فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما} [الفتح: 2]

باب قَوْلِهِ: { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا}
هذا ( باب) بالتنوين ( قوله: { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} ) [الفتح: 2] أي جميع ما فرط منك مما يصح أن تعاتب عليه واللام في ليغفر متعلق بفتحنا وهي لام العلة.
وقال الزمخشري فإن قلت: كيف جعل فتح مكة علة للمغفرة؟ قلت: لم يجعل علة للمغفرة ولكن لاجتماع ما عدد من الأمور الأربعة وهي المغفرة وإتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم والنصر العزيز كأنه قال يسرّنا لك فتح مكة ونصرناك على عدوّك لنجمع لك بين عز الدارين وأغراض العاجل والآجل ويجوز أن يكون فتح مكة من حيث إنه جهاد للعدوّ سببًا للمغفرة والثواب.
اهـ.

قال السمين: وهذا الذي قاله مخالف لظاهر الآية فإن اللام داخلة على المغفرة فتكون المغفرة علة للفتح والفتح معلل بها فكان ينبغي أن يقول كيف جعل فتح مكة معللًا بالمغفرة ثم يقول لم يجعل معللًا.
وقال ابن عطية: أي إن الله فتح لك لكي يجعل الفتح علامة لغفرانه لك فكأنها لام الصيرورة وهو كلام ماشٍ على الظاهر ( { ويتم نعمته عليك} ) بإعلاء الدين وإخلاء الأرض من معانديك ( { ويهديك صراطًا مستقيمًا} ) بما يشرعه لك من الشرع العظيم والدين القويم وسقط لأبي ذر قوله ما تقدم من ذنبك وما تأخر الخ وقال بعد { ليغفر لك الله} الآية.


[ قــ :4573 ... غــ : 4836 ]
- حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا زِيَادٌ أَنَّهُ سَمِعَ الْمُغِيرَةَ يَقُولُ: قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا».

وبه قال: ( حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي قال: ( أخبرنا ابن عيينة) سفيان قال: ( حدّثنا زياد) زاد أبو ذر هو ابن علاقة بكسر العين المهملة وفتح اللام المخففة وبالقاف ( أنه سمع المغيرة) هو ابن شعبة ( يقول قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في صلاة الليل ( حتى تورمت قدماه) بتشديد الراء من طول القيام ( فقيل له: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال) :
( أفلا) الفاء مسبب عن محذوف أي أأترك قيامي وتهجدي لما غفر لي فلا ( أكون عبدًا شكورًا) يعني غفران الله إياي سبب لأن أقوم وأتهجد شكرًا له فكيف أتركه.

وهذا الحديث سبق في صلاة الليل.




[ قــ :4574 ... غــ : 4837 ]
- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ سَمِعَ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا».
فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ.

وبه قال: ( حدّثنا الحسن) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد حسن ( بن عبد العزيز) ابن الوزير الجذامي قال: ( حدّثنا عبد الله بن يحيى) المعافري قال: ( أخبرنا حيوة) بفتح الحاء المهملة والواو بينهما تحتية ساكنة ابن شريح المصري ( عن أبي الأسود) محمد بن عبد الرحمن النوفلي يتيم عروة أنه ( سمع عروة) بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها- أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقوم من الليل) أي يتهجد ( حتى تتفطر) تتشقق ( قدماه) من كثرة القيام ( فقالت) له ( عائشة: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وقد غفر لك بضم الغين مبنيًّا للمفعول ( ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال) :
( أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا) تخصيص العبد بالذكر فيه إشعار بغاية الإكرام والقرب من الله تعالى والعبودية ليست إلا بالعبادة والعبادة عين الشكر ( فلما أكثر لحمه) بضم المثلثة وأنكر الداودي لفظة لحمه وقال المحفوظ بدن أي كبر فكأن الراوي تأوّله على كثرة اللحم.
اهـ.

وقال ابن الجوزي: أحسب بعض الرواة لما رأى بدن ظنه كثر لحمه وإنما هو بدّن تبدينًا أسن.
اهـ.

وهو خلاف الظاهر وفي حديث مسلم عنها قالت لما بدن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وثقل، لكن يحتمل أن يكون معنى قوله ثقل أي ثقل عليه حمل لحمه وإن كان قليلًا لدخوله في السن ( صلى جالسًا فإذا أراد أن يركع قام فقرأ) زاد في رواية هشام بن عروة عن أبيه وعند المؤلّف في آخر أبواب التقصير نحوًا من ثلاثين آية أو أربعين آية ( ثم ركع) .

فإن قلت: في حديث عائشة من طريق عبد الله بن شقيق عند مسلم كان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ قاعدًا ركع وسجد وهو قاعد.
أجيب: بالحمل على حالته الأولى قبل أن يدخل في السن جميعًا بين الحديثين.