فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله: {إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد} [سبأ: 46]

باب { إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}
هذا ( باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ( { إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد} [سبأ: 46] ) يوم القيامة.


[ قــ :4541 ... غــ : 4801 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ
مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّفَا ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «يَا صَبَاحَاهْ»، فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ قَالُوا: مَا لَكَ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ يُصَبِّحُكُمْ أَوْ يُمَسِّيكُمْ أَمَا كُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي»؟ قَالُوا: بَلَى.
قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ».
فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ تَبًّا لَكَ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] .

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا محمد بن خازم) بالخاء والزاي المكسورة المعجمتين أبو معاوية الضرير قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان ( عن عروة بن مرّة) بضم الميم وتشديد الراء ( عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: صعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصفا ذات يوم فقال) :
( يا صباحاه) بسكون الهاء في الفرع مصححًا عليه وفي غيره بضمها.
قال أبو السعادات: هذه كلمة يقولها المستغيث وأصلها إذا صاحوا للغارة لأنهم أكثر ما كانوا يُغيرون عند الصباح ويسمون يوم الغارة يوم الصباح فكان القائل يا صباحاه يقول قد غشينا العدوّ، وقيل إن المتقاتلين كانوا إذا جاء الليل يرجعون عن القتال فإذا عاد النهار عاودوه فكأنه يريد بقوله يا صباحاه قد جاء وقت الصباح فتأهبوا للقتال ( فاجتمعت إليه قريش.
قالوا)
ولأبي ذر فقالوا ( ما لك؟ قال) ولأبي ذر فقال: ( أرأيتم) أي أخبروني ( لو أخبرتكم أن العدوّ يصبحكم أو يمسيكم أما) بالتخفيف ( كنتم تصدقوني) ولأبي ذر تصدقونني بنونين ( قالوا: بلى) نصدقك ( قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد) أي قدامه ( فقال أبو لهب: تبًّا لك ألهذا جمعتنا فأنزل الله) تعالى ( { تبت} ) أي خسرت أو هلكت ( { يد أبي لهب} ) .

وهذا الحديث سبق بالشعراء.


[35] سورة الْمَلاَئِكَةُ
( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ مُجَاهِدٌ: الْقِطْمِيرُ لِفَافَةُ النَّوَاةِ.
مُثْقَلَةٌ: مُثَقَّلَةٌ.
.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ: الْحَرُورُ بِالنَّهَارِ مَعَ الشَّمْسِ،.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ الْحَرُورُ بِاللَّيْلِ وَالسَّمُومُ بِالنَّهَارِ.
وَغَرَابِيبُ سُودٌ أَشَدُّ سَوَادٍ الْغِرْبِيبُ.

( [35] سورة الْمَلاَئِكَةُ)
مكية وآيها خمس وأربعون، ولأبي ذر سورة الملائكة ويس.

( بسم الله الرحمن الرحيم) وسقطت البسملة لغير أبي ذر.

( قال مجاهد) فيما وصله الفريابي ( القطمير) هو ( لفافة النواة) وهو مثل في القلة كقوله:
وأبوك يخصف نعله متورّكًا ... ما يملك المسكين من قطمير
وقيل: هو القمع، وقيل: ما بين القمع والنواة وسقط لأبي ذر قال مجاهد.

( مثقلة) بالتخفيف أي ( مثقلة) بالتشديد أي وإن تدع نفس مثقلة بالذنوب نفسًا إلى حملها فحذف المفعول به للعلم به.

( وقال غيره) غير مجاهد في قوله: { وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور} [فاطر: 19 - 21] ( الحرور بالنهار مع الشمس) عند شدة حرّها.
( وقال ابن عباس) في تفسير الحرور ( الحرور بالليل والسموم) بفتح المهملة ( بالنهار) ونقله ابن عطية عن رؤبة وقال: ليس بصحيح بل الصحيح ما قاله الفرّاء وذكره في الكشاف الحرور السموم إلا أن السموم بالنهار والحرور فيه وفي الليل.
قال في الدر: وهذا عجيب منه كيف يرد على أصحاب اللسان يقول من يأخذ عنهم، وسقط لأبي ذر من قوله مثقلة إلى آخره والسموم بالنهار.

{ وغرابيب سود} [فاطر: 27] ( أشد سوادًا الغربيب) بكسر الغين المعجمة عطف على حمر عطف ذي لون على ذي لون أو عطف على بيض أو على جدد ولم يقل بعد غرابيب سود مختلف ألوانها كما قال ذلك بعد بيض وحمر، لأن الغربيب البالغ في السواد فصار لونًا واحدًا غير متفاوت بخلاف السابق، ولغير أبي ذر الشديد السواد، فغرابيب جمع غربيب وغربيب هو الشديد السواد المتناهي فيه فهو تابع للأسود كقان وناصع ويقق، ومن ثم قال بعضهم: إنه على التقديم والتأخير.
يقال: أسود غربيب والبصريون يخرجون هذا وأمثاله على أن الثاني بدل من الأول.
قال الجوهري: وتقول هذا أسود غربيب أي شديد السواد وإذا قلت غرابيب سود تجعل السود بدلًا من غرابيب لأن توكيد الألوان لا يتقدم، وما ذكره المؤلّف من هذا التفسير أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، ولأبي ذر: هنا.

وقال مجاهد: يا حسرة على العباد وكان حسرة عليهم استهزاؤهم بالرسل من مثله من الأنعام فكِهون معجبون سورة يس بسم الله الرحمن الرحيم وقال ابن عباس طائركم عند الله مصائبكم ينسلون يخرجون باب بالتنوين { والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم} [يس: 38] فعززنا فشددنا كذا ثبت في الفرع وأصله هنا وسيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى.


[36] سورة يس
وَقَالَ مُجَاهِدٌ { فَعَزَّزْنَا} : شَدَّدْنَا.
{ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} : وَكَانَ حَسْرَةً عَلَيْهِمُ اسْتِهْزَاؤُهُمْ بِالرُّسُلِ.
{ أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} : لاَ يَسْتُرُ ضَوْءُ أَحَدِهِمَا ضَوْءَ الآخَرِ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُمَا ذَلِكَ.
{ سَابِقُ النَّهَارِ} : يَتَطَالَبَانِ حَثِيثَيْنِ.
{ نَسْلَخُ} : نُخْرِجُ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ وَيَجْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
{ مِنْ مِثْلِهِ} : مِنَ الأَنْعَامِ.
{ فَكِهُونَ} : مُعْجَبُونَ.
{ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} : عِنْدَ الْحِسَابِ.
وَيُذْكَرُ عَنْ عِكْرِمَةَ { الْمَشْحُونِ} : الْمُوقَرُ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ.
{ طَائِرُكُمْ} : مَصَائِبُكُمْ.
{ يَنْسِلُونَ} : يَخْرُجُونَ.

{ مَرْقَدِنَا} : مَخْرَجِنَا.
{ أَحْصَيْنَاهُ} : حَفِظْنَاهُ.
{ مَكَانَتُهُمْ} وَمَكَانُهُمْ: وَاحِدٌ.

( [36] سورة يس)
مكية وآيها ثلاث وثمانون:
( وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ( { فعززنا} ) أي ( شددنا) بتشديد الدال الأولى وتسكين الثانية والمفعول محذوف أي فشددناهما بثالث.

( { يا حسرة على العباد} ) [يس: 30] و ( كان حسرة عليهم) أي في الآخرة ( استهزاؤهم بالرسل) أي في الدنيا واستهزاؤهم رفع اسم كان وحسرة خبرها، وهذا أخرجه الفريابي عن مجاهد أيضًا والمعنى هم أحقّاء بأن يتحسر عليهم المتحسّرون أو يتلهف عليهم المتلهفون أو متحسّر عليهم من جهة الملائكة والمؤمنين وأن يكون من قول الله تعالى على سبيل الاستعارة تعظيمًا للأمر وتهويلًا له فيكون كالوارد في حق الله تعالى من الضحك والسخرية ونصب يا حسرة على المصدر والمنادى محذوف أي يا هؤلاء تحسروا حسرة.

( { أن تدرك القمر} ) في قوله: { لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر} [يس: 40] أي ( لا يستر ضوء أحدهما ضوء الآخر ولا ينبغي لهما ذلك) أي أن يستر أحدهما الآخر لأن لكلٍّ منهما حدًّا لا يعدوه ولا يقصر دونه إلا عند قيام الساعة وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الحسن في قوله لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر قال ذلك ليلة الهلال.

( { سابق النهار} ) في قوله: { ولا الليل سابق النهار} [يس: 40] أي ( يتطالبان) حال كونهما ( حثيثين) فلا فترة بينهما بل كل منهما يعقب الآخر بلا مهلة ولا تراخٍ لأنهما مسخّران يتطالبان طلبًا حثيثًا فلا يجتمعان إلا في وقت قيام الساعة.

( { نسلخ} ) أي ( نخرج أحدهما من الآخر) قال في اللباب: نسلخ استعارة بديعة شبه انكشاف ظلمة الليل بكشط الجلد من الشاة ( ويجري كل واحد منهما) لمستقر إلى أبعد مغربه فلا يتجاوزه ثم يرجع أو المراد بالمستقر يوم القيامة فالجريان في الدنيا غير منقطع.

( { من مثلها} ) في قوله تعالى: { وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} [يس: 42] أي ( من الأنعام) كالإبل فإنها سفائن البر وهذا قول مجاهد وقال ابن عباس السفن وهو أشبه بقوله وإن نشأ نغرقهم لأن الغرق في الماء.

( { فكهون} ) في قوله تعالى: { إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون} [يس: 55] بغير ألف بعد الفاء وبها قرأ أبو جعفر أي ( معجبون) بفتح الجيم وفي رواية غير أبي ذر فاكهون بالألف وهي قراءة الباقين وبينهما فرق بالمبالغة وعدمها.

( { جند محضرون} ) [يس: 75] أي ( عند الحساب) قال ابن كثير: يريد أن هذه الأصنام
محشورة مجموعة يوم القيامة محضرة عند حساب عابديها ليكون ذلك أبلغ في خزيهم وأدل في إقامة الحجة عليهم.

( ويذكر) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول ( عن عكرمة) مولى ابن عباس في قوله تعالى: { في الفلك ( المشحون} ) [يس: 41] هو ( الموقر) بضم الميم وسكون الواو وبعد القاف المفتوحة راء ( وقال ابن عباس) في قوله: ( { طائركم} ) أي ( مصائبكم) وعنه فيما وصله الطبري أعمالكم أي حظكم من الخير والشر.

( { ينسلون} ) [يس: 51] أي ( يخرجون) قاله ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم.

( { مرقدنا} ) أي ( مخرجنا) وقال ابن كثير: يعنون قبورهم التي كانوا في الدنيا يعتقدون أنهم لا يبعثون منها فلما عاينوا ما كذبوه في محشرهم { قالوا يا ويلنا مَن بعثنا من مرقدنا} [يس: 52] اهـ.

وقال ابن عباس وقتادة إنما يقولون هذا لأن الله يرفع عنهم العذاب بين النفختين فيرقدون فإذا بعثوا بعد النفخة الأخيرة وعاينوا القيامة دعوا بالويل.

( { أحصيناه} ) في قوله: { وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} [يس: 12] أي ( حفظناه) في اللوح المحفوظ.

( { مكانتهم} ومكانهم واحد) في المعنى ومراده قوله تعالى: { ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم} [يس: 67] والمعنى لو نشاء جعلناهم قردة وخنازير في منازلهم أو حجارة وهم قعود في منازلهم لا أرواح لهم وسقط لأبي ذر من قوله أن تدرك القمر إلى آخر قوله واحد.