فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله: {ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض، إلا من شاء الله، ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون}

باب قَوْلِهِ: { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}
( باب قوله) تعالى: ( { ونفخ في الصور} ) النفخة الأولى وقرأ الحسن بفتح الواو وجمع صورة وفيه رد على ابن عطية حيث قال إن الصور هنا يتعين أن يكون القرن ولا يجوز أن يكون جمع صورة ( { فصعق مَن في السماوات ومَن في الأرض} ) خرّ ميتًا أو مغشيًّا عليه ( { إلا مَن شاء الله} ) متصل والمستثنى قيل جبريل وميكائيل وإسرافيل فإنهم يموتون بعد وقيل حملة العرش وقيل رضوان والحور والزبانية وقال الحسن: الباري تعالى فالاستثناء منقطع وفيه نظر من حيث قوله: { مَن في السماوات ومَن في الأرض} فإنه لا يتحيز ( { ثم نفخ فيه أخرى} ) هي القائمة مقام الفاعل وهي في الأصل صفة لمصدر محذوف أي نفخة أخرى أو القائم مقامه الجار ( { فإذا هم قيام} ) قائمون من قبورهم حال كونهم ( { ينظرون} ) [الزمر: 68] البعث أو أمر الله فيهم واختلف في الصعقة فقيل إنها غير الموت لقوله تعالى في موسى: { وخرّ موسى صعقًا} [الأعراف: 143] وهو لم يمت فهذه النفخة تورث الفزع الشديد وحينئذٍ، فالمراد من نفخ الصعقة ونفخ الفزع واحد وهو المذكور في النمل في قوله تعالى: { ونفخ في الصور ففزع مَن في السماوات ومَن في الأرض} [النمل: 87] وعلى هذا فنفخ الصور مرتان فقط وقيل الصعقة الموت فالمراد بالفزع كيدودة الموت من الفزع وشدة الصوت فالنفخة ثلاث مرات نفخة الفزع المذكورة في النمل ونفخة الصعق ونفخة القيام وسقط باب لغير أبي ذر وله ثم نفخ فيه أخرى إلى آخره.


[ قــ :4553 ... غــ : 4813 ]
- حَدَّثَنِي الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنِّي أَوَّلُ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بَعْدَ النَّفْخَةِ الآخِرَةِ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى مُتَعَلِّقٌ بِالْعَرْشِ فَلاَ أَدْرِي، أَكَذَلِكَ كَانَ أَمْ بَعْدَ النَّفْخَةِ».

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا ( الحسن) غير منسوب وقد جزم أبو حاتم سهل بن السري الحافظ فيما نقله الكلاباذي بأنه الحسن بن شجاع البلخي الحافظ قال: ( حدّثنا إسماعيل بن خليل) الكوفي وهو من مشايخ المؤلّف قال: ( أخبرنا عبد الرحيم) بن سليمان الرازي سكن الكوفة ( عن زكريا بن أبي زائدة) بن ميمون الهمداني الأعمى الكوفي ( عن عامر) هو ابن شراحيل الشعبي ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( إني أوّل) ولأبي ذر من أوّل ( مَن يرفع رأسه بعد النفخة الآخرة) بمد الهمزة ( فإذا أنا بموسى) عليه السلام ( متعلق بالعرش فلا أدري أكذلك كان) أي أنه لم يمت عند النفخة الأولى واكتفى بصعقة الطور ( أم) أحيي ( بعد النفخة) الثانية قبلي وتعلق بالعرش كذا قرره الكرماني وقال الداودي فيما حكاه السفاقسي قوله أكذلك الخ وهم لأن موسى مقبور ومبعوث بعد النفخة فكيف يكون ذلك قبلها اهـ.

وأجيب: بأن في حديث أبي هريرة السابق في الأشخاص فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم فأكون أوّل مَن يفيق فإذا موسى باطش جانب العرش فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله أي فلم يصعق والمراد بالصعق غشي يلحق من سمع صوتًا أو رأى شيئًا ففزع منه وقد وقع التصريح في هذه الرواية بالإفاقة بعد النفخة الثانية.

وأما ما وقع في حديث أبي سعيد فإن الناس يصعقون فأكون أول مَن تنشقّ عنه الأرض فيمكن الجمع بأن النفخة الأولى يعقبها الصعق من جميع الخلق أحيائهم وأمواتهم وهو الفزع ما وقع في النمل ففزع مَن في السماوات ومَن في الأرض، ثم يعقب ذلك الفزع للموتى زيادة فيما هم فيه وللأحياء موتًا، ثم ينفخ الثانية للبعث فيفيقون أجمعون فمن كان مقبورًا انشقت عنه الأرض فخرج من قبره ومن ليس بمقبور لا يحتاج إلى ذلك، وقد ثبت أن موسى ممن قبر في الحياة الدنيا كما في مسلم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "مررت على موسى ليلة أُسرِيَ بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلّي في قبره".
أخرجه عقب حديث أبي هريرة وأبي سعيد.

وقد استشكل كون جميع الخلق يصعقون مع أن الموتى لا إحساس لهم فقيل: المراد أن الذين يصعقون هم الأحياء، وأما الموتى فهم في الاستثناء في قوله: إلا مَن شاء الله أي إلا مَن سبق له الموت قبل ذلك فإنه لا يصعق وإلى هذا جنح القرطبي، ولا يعارضه ما ورد في الحديث أن موسى ممن استثنى الله لأن الأنبياء أحياء عند الله وإن كانوا في صورة الأموات بالنسبة إلى أهل الدنيا.

وقال عياض: يحتمل أن يكون المراد صعقة فزع بعد البعث حين تنشق السماء والأرض وتعقبه القرطبي بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صرح بأنه حين يخرج من قبره يلقى موسى وهو متعلق بالعرش، وهذا إنما هو عند نفخة البعث اهـ.

ويرده قوله صريحًا كما تقدم أن الناس يصعقون فأصعق معهم الخ قاله في الفتح.




[ قــ :4554 ... غــ : 4814 ]
- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي.
حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ»، قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ أَبَيْتُ قَالَ: أَرْبَعُونَ شَهْرًا: قَالَ أَبَيْتُ، وَيَبْلَى كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الإِنْسَانِ إِلاَّ عَجْبَ ذَنَبِهِ فِيهِ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ.
[الحيث 4814 - طرفه في: 4935] .

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عمر بن حفص) بضم العين قال: (حدّثنا)
ولأبي ذر قال: قال (أبي) حفص بن غياث بن طلق النخعي الكوفي قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: سمعت أبا صالح) ذكوان السمان (قال سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(بين النفختين) ولأبي ذر عن الكشميهني ما بين النفختين أي نفخة الإماتة ونفخة البعث (أربعون، قالوا) أي أصحاب أبي هريرة ولم يعرف الحافظ ابن حجر اسم أحد منهم (يا أبا هريرة أربعون يومًا؟ قال) أبو هريرة (أبيت) بموحدة أي امتنعت عن تعيين ذلك (قال) أي السائل (أربعون سنة؟ قال) أبو هريرة: (أبيت.
قال) السائل: (أربعون شهرًا؟ قال) أبو هريرة (أبيت) أي امتنعت عن تعيين ذلك لأني لا أدري الأربعين الفاصلة بين النفختين أيام أم سنون أم شهور، وعند ابن مردويه من طريق زيد بن أسلم عن أبي هريرة قال بين النفختين أربعون قالوا أربعون ماذا؟ قال: هكذا سمعت وعنده أيضًا من وجه ضعيف عن ابن عباس قال بين النفختين أربعون سنة، وعند ابن المبارك عن الحسن مرفوعًا بين النفختين أربعون سنة يميت الله تعالى بها كل حيّ والأخرى يحيي الله تعالى بها كل ميت، وقال الحليمي: اتفقت الروايات على أن بين النفختين أربعين سنة، وفي جامع ابن وهب أربعين جمعة وسنده منقطع.

(ويبلى) بفتح أوّله أي يفنى (كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه) بفتح العين المهملة وسكون الجيم بعدها موحدة ويقال عجم بالميم أيضًا وهو عظيم لطيف في أصل الصلب وهو رأس العصعص بين الأليتين وعند أبي داود والحاكم وابن أبي الدنيا من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا أنه مثل حبة الخردل ولمسلم من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب (فيه يركب الخلق).

ولمسلم أيضًا من طريق همام عن أبي هريرة أن في الإنسان عظمًا لا تأكله الأرض أبدًا فيه يركب يوم القيامة.
قال: أي عظم؟ قال: عجب الذنب وهو يرد على المزني حيث قال: إن إلاّ هنا بمعنى الواو أي وعجب الذنب أيضًا يبلى.

وقوله: يبلى كل شيء من الإنسان عامّ يخصّ منه الأنبياء لأن الأرض لا تأكل أجسادهم، وقد ألحق ابن عبد البر بهم الشهداء والقرطبي المؤذن المحتسب.
[40] سورة الْمُؤْمِنُ
قَالَ مُجَاهِدٌ: حم مَجَازُهَا مَجَازُ أَوَائِلِ السُّوَرِ، وَيُقَالُ: بَلْ هُوَ اسْمٌ لِقَوْلِ شُرَيْحِ بْنِ أَبِي أَوْفَى الْعَبْسِيِّ:
يُذَكِّرُنِى حَامِيمَ وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ ... فَهَلاَّ تَلاَ حَامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ
{ الطَّوْلُ} : التَّفَضُّلُ.
{ دَاخِرِينَ} : خَاضِعِينَ.
.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ: { إِلَى النَّجَاةِ} : الإِيمَانِ.

لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ: يَعْنِي الْوَثَنَ.
{ يُسْجَرُونَ} : تُوقَدُ بِهِمِ النَّارُ.
{ تَمْرَحُونَ} : تَبْطَرُونَ.
وَكَانَ الْعَلاَءُ بْنُ زِيَادٍ يُذَكِّرُ النَّارَ، فَقَالَ رَجُلٌ: لِمَ تُقَنِّطُ النَّاسَ؟ قَالَ: وَأَنَا أَقْدِرُ أَنْ أُقَنِّطَ النَّاسَ؟ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53] وَيَقُولُ: { وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر: 43] وَلَكِنَّكُمْ تُحِبُّونَ أَنْ تُبَشَّرُوا بِالْجَنَّةِ عَلَى مَسَاوِئِ أَعْمَالِكُمْ.
وَإِنَّمَا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُبَشِّرًا بِالْجَنَّةِ لِمَنْ أَطَاعَهُ، وَمُنْذِرًا بِالنَّارِ مَنْ عَصَاهُ.


([40] سورة المؤمن)
مكية وآيها خمس أو ثمان وثمانون.

(قال مجاهد: حم مجازها) أي حم ولأبي ذر والأصيلي سورة المؤمن ولغيرهما حم ولأبي ذر بسم الله الرحمن الرحيم قال البخاري ويقال حم مجازها (مجاز أوائل السور) أي حكمها حكم الأحرف المقطعة في أوائل السور، فكل ما يقال في الم وص يقال في حم.
وقد اختلف في هذه الحروف المقطعة التي في أوائل السور على أكثر من ثلاثين قولًا.
فقيل هي علم مستور وسر محجوب استأثر الله بعلمه، وقال الصديق لله في كل كتاب سر وسره في القرآن أوائل السور، وعن عليّ لكل كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف التهجّي، وذهب آخرون إلى أن المراد منها معلوم فيقال مما رُوِيَ عن ابن عباس في الم الألف إشارة إلى الأحدية واللام إلى لطفه والميم إلى ملكه، ويقال بعضها يدل على أسماء الذات وبعضها على أسماء الصفات، ويقال في "الم" أنا الله أعلم، وفي "المص" أنا الله أفصل وفي "الر" أنا الله أرى.

(ويقال) ولأبي ذر فيقال في حم (بل هو اسم) أي من أسماء القرآن أو اسم للسورة كغيرها من الفواتح واختاره كثير من المحققين (لقول شريح بن أبي أوفى) بإثبات أبي في الفرع كغيره ونسبها في الفتح لرواية القابسي وقال إن ذلك خطأ والصواب إسقاطها فيصير شريح بن أبي أوفى (للعبسي) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة بعدها مهملة، وكان مع علي بن أبي طالب يوم الجمل.
وكان على محمد بن طلحة بن عبيد الله عمامة سوداء فقال علي: لا تقتلوا صاحب العمامة السوداء فإنما أخرجه برّه لأبيه فلقيه شريح بن أبي أوفى فأهوى له بالرمح فتلا حم.
فقتله فقال شريح:
(يذكرني حاميم والرمح شاجر) بالشين المعجمة والجيم والجملة حالية والمعنى والرمح مشتبك مختلط (فهلا) حرف تحضيض (تلا) قرأ (حاميم قبل التقدم) أي إلى الحرب.
وقال الكرماني: وجه الاستدلال به هو أنه أعربه ولو لم يكن اسمًا لما دخل عليه الإعراب اهـ.

وبذلك قرأ عيسى بن عمر وهي تحتمل وجهين أنها منصوبة بفعل مقدّر أي اقرأ حم ومنعت من الصرف للعلمية والتأنيث أو العلمية وشبه المعجمة لأنه ليس في الأوزان العربية وزن فاعيل بخلاف الأعجمية نحو قابيل وهابيل أو أنها حركة بناء تخفيفًا كأين وكيف قيل كان مراد محمد بن
طلحة بقوله أذكرك حم قوله تعالى في حم عسق { قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودّة في القربى} [الشورى: 3] كأنه يذكره بقرابته ليكون ذلك دافعًا له عن قتله.

({ الطول} ) في قوله تعالى: { شديد العقاب ذي الطول} [غافر: 3] هو (التفضل).
وقال قتادة النعم وأصله الإنعام الذي تطول مدته على صاحبه.

({ داخرين} ) في قوله تعالى: { سيدخلون جهنم داخرين} [غافر: 60] قال أبو عبيدة أي (خاضعين) وقال السدي: صاغرين ذليلين.

(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح ({ إلى النجاة} ) في قوله تعالى: { ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة} [غافر: 41] هي (الإيمان) المنجي من النار (ليس له دعوة يعني الوثن) الذي تعبدونه من دون الله تعالى ليست له استجابة دعوة أو ليست له عبادة في الدنيا لأن الوثن لا يدّعي ربوبية ولا يدعو إلى عبادته وفي الآخرة يتبرأ من عابديه ({ يسجرون} ) في قوله: { ثم في النار يسجرون} [غافر: 7] أي (توقد بهم النار) قاله مجاهد فيما وصله الفريابي وهو كقوله تعالى: { وقودها الناس والحجارة} [البقرة: 4] .

({ تمرحون} ) في قوله تعالى: { ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون} [غافر: 75] أي (تبطرون) وفي قوله: تفرحون وتمرحون التجنيس المحرّف وهو أن يقع الفرق بين اللفظين بحرف.

(وكان العلاء بن زياد) العدوي البصري التابعي الزاهد وليس له في البخاري إلا هذا (يذكر) بفتح أوله وتخفيف الكاف ولأبي ذر يذكر بضم أوله وتشديد الكاف مصحّحًا عليها في الفرع كأصله ولم يذكر الحافظ ابن حجر غيرها.
وقال في انتقاض الاعتراض: إنها الرواية، واعترض العيني ابن حجر في التشديد وصحّح التخفيف أي يخوف الناس (النار)، فهو على حذف أحد المفعولين (فقال) له (رجل) لم يعرف الحافظ ابن حجر اسمه مستفهمًا (لم تقنط الناس) أي من رحمة الله (قال) ولأبي ذر فقال: (وأنا أقدر أن أقنط الناس والله عز وجل يقول: ({ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} ) [الزمر: 53] ويقول: ({ وأن المسرفين} ) في الضلالة والطغيان كالإشراك وسفك الدماء ({ هم أصحاب النار} ) [غافر: 43] أي مُلازموها (ولكنكم) وللأصيلي ولكن (تحبون أن تبشروا بالجنة) بفتح الموحدة والمعجمة مبنيًّا للمفعول (على مساوي أعمالكم، وإنما بعث الله محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مبشرًا بالجنة لمن أطاعه ومنذرًا) بضم الميم وكسر المعجمة وللأصيلي وينذر بلفظ المضارع (بالنار من) ولأبي ذر عن المستملي: لمن (عصاه).




[ قــ :4555 ... غــ : 4815 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ:.

قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

     وَقَالَ : { أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر: 8] .

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا الوليد بن مسلم) الدمشقي قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن (قال: حدّثني) بالإفراد (يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة صالح اليمامي الطائي ولأبي ذر والأصيلي عن يحيى بن أبي كثير قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن إبراهيم التيمي) نسبة إلى تيم قريش المدني قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (عروة بن الزبير) بن العوّام أنه (قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص أخبرني بأشد ما صنع المشركون) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: ما صنعه المشركون (برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: بينا) بغير ميم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلي بفناء الكعبة) بكسر الفاء (إذ أقبل عقبة بن أبي معيط) الأموي المقتول كافرًا بعد انصرافه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بدر بيوم (فأخذ بمنكب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الميم وكسر القاف (ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقًا) ولأبي ذر: فخنقه به خنقًا والنون من خنقًا ساكنة في الروايتين في اليونينية وفرعها ومكسورة في بعضها (شديدًا، فأقبل أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (فأخذ بمنكبه ودفع) عقبة (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال) وللأصيلي ثم قال أي مستفهمًا استفهامًا إنكاريًا ({ أتقتلون رجلًا} ) كراهية ({ أن يقول ربي الله} ) أو لأن يقول ({ وقد جاءكم بالبينات من ربكم} ) [غافر: 8] جملة حالية.

قال جعفر بن محمد: كان أبو بكر خيرًا من مؤمن آل فرعون لأنه كان يكتم إيمانه.
وقال أبو بكر جهارًا: أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله، وقال غيره: إن أبا بكر أفضل من مؤمن آل فرعون لأن ذلك اقتصر حيث انتصر على اللسان، وأما أبو بكر -رضي الله عنه- فاتبع اللسان يدًا ونصر بالقول والفعل محمدًا.

وهذا الحديث ذكره المؤلّف في مناقب أبي بكر، وفي باب ما لقي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه من المشركين بمكة.


[41] سورة حم السَّجْدَةِ
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).

     وَقَالَ  طَاوُسٌ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ { ائْتِيَا طَوْعًا} : أَعْطِيَا.
{ قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} : أَعْطَيْنَا.
.

     وَقَالَ  الْمِنْهَالُ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسٍ إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ، قَالَ: { فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ} :.
{ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} ، { وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا رَبَّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذِهِ الآيَةِ.

     وَقَالَ : { أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} إِلَى قَوْلِهِ: { دَحَاهَا} فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: { أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} -إِلَى- { طَائِعِينَ} فَذَكَرَ فِي هَذِهِ خَلْقَ الأَرْضِ قَبْلَ
السَّمَاءِ.

     وَقَالَ  تَعَالَى: { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} { عَزِيزًا حَكِيمًا} { سَمِيعًا بَصِيرًا} فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى، فَقَالَ: { فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} فِي النَّفْخَةِ الأُولَى، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ.
ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الآخِرَةِ { أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} .
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ : { مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} { وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ} فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لأَهْلِ الإِخْلاَصِ ذُنُوبَهُمْ.
.

     وَقَالَ  الْمُشْرِكُونَ: تَعَالَوْا نَقُولُ لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ، فَخَتَمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّ اللَّهَ لاَ يُكْتَمُ حَدِيثًا، وَعِنْدَهُ { يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآيَةَ وَخَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ثُمَّ دَحَا الأَرْضَ، وَدَحْوُهَا أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى وَخَلَقَ الْجِبَالَ وَالْجِمَالَ وَالآكَامَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ فَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ : { دَحَاهَا} وَقَولُهُ: { خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} فَجُعِلَتِ الأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَخُلِقَتِ السَّمَوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} سَمَّى نَفْسَهُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ : أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلاَّ أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ فَلاَ يَخْتَلِفْ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ فَإِنَّ كُلاًّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.


([41] سورة حم السجدة)
مكية وآيها خمسون وثنتان أو ثلاث أو أربع ولأبي ذر: سورة حم السجدة (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر (وقال طاوس) فيما وصله الطبري وابن أبي حاتم بإسناد على شرط المؤلّف (عن ابن عباس { ائتيا طوعًا} ) زاد أبو ذر والأصيلي { أو كرهًا} أي (أعطيا) بكسر الطاء ({ قالتا أتينا طائعين} ) [فصلت: 11] أي (أعطينا) استشكل هذا التفسير لأن ائتيا وأتينا بالقصر من المجيء فكيف يفسر بالإعطاء وإنما يفسر به نحو قولك آتيت زيدًا مالًا بمد همزة القطع وهمزة ائتيا همزة وصل.

وأجيب: بأن ابن عباس ومجاهدًا وابن جبير قرؤوا آتيا قالتا آتينا بالمد فيهما وفيه وجهان.
أحدهما: أنه من المؤاتاة وهي الموافقة أي لتوافق كلٍّ منهما الأخرى لما يليق بها وإليه ذهب الرازي والزمخشري فوزن آتيا فاعلًا كقاتلا وآتينا فاعلنا كقاتلنا، والثاني: أنه من الإيتاء بمعنى الإعطاء فوزن آتيا افعلا كأكرما ووزن آتينا أفعلنا ككرمنا، فعلى الأوّل يكون قد حذف مفعولًا، وعلى الثاني مفعولين إذ التقدير أعطيا الطاعة من أنفسكما من أمركما: قالتا أتينا الطاعة وفي مجيء طائعين مجيء جمع المذكرين العقلاء وجهان.
أحدهما: أن المراد بآتينا من فيهما من العقلاء وغيرهم فلذا غلب العقلاء على غيرهم.
الثاني: أنه لما عاملهما معاملة العقلاء في الإخبار عنهما والأمر لهما جمعهما كجمعهم كقوله رأيتهم لي ساجدين وهل هذه المحاورة حقيقة أو مجاز وإذا كانت مجازًا فهل هو تمثيل أو تخييل خلاف.

(وقال المنهال): بكسر الميم وسكون النون ابن عمرو الأسدي مولاهم الكوفي وثّقه ابن معين
والنسائي وغيرهما (عن سعيد) وللأصيلي عن سعيد بن جبير أنه (قال: قال رجل) هو نافع بن الأزرق الذي صار بعد ذلك رأس الأزارقة من الخوارج (لابن عباس) -رضي الله عنهما- وكان يجالسه بمكة ويسأله ويعارضه (إني أجد في القرآن أشياء مختلف عليّ) لما بين ظواهرها من التدافع زاد عبد الرزاق فقال ابن عباس: ما هو أشك في القرآن؟ قال: ليس بشك ولكنه اختلاف، فقال: هات ما اختلف عليك من ذلك (قال: { فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون} ) [المؤمنون: 101] وقال: ({ وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} ) [الصافات: 7] فإن بين قوله ولا يتساءلون وبين يتساءلون تدافعًا نفيًا وإثباتًا.
وقال تعالى ({ ولا يكتمون الله حديثًا} ) [النساء: 4] وقوله: ({ ربنا} ) ولأبي ذر والله ربنا ({ ما كنا مشركين} ) [الأنعام: 3] (فقد كتموا في هذه الآية) كونهم مشركين وعلم من الأولى أنهم لا يكتمون الله حديثًا (وقال: { أم السماء بناها} إلى قوله) تعالى: ({ دحاها} ) [النازعات: 7] (فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض) في هذه الآية (ثم قال) في سورة السجدة: ({ أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين) -إلى- ({ طائعين} ) [فصلت: 9 - 11] وللأصيلي وابن عساكر إلى قوله طائعين (فذكر في هذه) الآية (خلق الأرض قبل السماء) وللأصيلي قبل خلق السماء والتدافع ظاهر (وقال تعالى: { وكان الله غفورًا رحيمًا} ) وقال كان الله ({ عريزًا حكيمًا} ) وكان الله ({ سميعًا بصيرًا} فكأنه كان) موصوفًا بهذه الصفات (ثم مضى) أي تغير عن ذلك (فقال) أي ابن عباس مجيبًا عن ذلك، أما قوله تعالى: ({ فلا أنساب بينهم} ) أي (في النفخة الأولى ثم ينفخ في الصور فصعق مَن في السماوات ومَن في الأرض إلا مَن شاء الله فلا أنساب بينهم عند ذلك) تنفعهم لزوال التعاطف والتراحم من فرط الحيرة واستيلاء الدهشة بحيث يفرّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه قال:
لا نسب اليوم ولا خلة ... اتسع الخرق على الراقع
وليس المراد قطع النسب (ولا يتساءلون) لاشتغال كلٌّ بنفسه (ثم في النفخة الآخرة { أقبل بعضهم على بعض يتساءلون} ) فلا تناقض والحاصل أن للقيامة أحوالًا ومواطن ففي موطن يشتد عليهم الخوف فيشغلهم عن التساؤل وفي موطن يفيقون فيتساءلون (وأما قوله) تعالى: ({ ما كنا مشركين} ) وقوله تعالى: ({ ولا يكتمون الله} ) زاد أبو ذر والأصيلي وابن عساكر حديثًا (فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم، وقال المشركون) ولأبي ذر فقال المشركون بالفاء بدل الواو (تعالوا نقول لم نكن مشركين فختم) بضم الخاء المعجمة مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر فختم بفتحات مبنيًّا للفاعل (على أفواههم فتنطق أيديهم فعند ذلك) أي عند نطق أيديهم (عرف) بضم العين وكسر الراء وللأصيلي عرفوا بفتحهما والجمع (إن الله لا يكتم حديثًا) بضم أوّله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول (وعنده { يودّ الذين كفروا} [الحجر: ] الآية) إلى ولا يكتمون الله حديثًا والحاصل أنهم يكتمون بألسنتهم فتنطق أيديهم وجوارحهم (وخلق الأرض في) مقدار (يومين) أي غير مدحوّة (ثم خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسوّاهن في يومين آخرين ثم دحا الأرض) بعد ذلك في يومين
(ودحوها) وللأصيلي وابن عساكر ودحيها بالمثناة التحتية بدل الواو ولأبي ذر ودحاها أي (أن أخرج) أي بأن أخرج (منها الماء والمرعى وخلق الجبال والجمال) بكسر الجيم الإبل (والآكام) بفتح الهمزة جمع أكمة بفتحتين ما ارتفع من الأرض كالتل والرابية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي والأكوام جمع كوم (وما بينهما في يومين آخرين فذلك قوله) تعالى: ({ دحاها} و) أما (قوله: { خلق الأرض في يومين} فجعلت الأرض) ولأبي ذر عن الكشميهني: فخلقت الأرض (وما فيها من شيء في أربعة أيام وخلقت السماوات في يومين) والحاصل أن خلق نفس الأرض قبل خلق السماء ودحوها بعده ({ وكان الله غفورًا} ) وزاد أبو ذر والأصيلي: رحيمًا (سمى نفسه) أي ذاته (ذلك) وهذه تسمية مضت وللأصيلي بذلك (و) أما (ذلك) أي (قوله) ما قال من الغفرانية والرحيمية (أي لم يزل كذلك) لا ينقطع (فإن الله لم يرد) أن يرحم (شيئًا) أو يغفر له (إلا أصاب به الذي أراد) قطعًا (فلا يختلف) بالجزم على النهي (عليك القرآن فإن كلاًّ من عند الله).
وعند ابن أبي حاتم فقال له ابن عباس: هل بقي في قلبك شيء أنه ليس من القرآن شيء إلا نزل فيه شيء ولكن لا تعلمون وجهه.

حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنِ الْمِنْهَالِ بِهَذَا.
.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ: { مَمْنُونٍ} : مَحْسُوبٍ.
{ أَقْوَاتَهَا} : أَرْزَاقَهَا.
فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا: مِمَّا أَمَرَ بِهِ.
{ نَحِسَاتٍ} : مَشَاييمَ.
{ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ} : قَرَنَّاهُمْ بِهِمْ.
{ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ} : عِنْدَ الْمَوْتِ.
{ اهْتَزَّتْ} : بِالنَّبَاتِ، وَرَبَتْ: ارْتَفَعَتْ،.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ مِنْ أَكْمَامِهَا حِينَ تَطْلُعُ.
{ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} : بِعَمَلِي، أي أَنَا مَحْقُوقٌ بِهَذَا.
سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ: قَدَّرَهَا سَوَاءً.
{ فَهَدَيْنَاهُمْ} : دَلَلْنَاهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَقَوْلِهِ: { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} : وَكَقَوْلِهِ: { هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} .
وَالْهُدَى الَّذِي هُوَ الإِرْشَادُ بِمَنْزِلَةِ أَسْعَدْنَاهُ، مِنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ : { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} .
{ يُوزَعُونَ} : يُكَفَّوْنَ.
{ مِنْ أَكْمَامِهَا} : قِشْرُ الْكُفُرَّى، هِيَ الْكُمُّ.
{ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} : الْقَرِيبُ.
{ مِنْ مَحِيصٍ} : حَاصَ عنه حَادَ.
{ مِرْيَةٍ} وَ { مُرْيَةٍ} وَاحِدٌ أَيِ امْتِرَاءٌ.
.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ.
{ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} : الْوَعِيدُ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: { الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} : الصَّبْرُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَالْعَفْوُ عِنْدَ الإِسَاءَةِ فَإِذَا فَعَلُوهُ عَصَمَهُمُ اللَّهُ وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ { كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} .

وهذا التعليق وصله المؤلّف حيث قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي الوقت: قال أبو عبد الله أي البخاري حدّثنيه أي الحديث السابق (يوسف بن عدي) بفتح العين وكسر الدال المهملتين وتشديد التحتية ابن زريق التيمي الكوفي نزيل مصر وليس له في هذا الجامع إلا هذا قال: (حدّثنا عبيد الله بن عمرو) بضم العين في الأول مصغرًا وفتحها في الثاني الرقي بالراء والقاف (عن زيد بن أبي أنيسة) بضم الهمزة مصغرًا الحريري (عن المنهال) بن عمرو الأسدي المذكور (بهذا)
الحديث السابق، قيل: وإنما غير البخاري سياق الإسناد عن ترتيبه المعهود إشارة إلى أنه ليس على شرطه وإن صارت صورته صورة الموصول، وهذا ثابت لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر في نسخة.

(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({ ممنون} ) ولأبي ذر والأصيلي { لهم أجر غير ممنون} [فصلت: 8] أي غير (محسوب) وقال ابن عباس غير مقطوع وقيل غير ممنون به عليهم.

({ أقواتها} ) في قوله تعالى: { وقدّر فيها أقواتها} [فصّلت: 10] قال مجاهد: (أرزاقها) أي من المطر فعلى هذا فالأقوات للأرض لا للسكان أي قدّر لكل أرض حظها من المطر وقيل أقواتًا تنشأ منها بأن خصّ حدوث كل قوت بقطر من أقطارها وقيل أرزاق أهلها وقال محمد بن كعب قدر أقوات الأبدان قبل أن يخلق الأبدان.

(في كل سماء أمرها) قال مجاهد (مما أمر به) بفتح الهمزة والميم ولأبي ذر أمر بضم الهمزة وكسر الميم، وعن ابن عباس فيما رواه عنه عطاء خلق في كل سماء خلقها من الملائكة وما فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلمه إلا الله قال السدي فيما حكاه عنه في اللباب، ولله في كل سماء بيت يحج إليه وتطوف به الملائكة كل واحد منها مقابل الكعبة بحيث لو وقعت منه حصاة لوقعت على الكعبة.

({ نحسات} ) بكسر الحاء في قراءة ابن عامر والكوفيين في قوله تعالى: { فأرسلنا عليهم ريحًا صرصرًا في أيام نحسات} [فصلت: 16] قال مجاهد أي (مشاييم) بفتح الميم والشين المعجمة وبعد الألف تحتيتان الأولى مكسورة والثانية ساكنة جمع مشومة أي من الشوم ونحسات نعت لأيام والجمع بالألف والتاء مطرد في صفة ما لا يعقل كأيام معدودات قيل كانت الأيام النحسات آخر شوّال من الأربعاء إلى الأربعاء وما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء.

({ وقيضنا لهم قرناء} ) [فصلت: 5] أي (قرناهم بهم) بفتح القاف والراء والنون المشددة وسقط هذا التفسير لغير الأصيلي والصواب إثبات إذ ليس للتالي تعلق به وقال الزجّاج سببنا لهم قيل قدرنا للكفرة قرناء أي نظراء من الشياطين يستولون عليهم استيلاء القيض على البيض وهو القشر حتى أضلّوهم وفيه دليل على أن الله تعالى يريد الكفر من الكافر.

({ تنزل عليهم الملائكة} ) [فصلت: 30] أي (عند الموت) وقال قتادة إذ قاموا من قبورهم وقال وكيع بن الجراح البشري تكون في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث.

({ اهتزت} ) في قوله: { فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت} [فصلت: 39] أي (بالنبات وربت) أي (ارتفعت) لأن النبت إذا قرب أن يظهر تحركت له الأرض وانتفخت ثم تصدعت عن النبات (وقال غيره) أي غير مجاهد في معنى وربت أي ارتفعت (من أكمامها) بفتح الهمزة جمع كم بالكسر (حين تطلع) بسكون الطاء وضم اللام.

({ ليقولن هذا لي} ) [فصلت: 50] أي (بعملي) بتقديم الميم على اللام أي (أنا محقوق بهذا)
أي مستحق لي بعلمي وعملي، وما علم الأبله أن أحدًا لا يستحق على الله شيئًا لأنه كان عاريًا من الفضائل فكلامه ظاهر الفساد وإن كان موصوفًا بشيء من الفضائل فهي إنما حصلت له بفضل الله وإحسانه واللام في ليقولن جواب القسم لسبقه الشرط وجواب الشرط محذوف وقال أبو البقاء ليقولن جواب الشرط والفاء محذوفة قال في الدرّ وهذا لا يجوز إلا في شعر كقوله:
مَن يفعل الحسنات الله يشكرها
حتى أن المبرّد يمنعه في الشعر ويروي البيت.

مَن يفعل الخير فالرحمن يشكره
(سواء للسائلين) ولأبي ذر والأصيلي وقال غيره أي غير مجاهد سواء للسائلين أي (قدرها سواء) وسواء نصب على المصدر أي استوت استواء.
وقال السدي وقتادة: المعنى سواء لمن سأل عن الأمر واستفهم عن حقيقة وقوعه وأراد العبرة فيه فإنه يجده.

({ فهديناهم} ) في قوله: { وأما ثمود فهديناهم} [فصلت: 17] أي (دللناهم) دلالة مطلقة (على الخير والشر) على طريقهما (كقوله) تعالى في سورة البلد ({ وهديناه النجدين} ) أي طريق الخير والشر (وكقوله) تعالى في سورة الإنسان ({ هديناه النجدين} ) [الإنسان: 3] (و) أما (الهدى الذي هو الإرشاد) إلى البغية (بمنزلة) أي بمعنى (أصعدناه) بالصاد في الفرع كغيره ولأبوي ذر والوقت أسعدناه بالسين بدل الصاد قال السهيلي فيما نقله عنه الزركشي والبرماوي وابن حجر وغيرهم بالصاد أقرب إلى تفسير أرشدناه من أسعدناه بالسين لأنه إذا كان بالسين كان من السعد والسعادة ضد الشقاوة وأرشدت الرجل إلى الطريق وهديته السبيل بعيد من هذا التفسير، فإذا قلت أصعدناهم بالصاد خرج اللفظ إلى معنى الصعدات في قوله: إياكم والقعود على الصعدات وهي الطرق وكذلك أصعد في الأرض إذا سار فيها على قصد فإن كان البخاري قصد هذا وكتبها في نسخته بالصاد التفاتًا إلى حديث الصعدات فليس بمنكر.
اهـ.

قال الشيخ بدر الدين الدماميني: لا أدري ما الذي أبعد هذا التفسير مع قرب ظهوره فإن الهداية إلى السبيل والإرشاد إلى الطريق إسعاد لذلك الشخص المهدي إذ سلوكه في الطريق مُفْضٍ إلى السعادة ومجانبته لها مما يؤدي إلى ضلاله وهلاكه.
وأما قوله فإذا قلت: أصعدناه بالصاد الخ ففيه تكلّف لا داعي له وما في النسخ صحيح بدونه.
اهـ.

(من ذلك) ولأبي ذر ومن ذلك أي من الهداية التي بمعنى الدلالة الموصلة إلى البغية التي عبّر عنها المؤلّف الإرشاد والإسعاد (قوله) تعالى بالأنعام: ({ أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} ) [الأنعام: 90] ونحوه مما هو كثير في القرآن.

({ يوزعون} ) في قوله تعالى: { ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون} [فصلت: 19] أي (يكفون) بفتح الكاف بعد الضم أي يوقف سوابقهم حتى يصل إليهم تواليهم
وهو معنى قول السدّي يحبس أوّلهم على آخرهم ليتلاحقوا.

({ من أكمامها} ) في قوله تعالى: { إليه يردّ علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها} [فصلت: 47] هو (قشر الكفرّى) بضم الكاف وضم الفاء وفتحها وتشديد الراء وعاء الطلع قال ابن عباس قبل أن ينشق (هي الكم) بضم الكاف.
وقال الراغب: الكم ما يغطي اليد من القميص وما يغطي الثمرة وجمعه أكمام وهذا يدل على أنه مضموم الكاف إذ جعله مشتركًا بين كم القميص وبين كم الثمرة ولا خلاف في كم القميص أنه بالضم وضبط الزمخشري كم الثمرة بكسر الكاف فيجوز أن يكون فيه لغتان دون كم القميص جمعًا بين القولين (وقال غيره: ويقال للعنب إذا خرج أيضًا كافور وكفرى) قاله الأصمعي وهذا ساقط لغير المستملي ووعاء كل شيء كافوره ({ ولي حميم} ) أي الصديق (القريب) وللأصيلي قريب.

({ من محيص} ) في قوله تعالى: { وظنوا ما لهم من محيص} [فصلت: 48] يقال (حاص عنه حاد) والأصيلي أي حاد وزاد أبو ذر عنه والمعنى أنهم أيقنوا أن لا مهرب لهم من النار.

({ مرية} ) بكسر الميم في قوله تعالى: (ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم}
[فصلت: 54] ({ ومرية} ) بضمها في قراءة الحسن لغتان كخفية وخفية ومعناهما (واحد أي امتراء) أي في شك من البعث والقيامة.
(وقال مجاهد) فيما وصله عبد بن حميد ({ اعملوا ما شئتم} ) معناه (الوعيد) وللأصيلي هي وعيد.

(وقال ابن عباس) فيما وصله الطبري ({ بالتي} ) ولأبي ذر ({ ادفع بالتي هي أحسن} ) [فصلت: 34] الصبر عند الغضب والعفو (عند الإساءة فإذا فعلوه) أي الصبر والعفو (عصمهم الله وخضع لهم عدوّهم) وصار بينه وبينهم عداوة ({ كأنه ولي حميم} ) أي كالصديق القريب وسقط لأبي ذر كأنه وليٌّ حميم ولغيره ادفع من قوله ادفع بالتي.