فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} [النور: 31]


[ قــ :4500 ... غــ : 4759 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- كَانَتْ تَقُولُ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} أَخَذْنَ أُزْرَهُنَّ فَشَقَّقْنَهَا مِنْ قِبَلِ الْحَوَاشِي فَاخْتَمَرْنَ بِهَا.

وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا إبراهيم بن نافع) المخزومي المكي (عن الحسن بن مسلم) واسم جده يناق بفتح التحتية وتشديد النون وبعد الألف قاف المكي وثبت ابن مسلم لأبي ذر (عن صفية بنت شيبة) بن عثمان القرشية المكية (أن عائشة -رضي الله عنها- كانت تقول لما نزلت هذه الآية: ({ وليضربن بخمرهن على جيوبهن} ) أخذن (أزرهن) وللنسائي من رواية ابن المبارك عن إبراهيم بلفظ أخذ النساء وللحاكم أخذ نساء الأنصار أزرهن (فشققنها من قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة (الحواشي فاختمرن بها).
واستشكل ذكر نساء المهاجرات في الأولى ونساء الأنصار في رواية الحاكم وغيره.
وأجيب: باحتمال أن نساء الأنصار بادرن إلى ذلك عند نزول الآية، والله سبحانه وتعالى أعلم.

[25] سورة الْفُرْقَانِ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ { هَبَاءً مَنْثُورًا} مَا تَسْفِي
بِهِ الرِّيحُ.
{ مَدَّ الظِّلَّ} : مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ.
{ سَاكِنًا} دَائِمًا.
{ عَلَيْهِ دَلِيلًا} : طُلُوعُ الشَّمْسِ { خِلْفَةً} : مَنْ فَاتَهُ مِنَ اللَّيْلِ عَمَلٌ أَدْرَكَهُ بِالنَّهَارِ، أَوْ فَاتَهُ بِالنَّهَارِ أَدْرَكَهُ بِاللَّيْلِ.
.

     وَقَالَ  الْحَسَنُ: { هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا} فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَمَا شَيْءٌ أَقَرَّ لِعَيْنِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَرَى حَبِيبَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: { ثُبُورًا} : وَيْلًا.
.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ: { السَّعِيرُ} ، مُذَكَّرٌ، وَالتَّسَعُّرُ وَالاِضْطِرَامُ: التَّوَقُّدُ الشَّدِيدُ.
{ تُمْلَى عَلَيْهِ} تُقْرَأُ عَلَيْهِ، مِنْ أَمْلَيْتُ وَأَمْلَلْتُ.
{ الرَّسُّ} : الْمَعْدِنُ، جَمْعُهُ رِسَاسٌ.
{ مَا يَعْبَأُ} يُقَالُ: مَا عَبَأْتُ بِهِ شَيْئًا: لاَ يُعْتَدُّ بِهِ.
{ غَرَامًا} : هَلاَكًا.
.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ: { وَعَتَوْا} طَغَوْا.
.

     وَقَالَ  ابْنُ عُيَيْنَةَ: { عَاتِيَةٍ} : عَتَتْ عَنِ الْخُزَّانِ.


([25] سورة الفرقان)
مكية وآيها سبع وسبعون آية والفرقان الفارق بين الحلال والحرام الذي جمعت منافعه وعمت فوائده.

(بسم الله الرحمن الرحيم) ثبتت البسملة لأبي ذر.

(قال) ولأبي ذر وقال (ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله ابن جرير في قوله: ({ هباء منثورًا} ) هو (ما تسفي به الريح).
وتذريه من التراب والهباء والهبوة التراب الدتيق قاله ابن عرفة.
وقال الخليل والزجاج: هو مثل الغبار الداخل في الكوة يتراءى مع ضوء الشمس فلا يمس بالأيدي ولا يرى في الظل ومنثورًا صفته شبه به عملهم المحيط في حقارته وعدم نفعه ثم بالمنثور منه في انتشاره بحيث لا يمكن نظمه فجيء بهذه الصفة لتفيد ذلك.
وقال الزمخشري: أو مفعول ثالث لجعلناه لم جعلناه جامعًا لحقارة الهباء والتناثر كقوله: { كونوا قردة خاسئين} [البقرة: 65] أي جامعين للمسخ والخسء وسقط للأصيلي لفظ به من قوله تسفي به الريح.

({ مد الظل} ) في قوله تعالى: { ألم تر إلى ربك كيف مد الظل} [الفرقان: 45] قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم عنه هو (ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس) قال في الأنوار وهو أطيب الأحوال فإن الظلمة الخالصة تنفر الطبع وتسد النظر وشعاع الشمس يسخن الجوّ ويبهر البصر ولذلك وصف به الجنة فقال { وظل ممدود} .
اهـ.

والظل عبارة عن عدم الضوء مما من شأنه أن يضيء وجعله ممدودًا لأنه ظل لا شمس معه واعترضه ابن عطية بأنه خصوصية لهذا الوقت بذلك بل من قبل غروب الشمس مدة يسيرة يبقى فيها ظل ممدود مع أنه في نهار وفي سائر أوقات النهار ظلال متقطعة.
وأجيب: بأنه ذكر تفسير الخصوص الآية لأن في بقيتها ثم جعلنا الشمس عليه دليلًا فتعين الوقت الذي بعد طلوع الفجر
واعترض ابن عطية أيضًا بأن الظل إنما يقال لما يقع بالنهار، والظل الموجود في هذا الوقت من بقايا الليل.
وأجيب: بالحمل على المجاز والرؤية هنا بصرية أو قلبية واختاره الزجاج والمعنى ألم تعلم والخطاب وإن كان ظاهره للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو عام في المعنى لأن الغرض بيان نعم الله بالظل وجميع المكلفين مشتركون في تنبيههم لذلك.

({ ساكنًا} ) يريد قوله: { ولو شاء لجعله ساكنًا} [الفرقان: 45] قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم: أي (دائمًا) أي ثابتًا لا يزول ولا تذهبه الشمس قال أبو عبيدة الظل ما نسخته الشمس وهو بالغداة والفيء ما نسخ الشمس وهو بعد الزوال وسمي فيئًا لأنه فاء من الجانب الغربي إلى الشرقي.

({ عليه دليلًا} ) قال ابن عباس: فيما وصله ابن أبي حاتم أيضًا أي (طلوع الشمس) دليل حصول الظل فلو لم تكن الشمس لما عرف الظل ولولا النور ما عرف الظلمة والأشياء تعرف بأضدادها.

({ خلفة} ) في قوله تعالى: { وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة} [الفرقان: 62] قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم: (من فاته من الليل عمل أدركه بالنهار أو فاته بالنهار أدركه بالليل).
وجاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: فاتتني الصلاة الليلة.
فقال: أدرك ما فاتك من ليلتك في نهارك، فإن الله تعالى جعل الليل والنهار خلفة أو يخلف أحدهما الآخر يتعاقبان إذا ذهب هذا جاء هذا، وإذا جاء هذا ذهب ذاك وخلفة مفعول ثان لجعل أو حال.

(وقال الحسن) البصري فيما وصله سعيد بن منصور في قوله تعالى: ({ هب لنا من أزواجنا} ) [الفرقان: 74] وزاد أبو ذر وذرياتنا قرة أعين أي (في طاعة الله) ولأبي ذر والأصيلي: من طاعة الله (وما شيء أقر لعين المؤمن أن يرى) وللأصيلي لعين مؤمن وله ولأبي ذر من أن يرى (حبيبه في طاعة الله) قال في الأنوار فإن المؤمن إذا أشركه أهله في طاعة الله سر بهم قلبه وقربهم عينه لما يرى من مساعدتهم له في الدين وتوقع لحوقهم به في الجنة ومن ابتدائية أو بيانية كقولك رأيت منك أسدًا اهـ والمراد قرة أعين لهم في الدين لا في الدنيا من المال والجمال قال الزجاج يقال أقر الله عينك أي صادف فؤادك ما تحبه وقال المفضل برد دمعتها وهي التي تكون مع السرور ودمعة الحزن حارة.

(وقال ابن عباس) فيما وصله ابن المنذر مفسرًا (ثبورًا) في قوله: { دعوا هنالك ثبورًا} [الفرقان: 13] أي يقولون (ويلا) بواو مفتوحة فتحتية ساكنة وقال الضحاك هلاكًا فيقولون واثبوراه تعال فهذا حينك فيقال لهم لا تدعوا اليوم ثبورًا واحدًا وادعوا ثبورًا كثيرًا أي هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة فادعوا أدعية كثيرة فإن عذابكم أنواع كثيرة كل نوع منها ثبور لشدته أو لأنه يتجدد لقوله تعالى: { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب} [النساء: 56] أو لأنه لا ينقطع فهو في كل وقت ثبور.

(وقال غيره) غير ابن عباس مفسرًا لقوله تعالى: { وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرًا} [الفرقان: 11] (السعير مذكر) لفظًا أو من حيث إن فعيلًا يطلق على المذكر والمؤنث (والتسعر والاضطرار) معناهما (التوقد الشديد) وعن الحسن السعير اسم من أسماء جهنم.

(تملى عليه) في قوله: { وقالوا أساطير الأوّلين اكتتبها فهي تملى عليه} [الفرقان: 5] أي (تقرأ عليه من أمليت) بتحتية ساكنة بعد اللام (وأمللت) بلام بدل التحتية والمعنى أن هذا القرآن ليس من الله إنما سطره الأوّلون فهي تقرأ عليه ليحفظها.

({ الرس} ) في قوله تعالى: { وعادًا وثمود وأصحاب الرس} [الفرقان: 38] أي (المعدن جمعه) بسكون الميم ولأبي ذر جميعه بكسرها ثم تحتية (رساس) بكسر الراء قاله أبو عبيدة وقيل أصحاب الرس ثمود لأن الرس البئر التي لم تطو وثمود أصحاب آبار وقيل الرس نهر بالمشرق وكانت قرى أصحاب الرس على شاطئ النهر فبعث الله إليهم نبيًّا من أولاد يهوذا بن يعقوب فكذبوه فلبث فيهم زمانًا فشكى إلى الله منهم فحفروا بئرًا وأرسلوه فيها وكانوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم وهو يقول سيدي ترى ضيق مكاني وشدة كربي وضعف ركني وقلة حيلتي فأرسل الله عليهم ريحًا عاصفة شديدة الحرّ وصارت الأرض من تحتهم حجر كبريت يتوقد وأظلتهم سحابة سوداء فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص وقيل غير ذلك.

({ ما يعبأ} ) ولأبي ذر: ما يعبؤوا.
قال أبو عبيدة: (يقال ما عبأت به شيئًا لا يعتد به) وللأصيلي أي لم تعتد به فوجوده وعدمه سواء وقال الزجاج معناه لا وزن لكم عندي.

({ غرامًا} ) في قوله تعالى: { إن عذابها كان غرامًا} [الفرقان: 65] قال أبو عبيدة (هلاكًا) وإلزامًا لهم وعن الحسن كل غريم يفارق غريمه إلا غريم جهنم.

(وقال مجاهد) فيما أخرجه ورقاء في تفسيره ({ وعتوا} ) أي (طغوا) وعتوّهم طلبهم رؤية الله حتى يؤمنوا به.

(وقال ابن عيينة) سفيان في قوله تعالى بسورة الحاقة مما ذكره المؤلّف استطرادًا على عادته في مثله ({ عاتية} ) من قوله: { فأهلكوا بريح صرصر عاتية} [الحاقة: 6] (عتت عن الخزان) الذين هم على الريح فخرجت بلا كيل ولا وزن وفي نسخة وقال ابن عباس بدل ابن عيينة ووقع في هذه التفاسير تقديم وتأخير في بعض النسخ.