهِهِ وَهْوَ يَمْسَحُ جَبِينَهُ وَيَقُولُ: «أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَكِ»، قَالَتْ: وَكُنْتُ أَشَدَّ مَا كُنْتُ غَضَبًا، فَقَالَ لِي أَبَوَايَ: قُومِي إِلَيْهِ.
فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلاَ أَحْمَدُهُ وَلاَ أَحْمَدُكُمَا، وَلَكِنْ أَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي لَقَدْ سَمِعْتُمُوهُ فَمَا أَنْكَرْتُمُوهُ وَلاَ غَيَّرْتُمُوهُ.
وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: أَمَّا زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِدِينِهَا فَلَمْ تَقُلْ إِلاَّ خَيْرًا،.
وَأَمَّا أُخْتُهَا حَمْنَةُ فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ.
وَكَانَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيهِ مِسْطَحٌ وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَالْمُنَافِقُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَهْوَ الَّذِي كَانَ يَسْتَوْشِيهِ وَيَجْمَعُهُ، وَهْوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ هُوَ وَحَمْنَةُ.
قَالَتْ: فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لاَ يَنْفَعَ مِسْطَحًا بِنَافِعَةٍ أَبَدًا.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ { وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِى الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ} يَعْنِي مِسْطَحًا إِلَى قَوْلِهِ: { أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: ] حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللَّهِ يَا رَبَّنَا، إِنَّا لَنُحِبُّ أَنْ تَغْفِرَ لَنَا، وَعَادَ لَهُ بِمَا كَانَ يَصْنَعُ.

(وقال أبو أسامة) حماد بن أسامة مما وصله أحمد عنه بتمامه (عن هشام بن عروة) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: لمما ذكر من شأني) بضم الذال المعجمة مبنيًّا للمفعول أي من أمري وحالي (الذي ذكر) بضم الذال المعجمة أيضًا من الإفك (و) الحال أني (ما علمت به) وجواب لما قوله (قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيّ) بكسر الفاء وتشديد التحتية حال كونه (خطيبًا فتشهد فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال):
(أما بعد أشيروا عليّ في أناس) يريد أهل الإفك (أبنوا) بهمزة وموحدة مخففة مفتوحتين فنون
فواو وقد تمدّ الهمزة وللأصيلي مما حكاه عياض أبنوا بتشديد الموحدة أي اتهموا (أهلي) وذكروهم بالسوء قال ثابت التأبين ذكر الشيء وتتبعه قال الشاعر:
فرفع أصحابي المطي وأبنوا
أي ذكروها والتخفيف بمعناه لكن قال النووي التخفيف أشهر وقال القاضي عياض: وروي أنبوا بتقديم النون وتشديدها كذا قيده عبدوس بن محمد، وكذا ذكره بعضهم عن الأصيلي.
قال القاضي: وهو في كتابي منقوط من فوق وتحت وعليه بخطي علامة الأصيلي ومعناه إن صح لاموا ووبخوا وعندي أنه تصحيف لا وجه له ها هنا.

(وإيم الله ما علمت على أهلي من سوء وأبنوهم) بالتخفيف اتهموهم (بمن والله ما علمت عليه من سوء قط) يريد صفوان (ولا يدخل بيتي قط إلا وأنا حاضر) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إلا أنا بإسقاط الواو (ولا غبت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولا كنت (في سفر إلا غاب معي فقام سعد بن معاذ) الأنصاري الأوسي المتوفى بسبب السهم الذي أصابه فقطع منه الأكحل في غزوة الخندق سنة خمس كما عند ابن إسحاق.
وكانت هذه القصة في سنة خمس أيضًا كما هو الصحيح في النقل عن موسى بن عقبة (فقال: ائذن لي يا رسول الله أن نضرب أعناقهم) بنون الجمع والضمير لأهل الإفك وسقط لأبي ذر لفظ لي (وقام رجل من بني الخزرج) هو سعد بن عبادة (وكانت أم حسان بن ثابت) الفريعة بضم الفاء وفتح الراء وبالعين المهملة بنت خالد بن حنيس بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج (من رهط ذلك الرجل فقال) لابن معاذ: (كذبت) أي لا تقدر على قتله (أما) بالتخفيف (والله أن لو كانوا) أي قائلوا الإفك (من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم) تضرب بضم أوّله مبنيًّا للمفعول وأعناقهم رفع نائب عن الفاعل وزاد في الرواية السابقة فتثاور الحيان (حتى كاد أن يكون) ولأبي ذر كاد يكون (بين الأوس والخزرج شرّ في المسجد) وفي الرواية السابقة حتى هموا أن يقتتلوا.

قالت عائشة: (وما علمت) بذلك (فلما كان مساء ذلك اليوم خرجت لبعض حاجتي) للتبرز جهة المناصع (ومعي أم مسطح) وهي ابنة أبي رهم (فعثرت) أي في مرطها (وقالت: تعس) بكسر العين وتفتح (مسطح) تعني ابنها.
قالت عائشة: (فقلت) أي لها: (أي أُمّ تسبين ابنك؟) بحذف مرّة الاستفهام وفي الرواية السابقة أتسبين رجلًا شهد بدرًا (وسكتت) أي أم مسطح (ثم عثرت الثانية فقال: تعس مسطح، فقك لها: تسبين ابنك؟ ثم عثرت الثالثة) ولأبي ذر فقلت لها أي أم تسبين ابنك فسكتت ثم عثرت الثالثة (فقالت: تعس مسطح فانتهرتها فقالت: والله ما أسبّه إلا فيك) أي إلا لأجلك (فقلت: في أي شأني قالت: فبقرت) بالفاء والموحدة والقاف والراء المفتوحات آخره فوقية (لي الحديث) قال ابن الأثير أي فتحته وكشفته (فقلت: وقد كان هذا؟) وسقطت الواو لأبي ذر (قالت: نعم والله) قالت عائشة (فرجعت إلى بيتي كأن الذي خرجت له لا أجد منه قليلًا ولا كثيرًا) أي دهشت بحيث ما عرفت لأي أمر خرجت من البيت من شدّة ما
عراني من الهم وكانت قد قضت حاجتها كما سبق (ووعكت) بضم الواو الثانية وسكون الكاف أي صرت محمومة (فقلت) بالفاء ولأبي ذر وقلت (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لما دخل عليّ (أرسلني إلى بيت أبي فأرسل معي الغلام) لم يسم (فدخلت الدار) بسكون اللام (فوجدت أم رومان) تعني أمها قال الكرماني واسمها زينب (في السفل) من البيت (وأبا بكر فوق البيت يقرأ فقالت أمي: ما جاء بك يا بنية فأخبرتها) خبري (وذكرت لها الحديث) الذي قاله أهل الإفك في شأني (وإذا هو لم يبلغ منها مثل ما) ولأبي ذر مثل الذي (بلغ مني فقالت: يا بنية) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أي بنية (خفضي) بخاء معجمة مفتوحة وفاء مشدّدة فضاد معجمة مكسورتين وللحموي والكشميهني خففي بفاء ثانية بدل الضاد وفي نسخة خفي بكسر الخاء والفاء وإسقاط الثانية ومعناها متقارب (عليك الشأن فإنه والله لقلما كانت امرأة قط حسناء) صفة امرأة ولمسلم من رواية ابن ماهان حظية (عند رجل يحبها لها ضرائر إلا حسدنها) بسكون الدال المهملة وفتح النون (وقيل فيها) ما يشينها (وإذا هو) تعني الإفك (لم يبلغ منها ما بلغ مني.
قلت: وقد علم به أبي؟ قالت: نعم.
قلت ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قالت: نعم ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واستعبرت) بسكون الراء ولأبي ذر فاستعبرت بالفاء بدل الواو (وبكيت، فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ فنزل فقال لأمي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الذي ذكر من شأنها) بضم ذال ذكر وكسر كافها (ففاضت عيناه.
قال) ولأبي ذر فقال: (أقسمت عليك أي بنية) ولأبي ذر عن الكشميهني يا بنية (إلا رجعت إلى بيتك فرجعت) بسكون العين (ولقد جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيتي فسأل عني خادمتي) سبق في الرواية التي قبل أنها بريرة مع ما فيه من البحث ولأبي ذر خادمي بلفظ التذكير وهو يطلق على الذكر والأنثى فقال هل رأيت من شيء يريبك على عائشة (فقالت: لا والله ما علمت عليها عيبًا إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خميرها أو عجينها) بالشك من الراوي (وانتهرها بعض أصحابه فقال: أصدقي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية أبي أويس عند الطبراني أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لعلي شأنك بالجارية فسألها عني وتوعدها فلم تخبره إلا بخير، ثم ضربها وسألها فقالت: والله ما علمت على عامّة سوءًا (حتى أسقطوا لها به) من قولهم أسقط الرجل إذا أتى بكلام ساقط والضمير في قوله به للحديث أو للرجل الذي اتهموها به وقال ابن الجوزي: صرحوا لها بالأمر، وقيل: جاؤوا في خطابها بسقط من القول بسبب ذلك الأمر وضمير لها عائد على الجارية وبه عائد على ما تقدم من انتهارها وتهديدها وإلى هذا التأويل كان يذهب أبو مروان بن سراج، وقال ابن بطال: يحتمل أن يكون من قولهم سقط إلى الخبر إذا علمه فالمعنى ذكروا لها الحديث وشرحوه (فقالت) أي الخادمة (سبحان الله والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر) بالغت في نفي العيب كقوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
البيت.

(وبلغ الأمر) أي أمر الإفك (إلى ذلك الرجل) صفوان ولأبي ذر وبلغ الأمر ذلك الرجل (الذي قيل له) أي عنه من الإفك ما قيل فاللام هنا بمعنى عن كهي في قوله تعالى: { وقال الذين
كفروا للذين آمنوا لو كان خيرًا ما سبقونا إليه}
[الأحقاف: 11] أي عن الذين آمنوا كما قاله ابن الحاجب أو بمعنى في أي قيل فيه ما قيل فهي كقوله: { يا ليتني قدمت لحياتي} [الفجر: 4] أي في حياتي (فقال: سبحان الله والله ما كشفت كنف أنثى قط) بفتح الكاف والنون أي ثوبها يريد ما جامعتها في حرام أو كان حصورًا (قالت عائشة: فقتل) صفوان (شهيدًا في سبيل الله) في غزوة أرمينية سنة تسع عشرة في خلافة عمر كما قاله ابن إسحاق (قالت: وأصبح أبواي عندي فلم يزالا حتى دخل عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد صلى العصر) في المسجد (ثم دخل) علي (وقد اكتنفني أبواي عن يميني وعن شمالي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال):
(أما بعد يا عائشة إن كنت قارفت سوءًا) بالقاف والفاء أي كسبته (أو ظلمت) نفسك (فتوبي الى الله) وفي رواية أي أويس إنما أنت من بنات آدم إن كنت أخطأت فتوبي (فإن الله يقبل التوبة عن عباده قالت: وقد جاءت امرأة من الأنصار) لم تسم (فهي جالسة بالباب فقلت) له عليه الصلاة والسلام: (ألا تستحي) بكسر الحاء ولأبي ذر ألا تستحيي بسكونها وزيادة تحتية (من هذه المرأة) الأنصارية (أن تذكر شيئًا) على حسب فهمها لا يليق بجلالة حرمك (فوعظ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
قالت عائشة: (فالتفت إلى أبي فقلت أجبه) عليه السلام عني، ولأبي ذر، فقلت له أجبه (قال: فماذا أقول؟ فالتفت إلى أمي فقلت: أجيبيه) عني عليه السلام (فقالت: أقول ماذا؟) قال ابن مالك فيه شاهد على أن ما الاستفهامية إذا ركبت مع إذا لا يجب تصديرها فيعمل فيها ما قبلها رفعًا ونصبًا (فلما لم يجيباه تشهدت فحمدت الله تعالى وأثنيت عليه بما هو أهله ثم قلت: أما بعد فوالله لئن قلت لكم أني لم أفعل) أي ما قيل (والله عز وجل يشهد أني لصادقة) فيما أقول من براءتي (ما ذاك بنافعي عندكم لقد) ولأبي ذر ولقد (تكلمتم به وأشربته) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول والضمير المنصوب يرجع إلى الإفك (قلوبكم) رفع بأشربت (وإن قلت إني فعلت) ولأبي ذر قد فعلت (والله يعلم أني لم أفعل) ذلك (لتقولن قد باءت) أقرت (به على نفسها وإني والله ما أجد لي ولكم مثلًا والتمست) بسكون السين أي طلبت (اسم يعقوب) عليه السلام (فلم أقدر عليه إلا أبا يوسف حين قال: ({ فصبر جميل} ) أجمل وهو الذي لا شكوى فيه إلى الخلق ({ والله المستعان على ما تصفون} ) أي على احتمال ما تصفونه (وأُنزِلَ على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ساعته فسكتنا فرفع عنه) الوحي (وإني لأتبين السرور في وجهه وهو يمسح جبينه) من العرق (ويقول):
(أبشري) بقطع الهمزة (يا عائشة فقد أنزل الله براءتك) وفي رواية فليح يا عائشة احمدي الله فقد برأك (قالت: وكنت أشد) بالنصب خبران (ما كنت غضبًا) أي وكنت حين أخبر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ببراءتي أقوى ما كنت غضبًا من غضبي قبل ذلك قاله العيني (فقال لي أبواي: قومي إليه.
فقلت: والله) ولأبي ذر لا والله (لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمدكما، ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي لقد سمعتموه) أي الإفك (فما أنكرتموه ولا غيرتموه).

وفي رواية الأسود عن عائشة: وأخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيدي فانتزعت يدي منه فنهرني أبو
بكر وإنما فعلت ذلك لما خامرها من الغضب من كونهم لم يبادروا بتكذيب من قال فيها ذلك مع تحققهم حسن سيرتها وطهارتها.
وقال ابن الجوزي: إنما قالت ذلك إدلالًا كما يدل الحبيب على حبيبه، ويحتمل أن تكون مع ذلك تمسكت بظاهر قوله عليه السلام لها "احمدي الله" ففهمت منه أمرها بإفراد الله بالحمد، فقالت ذلك وأن ما أضافته إليه من الألفاظ المذكورة كان من باعث الغضب قاله في الفتح.

(وكانت عائشة تقول: أما زينب ابنة جحش) أم المؤمنين (فعصمها الله) أي حفظها (بدينها فلم تقل) أي فيّ (إلا خيرًا، وأما أختها حمنة فهلكت فيمن هلك) أي حدّت فيمن حد لخوضها في حديث الإفك لتخفض منزلة عائشة وترفع منزلة أختها زينب (وكان الذي يتكلم فيه) أي في الإفك ولأبي ذر به (مسطح وحسان بن ثابت والمنافق عبد الله بن أبي، وهو الذي كان يستوشيه) أي يطلب إذاعته ليزيده ويريبه (ويجمعه وهو الذي تولى كبره منهم هو وحمنة.
قالت) عائشة: (فحلف أبو بكر أن لا ينفع مسطحًا) ابن خالته (بنافعة أبدًا) بعد الذي قال عن عائشة (فأنزل الله عز وجل: ({ ولا يأتل أولو الفضل منكم} ) إلى آخر الآية يعني: أبا بكر ({ والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين} ) يعني مسطحًا إلى قوله: ({ ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} حتى قال أبو بكر: بلى والله يا ربنا إنّا لنحب أن تغفر لنا وعاد له) لمسطح (بما كان يصنع) له قبل من النفقة، زاد في الباب السابق وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا وسقط لفظ حتى لأبي ذر.

(لطيفة).

ذكر أنه كان للشيخ إسماعيل بن المقري اليمني مؤلف عنوان الشرف وغيره ولد يجري عليه نفقة في كل يوم فقطعها لشيء بلغه عنه فكتب لأبيه رقعة فيها:
لا تقطعن عادة برّ ولا ... تجعل عقاب المرء في رزقه
واعف عن الذنب فإن الذي ... نرجوه عفو الله عن خلقه
وإن بدا من صاحب زلة ... فاستره بالإغضاء واستبقه
فإن قدر الذنب من مسطح ... يحط قدر النجم من أفقه
وقد بدا منه الذي قد بدا ... وعوتب الصديق في حقه
فكتب إليه أبوه:
قد يمنع المضطر من ميتة ... إذا عصى بالسير في طرقه
لأنه يقوى على توبة ... توجب إيصالًا إلى رزقه
لو لم يتب مسطح من ذنبه ... ما عوتب الصديق في حقه
باب { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31]
( باب) بالتنوين في قوله تعالى: ( { وليضربن بخمرهن على جيوبهن} ) [النور: 31] يعني يلقين فلذلك عداه بعلى والخمر جمع خمار وفي القلة يجمع على أخمرة والجيب ما في طوق القميص يبدو منه بعض الجسد.


[ قــ :4499 ... غــ : 4758 ]
- وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهِ.
[الحديث 4758 - طرفه في: 4759] .

( قال أحمد بن شبيب) بفتح المعجمة وكسر الموحدة الأولى بينهما تحتية ساكنة شيخ المؤلّف مما وصله ابن المنذر قال: ( حدّثنا أبي) شبيب بن سعيد ( عن يونس) بن يزيد الأيلي أنه قال: ( قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عروة) بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأول) بضم الهمزة وفتح الواو أي السابقات ( لما أنزل الله) تعالى: ( { وليضربن بخمرهن على جيوبهن} ) وجواب لما قوله: ( شققن مروطهن) جمع مرط بكسر الميم أي أزرهن ( فاختمرن به) أي بما شققن ولأبي الوقت بها أي الأزر المشقوقة وكن في الجاهلية يسدلن خمرهن من خلفهن فتنكشف نحورهن وقلائدهن من جيوبهن، فأمرن أن يضربنهن على الجيوب ليسترن أعناقهن ونحورهن وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر وهو التقنع.