فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا} [الأحزاب: 28]

باب قَوْلِهِ: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 28] .

     وَقَالَ  مَعْمَرٌ التَّبَرُّجُ: أَنْ تُخْرِجَ مَحَاسِنَهَا.
سُنَّةَ اللَّهِ اسْتَنَّهَا: جَعَلَهَا
هذا ( باب) بالتنوين يذكر فيه ( قوله: { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا} ) السعة والتنعم فيها وذلك أنهن سألنه من عرض الدنيا وطلبن منه زيادة في النفقة وآذينه بغيرة بعضهن ( { وزينتها} ) أي زخارفها ( { فتعالين أمتعكن} ) متعة الطلاق ( { وأسرحكن سراحًا جميلًا) } [الأحزاب: 28] أطلقكنّ طلاق السنة من غير إضرار، وفي قوله: ( { فتعالين أمتعكن وأسرحكن} ) إشعار بأنها لو اختارت واحدة الفراق لا يكون طلاقًا.
وقوله: { أمتعكن وأسرحكن} جزم جواب الشرط وما بين الشرط وجزائه معترض ولا يضر دخول الفاء جملة الاعتراض أو الجواب قوله: "فتعالين" و"أمتعكن" جواب لهذا الأمر، وسقط لأبي ذر: وأسرحكن الخ وقال بعد أمتعكن الآية.

( وقال معمر) بفتح الميمين وسكون العين المهملة بينهما ابن المثنى أبو عبد الله التيمي مولاهم البصري النحوي.
وقال الحافظ ابن حجر: وتوهم مغلطاي ومن قلده أنه معمر بن راشد فنسب هذا إلى تخريج عبد الرزاق في تفسيره عن معمر ولا وجود لذلك في كتاب عبد الرزاق وإنما أخرج عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الآية قال: كانت المرأة تخرج تتمشى بين الرجال فذلك تبرج الجاهلية اهـ.

وتعقبه العيني فقال: لم يقل مغلطاي ابن راشد وإنما قال: هذا رواه عبد الرزاق عن معمر ولم يقل أيضًا في تفسيره حتى يشنع عليه بأنه لم يوجد في تفسيره وعبد الرزاق له تآليف أخر غير تفسيره وحيث أطلق معمرًا يحتمل أحد المعمرين اهـ.

وأجاب الحافظ ابن حجر في كتابه الانتقاض فقال: هذا اعتذار واهٍ فإن عبد الرزاق لا رواية له عن معمر بن المثنى وتآليف عبد الرزاق ليس فيها شيء يشرح الألفاظ إلا التفسير، وهذا تفسيره موجود ليس فيه هذا اهـ.
وسقط وقال معمر لغير أبي ذر.

( { التبرج} ) في قوله تعالى: { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} [الأحزاب: 33] هو ( أن تخرج) المرأة ( محاسنها) للرجال.
وقال مجاهد وقتادة: التبرج التكسر والتغنج وقيل التبختر وتبرج الجاهلية مصدر تشبيهي أي مثل تبرج والجاهلية الأولى ما بين آدم ونوح أو الزمان الذي ولد فيه الخليل إبراهيم كانت المرأة تلبس درعًا من اللؤلؤ فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال أو ما بين نوح وإدريس وكانت ألف سنة والجاهلية الأخرى ما بين عيسى ونبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقيل الجاهلية الأولى الكفر قبل الإسلام والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق في الإسلام.

( { سنة الله} ) في قوله تعالى: { سنة الله في الذين خلوا من قبل} [الأحزاب: 38] أي ( استنها جعلها) قاله أبو عبيدة وقال: جعلها سنّة اهـ.

والمعنى: أن سنة الله في الأنبياء الماضين أن لا يؤاخذهم بما أحل لهم.
وقال الكلبي ومقاتل: أراد داود حين جمع بينه وبين تلك المرأة وكذلك محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وزينب.


[ قــ :4525 ... غــ : 4785 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَهَا حِينَ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُخَيِّرَ أَزْوَاجَهُ، فَبَدَأَ بِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلاَ عَلَيْكِ أَنْ تَسْتَعْجِلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ»، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ.
قَالَتْ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ} » إِلَى تَمَامِ الآيَتَيْنِ فَقُلْتُ لَهُ: فَفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ.
[الحديث 4785 - طرفه في: 4786]
وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف ( أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرته أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاءها حين أمر الله) بإسقاط ضمير المفعول ولأبي ذر أمره الله ( أن يخيّر أزواجه) بين الدنيا والآخرة أو بين الإقامة والطلاق قال الماوردي الأشبه يقول الشافعي الثاني وهو الصحيح.
وقال القرطبي: والنافع الجمع بين القولين لأن أحد الأمرين ملزوم بالآخر وكأنهن خيرن بين الدنيا فيطلقهن وبين الآخرة فيمسكهن ( فبدأ بي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في التخيير قبلهن ( فقال) :
( إني ذاكرٌ لكِ أمرًا، فلا عليك أن تستعجلي) أي لا يلزمك الاستعجال ولأبي ذر أن لا تستعجلي أي لا بأس عليك في التأني وعدم العجلة ( حتى تستأمري أبويك) أي تطلبي منهما المشورة.

وفي حديث جابر عند مسلم: حتى تستشيري أبويك.
وعند أحمد: إني عارض عليك أمرًا فلا تفتاتي فيه بشيء حتى تعرضيه على أبويك أبي بكر وأم رومان وهو يرد على من زعم أن أم رومان ماتت سنة ست من الهجرة فإن التخيير كان في سنة تسع قالوا: وإنما أمرها عليه السلام باستشارتهما خشية أن يحملها صغر السن على اختيار الفراق فإذا استشارت أبويها أرشداها لما فيه المصلحة.
ولذا لما فهمت عائشة ذلك قالت:
( وقد علم) عليه السلام ( أن أبوي) بالتشديد ( لم يكونا يأمراني بفراقه.
قالت: ثم قال)
عليه السلام: ( إن الله قال: { يا أيها النبي قل لأزواجك} إلى تمام الآيتين) [الأحزاب: 28، 29] وهو قوله فإن الله أعدّ للمحسنات منكنّ أجرًا عظيمًا وهل كان هذا التخيير واجبًا عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا ريب أن القول واجب عليه لأنه إبلاغ للرسالة لقوله تعالى: ( { قل} ) وأما التخيير؛ ( فقلت له) عليه
السلام: ( ففي أي هذا) ولأبي ذر عن المستملي ففي أي شيء ( أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة) زاد محمد بن عمرو عند أحمد والطبراني، ولا أوامر أبوي أبا بكر، وأم رومان فضحك وأي اسم معرب يستفهم به نحو { فبأي حديث بعده يؤمنون} [المرسلات: 50] { وأيكم زادته هذه إيمانًا} [التوبة: 124] .

وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في الطلاق وكذا مسلم، وأخرجه النسائي في النكاح والطلاق والترمذي في التفسير.


باب قَوْلِهِ [تعالى] : { وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 9] .

     وَقَالَ  قَتَادَةُ: { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 9] الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ
( باب قوله) تعالى: ( { وإن كنتن تردن الله ورسوله} ) رضا الله ورسوله ( { والدار الآخرة} ) نعيم الجنة ( { فإن الله أعد للمحسنات منكنّ أجرًا عظيمًا} ) [الأحزاب: 9] ثوابًا جزيلًا في الجنة تستحقر دونه الدنيا وزينتها ومن للبيان لأنهن كلهن كن محسنات وسقط باب قوله لغير أبي ذر.

( وقال قتادة) فيما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: ( { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة} ) [الأحزاب: 34] هما ( القرآن والسنة) لف ونشر مرتب ولأبوي ذر والوقت من آيات الله القرآن والحكمة السنة.
قال في الأنوار: وهو تذكير بما أنعم عليهن حيث جعلهن أهل بيت النبوّة ومهبط الوحي وما شهدن من برحاء الوحي مما يوجب قوّة الإيمان والحرص على الطاعة حثًا على الانتهاء والائتمار فيما كلفن.

وَقَالَ اللَّيْثُ:

[ قــ :455 ... غــ : 4786 ]
- حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي فَقَالَ: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ».
قَالَتْ: وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ.
قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} -إِلَى- { أَجْرًا عَظِيمًا} » قَالَتْ فَقُلْتُ: فَفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ.
قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَ مَا فَعَلْتُ تَابَعَهُ.
مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ.

     وَقَالَ  عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو سُفْيَانَ الْمَعْمَرِىُّ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ.

( وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله الذهلي عن أبي صالح عنه ( حدّثني) بالإفراد ( يونس) بن يزيد ( عن ابن شهاب) الزهري أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف ( أن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت لما أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أمر وجوب ( بتخيير أزواجه) وكن يومئذ تسع نسوة خمسة من قريش عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر وأم حبيبة بنت أبي سفيان وسودة بنت زمعة وأم سلمة بنت أبي أمية وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية وميمونة بنت الحارث الهلالية وزينب بنت جحش الأسدية وجويرية بنت الحارث المصطلقة ( بدأ بي) إنما بدأ بها -رضي الله عنها- على غيرها من أزواجه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لفضلها كما قاله النووي أو لأنها كانت السبب في التخيير لأنها طلبت منه ثوبًا فأمره الله بالتخيير رواه ابن مردويه من طريق الحسن عن عائشة لكن الحسن لم يسمع من عائشة فهو مرسل ( فقال) :
( إني ذاكرٌ لكِ أمرًا، فلا عليك أن لا تعجلي) بفتح الجيم وإسقاط السين أي لا بأس عليك في عدم العجلة ( حتى تستأمري أبويك) فيه وزاد في رواية عمرة عن عائشة عند الطبري والطحاوي وخشي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حداثتي لأن الصغر مظنة لنقص الرأي، فإذا استشارت أبويها أوضحا لها ما فيه المصلحة ( قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه قالت: ثم قال) عليه الصلاة والسلام: ( إن الله جل ثناؤه) ولأبي ذر عز وجل ( قال: { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها -إلى- أجرًا عظيمًا} ) فيه أن سبب التخيير سؤالهن - رضي الله عنهن - منه عليه الصلاة والسلام الدنيا وزينتها فقيل أنهن اجتمعن يومًا فقلن نريد ما تريد النساء من الحلي، وطلبت أم سلمة سترًا معلمًا، وميمونة حلة يمانية، وزينب ثوبًا مخططًا، وأم حبيبة ثوبًا سحوليًّا وسألته كل واحدة منهن شيئًا.

قال النقاش: إلا عائشة وآلمن قلبه عليه السلام بمطالبتهن له بتوسعة الحال فأنزل الله التخيير لئلا يكون لأحد منهن منّة عليه في الصبر على ما اختاره عليه الصلاة والسلام من خشونة العيش.

وعند الإمام أحمد -رضي الله عنه- من حديث جابر: أقبل أبو بكر -رضي الله عنه- يستأذن على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والناس ببابه جلوس والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالس فلم يؤذن له، ثم أقبل عمر فاستأذن فلم يؤذن له، ثم أذن لأبي بكر وعمر فدخلا والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالس وحوله نساؤه وهو ساكت فقال عمر: لأكلمن رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعله يضحك فقال عمر: يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألتني النفقة آنفًا فوجأت عنقها، فضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بدا ناجذه وقال: هن حولي يسألنني النفقة، فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقولان تسألان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما ليس عنده، فنهاهما رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلن نساؤه والله لا نسأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد هذا المجلس ما ليس عنده قال: وأنزل الله عز وجل الخيار فبدأ بعائشة.
ورواه مسلم منفردًا به دون البخاري وزاد: ثم اعتزلهن شهرًا أو تسعًا وعشرين ثم نزلت عليه هذه الآية: { يا أيها النبي قل لأزواجك إلى عظيمًا} قال فبدأ بعائشة.

وسبق في المظالم من طريق عقيل عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن ابن عباس عن عمر في قصة المرأتين اللتين تظاهرتا الحديث بطوله وفيه: فاعتزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة: وكان قد قال ما أنا بداخل عليهن شهرًا من شدّة موجدته حين عاتبه الله فلما مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها فقالت له عائشة: إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرًا وإنا أصبحنا لتسع وعشرين ليلة أعدّها عدًا فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الشهر تسع وعشرون" وكان ذلك الشهر تسعًا وعشرين.
قالت عائشة: فأنزل الله آية التخيير فبدأ بي أول امرأة.

قال في الفتح: فاتفق الحديثان على أن آية التخيير نزلت عقب فراغ الشهر الذي اعتزلهن فيه، لكن اختلفا في سبب الاعتزال ويمكن الجمع بأن يكونا جميعًا سبب الاعتزال فإن قصة المتظاهرتين خاصة بهما وقصة سؤال النفقة عامة في جميع النسوة ومناسبة آية التخيير بقصة سؤال النفقة أليق منها بقصة المتظاهرتين اهـ.

( قالت) عائشة: ( فقلت ففي أي) الأمرين من ( هذا) الذي ذكرته ( أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة) وهذا يدل على كمال عقلها وصحة رأيها مع صغر سنها ( قالت: ثم فعل أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثل ما فعلت) من اختيار الله ورسوله والدار الآخرة بعد أن خيرهن ( تابعه) أي تابع الليث ( موسى بن أعين) بفتح الهمزة والتحتية بينهما عين ساكنة الجزري بالجيم والزاي والراء الحراني فيما وصله النسائي ( عن معمر) هو ابن راشد ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف ( وقال، عبد الرزاق) بن همام فيما وصله مسلم وابن ماجة ( وأبو سفيان) محمد بن حميد السكري ( المعمري) بفتح الميمين بينهما عين ساكنة مما وصله الذهلي في الزهريات ( عن معمر) هو ابن راشد ( عن الزهري عن عروة) بن الزبير ( عن عائشة) .
وفيه إشارة إلى ما وقع من الاختلاف على الزهري في الواسطة بينه وبين عائشة في هذه القصة، ولعل الحديث كان عند الزهري عنهما فحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا، وإلى هذا جنح الترمذي، وقد رواه عقيل وشعيب عن الزهري عن عائشة بغير واسطة ولو اختارت المخيرة نفسها وقعت طلقة رجعية عندنا وبائنة عند الحنفية.
وفي هذا المبحث زيادة تأتي إن شاء الله تعالى في الطلاق بعون الله وقوّته.