فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله: (ترجئ من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك)

باب قَوْلِهِ: { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تُرْجِي: تُؤَخِّرُ.
أَرْجِهُ: أَخِّرْهُ
( باب قوله) عز وجل: ( { ترجي} ) تؤخر ( { من تشاء منهن} ) من الواهبات ( { وتؤوي} ) وتضم ( { إليك من تشاء} ) ، منهن ( { ومن ابتغيت} ) ومن طلبت ( { ممن عزلت} ) رددت أنت
منهن فيه بالخيار إن شئت عدت فيه فآويته ( { فلا جناح عليك} ) [الأحزاب: 51] في شيء من ذلك.
قال عامر الشعبي: كن نساء وهبن أنفسهن له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدخل ببعض وأوجأ بعضًا منهن أم شريك وهذا شاذ والمحفوظ أنه لم يدخل بأحد من الواهبات ما سيأتي قريبًا في هذا الباب إن شاء الله تعالى، أو المراد بالإرجاء والإيواء القسم وعدمه لأزواجه أي إن شئت تقسم لهن أو لبعضهن وتقدم من شئت وتؤخر من شئت وتجامع من شئت وتترك من شئت، كذا روي عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وغيرهم، وذلك لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالنسبة إلى أمته نسبة السيد المطاع إلى عبده، ومن ثم قال جماعة من الفقهاء من الشافعية وغيرهم لم يكن القسم واجبًا عليه صلوات الله وسلامه عليه، وقد قال أبو رزين وابن زيد نزلت الآية عقب آية التخيير ففوّض الله تعالى أمرهن إليه يفعل فيهن ما يشاء من قسم وتفضيل بعض في النفقة وغيرها فرضين بذلك واخترنه على هذا الشرط -رضي الله عنه- ومع ذلك قسم اختيارًا منه لا على سبيل الوجوب وسوى بينهن وعدل فيهن كذلك.

وحديث الباب الأوّل يقتضي إن الآية نزلت في الواهبات، والثاني في أزواجه، واختار ابن جرير أن الآية عامة في الواهبات واللاتي عنده وهو اختيار حسن جامع للأحاديث.

( وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه ( ترجي) أي ( تؤخر) وقوله: ( أرجه) في الأعراف والشعراء أي ( أخره) وذكره استطرادًا وهو من تفسير ابن عباس فيما رواه ابن أبي حاتم.


[ قــ :4528 ... غــ : 4788 ]
- حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ هِشَامٌ: حَدَّثَنَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللاَّتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَقُولُ: أَتَهَبُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا؟ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ} قُلْتُ: مَا أُرَى رَبَّكَ إِلاَّ يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ.
[الحديث 4788 - طرفه: 5113] .

وبه قال: ( حدّثنا زكريا بن يحيى) أبو السكين الطائي الكوفي قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة: ( قال هشام) هو ابن عروة ( حدّثنا) قال في الفتح فيه تقديم المخبر على الصيغة وهو جائز وتقديره قال: حدّثنا هشام ( عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام ( عن عائشة - رضي الله عنها-) أنها ( قالت: كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كذا روي بالغين المعجمة من الغيرة وهي الحمية والأنفة.
وعند الإسماعيلي من طريق محمد بن بشر عن هشام كانت تعير اللاتي وهبن أنفسهن بعين مهملة وتشديد التحتية ( وأقول: أتهب المرأة نفسها) وظاهر قوله وهبن أن الواهبة أكثر من واحدة منهن خولة بنت حكيم وأم شريك وفاطمة بنت شريح وزينب بنت خزيمة كما سيأتي في النكاح إن شاء الله تعالى الكلام على ذلك.
وفي حديث سماك عن عكرمة
عن ابن عباس عند الطبري بإسناد حسن لم يكن عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امرأة وهبت نفسها له، والمراد أنه لم يدخل بواحدة ممن وهبن أنفسهن له وإن كان مباحًا له لأنه راجع إلى إرادته ( فلما أنزل الله تعالى { ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك} قلت ما أرى) : بضم الهمزة أي ما أظن ( ربك إلا يسارع في هواك) أي إلا موجدًا لك مرادك بلا تأخير.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في النكاح والنسائي فيه وفي عشرة النساء والتفسير.




[ قــ :459 ... غــ : 4789 ]
- حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ مُعَاذَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَسْتَأْذِنُ فِي يَوْمِ الْمَرْأَةِ مِنَّا بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ} فَقُلْتُ لَهَا: مَا كُنْتِ تَقُولِينَ؟ قَالَتْ كُنْتُ أَقُولُ لَهُ: إِنْ كَانَ ذَاكَ إِلَيَّ فَإِنِّي لاَ أُرِيدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ أُوثِرَ عَلَيْكَ أَحَدًا.
تَابَعَهُ عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ سَمِعَ عَاصِمًا.

وبه قال: ( حدّثنا حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة السلمي المروزي قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: ( أخبرنا عاصم) هو ابن سليمان ( الأحول) البصري ( عن معاذة) بنت عبد الله العدوية ( عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يستأذن في يوم المرأة منا) بإضافة يوم إلى المرأة أي يوم نوبتها إذا أراد أن يتوجه إلى الأخرى ( بعد أن أنزلت هذه الآية { ترجي من نشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك} ) قالت معاذة: ( فقلت لها) أي لعائشة مستفهمة: ( ما كنت تقولين؟) له عليه الصلاة والسلام ( قالت: كنت أقول له إن كان ذاك) الاستئذان ( إليّ فإني لا أريد يا رسول الله أن أؤثر عليك أحدًا) وظاهره أنه عليه الصلاة والسلام لم يرجئ أحدًا منهن وهو قول الزهري فيما أخرجه ابن أبي حاتم ما أعلم أنه أرجى أحدًا من نسائه.
( وتابعه) أي تابع عبد الله بن المبارك ( عباد بن عباد) بفتح العين والموحدة المشددة فيهما أبو معاوية المهلبي فيما وصله ابن مردويه في تفسيره فقال: إنه ( سمع عاصمًا) الأحول.

والحديث أخرجه مسلم في الطلاق وأبو داود في النكاح والنسائي في عشرة النساء.