فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {يغشى الناس هذا عذاب أليم} [الدخان: 11]

باب { يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}
هذا ( باب) بالتنوين أي في قوله: ( { يغشى الناس} ) أي يحيط بهم الدخان ( { هذا عذاب أليم} ) [الدخان: 11] في محل نصب بالقول وذلك القول حال أي قائلين ذلك وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.


[ قــ :4561 ... غــ : 4821 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّمَا كَانَ هَذَا لأَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 10 - 11] قَالَ: فَأُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ فَإِنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ قَالَ: «لِمُضَرَ؟ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ»، فَاسْتَسْقَى، فَسُقُوا، فَنَزَلَتْ { إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 15] فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إِلَى حَالِهِمْ حِينَ أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان: 16] قَالَ: يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ.

وبه قال: ( حدّثنا يحيى) بن موسى البلخي قال: ( حدّثنا أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين ( عن الأعمش) سليمان بن مهران ( عن مسلم) أبي الضحى بن صبيح ( عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه ( قال: قال عبد الله) هو ابن مسعود ( إنما كان هذا) القحط والجهد اللذان أصابا قريشًا حتى رأوا بينهم وبين السماء كالدخان من شدة الجوع ( لأن قريشًا لما استعصوا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي حين أظهروا العصيان ولم يتركوا الشرك ( دعا عليهم بسنين) قحط ( كسني يوسف) الصديق عليه السلام المذكورة في سورته ( فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام) زاد في الرواية الآتية إن شاء الله تعالى والميتة ( فجعل الرجل) منهم ( ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد) من ضعف بصره أو لأن الهواء يظلم عام القحط لقلة الأمطار وكثرة الغبار ( فأنزل الله تعالى) ولأبي ذر عز وجل ( { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم} قال) أي ابن مسعود ( فأُتي) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقيل يا
رسول الله)
والآتي هو أبو سفيان كما عند المؤلّف لكن في المعرفة لابن منده في ترجمة كعب بن مرة قال: دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على مضر فأتيته فقلت: يا رسول الله قد نصرك الله وأعطاك واستجاب لك وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم فهذا أولى أن يفسر به القائل بقوله يا رسول الله بخلاف أبي سفيان، فإنه وإن كان جاء أيضًا مستشفعًا لكنه لم يكن أسلم حينئذٍ ولأبي ذر فقيل يا رسول الله ( استسق الله لمضر فإنها قد هلكت) من القحط والجهد قال في الفتح إنما قال لمضر لأن غالبهم كان بالقرب من مياه الحجاز وكان الدعاء بالقحط على قريش وهم سكان مكة فسرى القحط إلى مَن حولهم.

( قال) عليه الصلاة والسلام مجيبًا لأبي سفيان أو لكعب بن مرة: أتأمرني أن أستسقي المضر) ؟ مع ما هم عليه من معصية الله والإشراك به ( إنك لجريء) أي ذو جراءة حيث تشرك بالله وتطلب رحمته ( فاستسقى) عليه الصلاة والسلام وزاد أبو ذر لهم ( فسقوا) بضم السين والقاف ( فنزلت { إنكم عائدون} ) [الدخان: 15] أي إلى الكفر غب الكشف وكانوا قد وعدوا بالإيمان إن كشف عنهم العذاب ( فلما أصابتهم الرفاهية) بتخفيف التحتية بعد الهاء المكسورة والذي في اليونينية أصابتهم بفوقية بعد الموحدة بعد التوسع والراحة ( عادوا إلى حالهم) من الشرك ( حين أصابتهم الرفاهية فأنزل الله عز وجل ( { يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} ) [الدخان: 16] ( قال: يعني يوم بدر) ظرف ليوم.