فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} [السجدة: 17]

باب قَوْلِهِ { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ} [السجدة: 17]
( باب قوله) تعالى: ( { فلم تعلم نفسٌ ما أخفيَ لهم} ) [السجدة: 17] زاد أبو ذر من قرّة أعين أي مما تقرّ به عيونهم وما في أخفي موصولة ونفس نكرة في سياق النفي فتعم جميع الأنفس أي لا يعلم الذي أخفاه الله لهم لا ملك مقرّب ولا نبي مرسل قال بعضهم: أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم.


[ قــ :4519 ... غــ : 4779 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ».
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} .
وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ مِثْلَهُ قِيلَ لِسُفْيَانَ رِوَايَةً؟ قَالَ: فَأَيُّ شَيْءٍ؟ قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ قُرَّاتِ.

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( قال الله تبارك وتعالى) ولأبي ذر عز وجل بدل تبارك وتعالى ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت) .

قال في شرح المشكاة: ما هنا إما موصولة أو موصوفة وعين وقعت في سياق النفي فأفاد الاستغراق والمعنى ما رأت العيون لهن ولا عين واحدة منهن والأسلوب من باب قوله تعالى: { ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع} [غافر: 18] يحتمل نفي الرؤية والعين معًا أو نفي الرؤية فحسب أي لا رؤية ولا عين أو لا رؤية وعلى الأوّل الغرض منه نفي العين وإنما ضمت إليه الرؤية ليؤذن بأن انتفاء الموصوف أمر محقق لا نزاع فيه وبلغ في تحققه إلى أن صار كالشاهد على نفي الصفة وعكسه ومثله قوله:
( ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) من باب قوله تعالى: { يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم} [غافر: 52] أي لا قلب ولا خطور أو لا خطور فعلى الأوّل ليس لهم قلب يخطر فجعل انتفاء الصفة دليلًا على انتفاء الذات أي إذا لم نحصل ثمرة القلب وهو الأخطار قد قلب كقوله تعالى: { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع} [ق: 37] وخص البشر هنا دون القرينتين السابقتين لأنهم الذين ينتفعون بما أعدّ لهم ويهتمون لشأنه ببالهم بخلاف الملائكة.

( قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين} ) [السجدة: 17] والحديث كالتفصيل لهذه الآية لأنها نفت العلم وهو نفي طرق حصوله وقد ذكره المصنف في صفة الجنة من كتاب بدء الخلق.

( وحدّثنا سفيان) هو موصول كسابقه وللأصيلي وابن عساكر قال: علي يعني ابن المديني وحدّثنا سفيان ولأبي ذر حدّثنا علي قال: حدّثنا سفيان يعني ابن عيينة قال: ( حدّثنا أبو الزناد) عبد الله ( عن الأعرج) عبد الرحمن ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال الله مثله) أي مثل ما في الحديث السابق.

( قيل لسفيان) بن عيينة ( رواية) أي تروي رواية عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم من اجتهادك ( قال فأي شيء) ؟ لولا الرواية كنت أقول؟
( قال) ولأبي ذر وابن عساكر وقال: ( أبو معاوية) محمد بن خازن الضرير فيما وصله أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن له ( عن الأعمش) سليمان ( عن أبي صالح) ذكوان السمان أنه قال: ( قرأ أبو هريرة قرأت) جمعًا بالألف والتاء لاختلاف أنواعها وهي قراءة الأعمش والقرة
مصدر وحقه أن لا يجمع لأن المصدر اسم جنس والأجناس أبعد شيء عن الجمعية لكن جعلت القرة هنا نوعًا فجاز جمعها كقوله هناك أحزان وحسن لفظ الجمع إضافة القرات إلى لفظ الأعين ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر زيادة أعين.




[ قــ :450 ... غــ : 4780 ]
- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الأَعْمَشِ.
حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ذُخْرًا بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ».
ثُمَّ قَرَأَ: " { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ".

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا ( إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر البخاري قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة ( عن الأعمش) سليمان أنه قال: ( حدّثنا أبو صالح) ذكوان السمان ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال:
( يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين) في الجنة ( ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) وفي حديث المغيرة بن شعبة عند مسلم مرفوعًا: قال موسى عليه السلام: يا رب ما أدنى أهل الجنة منزلة الحديث إلى أن قال فأعلاهم منزلة.
قال: الذين أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر ( ذخرًا) بضم الذال وسكون الخاء المعجمتين كذا في الفرع.
وقال: في الصحاح في فصل الذال المعجمة ذخرت الشيء أذخره ذخرًا وكذلك أذخرته وهو افتعلت، وقول الحافظ ابن حجر بضم المهملة وسكون المعجمة سهو أو سبق قلم، وقال الكرماني: وذخرًا منصوب متعلق بأعددت وقال في الفتح أي جعلت ذلك لهم مدخورًا ( بله ما أطلعتم عليه) بضم الهمزة وكسر اللام ولأبي الوقت ما أطلعتهم بفتح الهمزة واللام وزيادة هاء بعد التاء وقوله بله بفتح الموحدة وسكون اللام وفتح الهاء وللأربعة من بله بزيادة من الجارة وجر بله بها كذا في الفرع المعتمد المقابل على أصل اليونيني المحرر بحضرة إمام العربية أبي عبد الله بن مالك وكذا رأيته في أصل اليونيني المذكور وحينئذٍ فينظر في قول الصغاني اتفق جميع نسخ الصحيح على من بله والصواب إسقاط كلمة من وقول ابن التين أن بله ضبط مع من بالفتح والكسر هو حكاية ما وجده فلا يمنع ما ذكرته من الفتح مع عدم الجار والكسر مع ثبوته فأما الفتح فقال الجوهري، وبله كلمة مبنية على الفتح مثل كيف ومعناها دع وأنشد قول كعب بن مالك يصف السيوف:
تذر الجماجم ضاحيا هاماتها ... بله الأكف كأنها لم تخلق
قال في المغني: وقد روي بالأوجه الثلاثة: قال شارحه: ومعنى بله الأكف على رواية النصب دع الأكف فأمرها سهل وعلى رواية الجر كترك الأكف منفصلة، وعلى الرفع فكيف الأكف التي يوصل إليها بسهولة.

وأما وجه الفتح مع ثبوت من فقال الرضى: إذا كانت بله بمعنى كيف جاز أن تدخله من حكى أبو زيد أن فلانًا لا يطيق حمل الفهر فمن بله أن يأتي بالصخرة أي كيف ومن أين قال في المصابيح وعليه تتخرج هذه الرواية فتكون بمعنى كيف التي يقصد بها الاستبعاد وما مصدرية وهي مع صلتها في محل رفع على الابتداء والخبر من بله والضمير المجرور بعلى عائد على الذخر أي كيف ومن أين اطلاعكم على ما ادّخرته لعبادي الصالحين فإنه أمر عظيم قلما تتسع عقول البشر لإدراكه والإحاطة به.
قال: وهذا أحسن ما يقال في هذا المحل: اهـ.

وأما الجر فوجه بأن بله بمعنى غير والكسرة التي على الهاء حينئذٍ إعرابية قال في الفتح وهو أي كون بله بمعنى غير أوضح التوجيهات لخصوص سياق حديث الباب حيث وقع فيه ولا خطر على قلب بشر ذخرًا من بله ما اطلعتم عليه وذلك بين لمن تأمله اهـ.

وقال أبو السعادات في نهايته بله اسم من أسماء الأفعال بمعنى دع واترك تقول بله زيدًا وقد توضع موضع المصدر وتضاف فتقول بله زيد أي نترك زيد وقوله: ما اطلعتم عليه يحتمل أن يكون منصوب المحل ومجرور على التقديرين، والمعنى دع ما اطلعتم عليه من نعيم الجنة وعرفتموه من لذاتها اهـ.
زاد الخطابي فإنه سهل يسير في جنب ما ادّخرته لهم.

( ثم قرأ) عليه الصلاة والسلام: ( { فلا تعلم نفسٌ ما أُخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} ) جزاء مفعول له أي أخفي للجزاء فإن إخفاءه لعلوّ شأنه أو مصدر مؤكد لمعنى الجملة قبله أي جرّوا جزاء، وقول الزمخشري فحسم أطماع المتمنين يعني بقوله { جزاء بما كانوا يعملون} نزعة اعتزالية، ومراده بالمتمنين أهل السنة القائلين بأن المؤمن العاصي موعود بالجنة لا بد له منها وفاء بعهده تعالى لأنه وعده بها ووعده حق وجعل العمل كالسبب للوعد فعبر به في قوله: ( { جزاء بما كانوا يعملون} ) عنه لصدق الوعد في النفوس وتصويره بصورة المستحق بالعمل كالأجرة من مجاز التشبيه وعند أبي ذر تقديم حدّثني إسحاق بن نصر إلى آخر يعملون على قوله قال أبو معاوية عن الأعمش.

وهذا الحديث من أفراده.


[33] سورة الأَحْزَابِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ { صَيَاصِيهِمْ} قُصُورِهِمْ.
{ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] .