فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {فاسجدوا لله واعبدوا} [النجم: 62]

باب { فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا}
هذا ( باب) بالتنوين أي في قوله: ( { فاسجدوا لله واعبدو} [النجم: 62] ) أي واعبدوه دون الآلهة وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.


[ قــ :4599 ... غــ : 4862 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَجَدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّجْمِ، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ.
تَابَعَهُ ابْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ.
وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ عُلَيَّةَ ابْنَ عَبَّاسٍ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو المنقري البصري قال: ( حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: ( حدّثنا أيوب) السختياني ( عن عكرمة) مولى ابن عباس ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: سجد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسجد معه المسلمون) لله ( والمشركون) لأنها أوّل سجدة نزلت، فأرادوا معارضة المسلمين بالسجود لمعبودهم، وأما قول مَن قال إن ذلك وقع منهم بلا قصد فمعارض بما زاده ابن مسعود من أن الذي استثناه منهم أخذ كفًّا من حصى فوضع جبهته عليه، فإذًا ذلك ظاهر في القصد وكذا قوله إنهم خافوا في ذلك المجلس من مخالفتهم لأن المسلمين حينئذٍ هم الذين كانوا خائفين من المشركين لا العكس، والظاهر أن سبب سجودهم ما أخرجه ابن أبي حاتم والطبري وابن المنذر من طرق عن شعبة عن أبي بشر عن ابن جبير عن ابن عباس قال: قرأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمكة: والنجم فلما بلغ { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} [النجم: 19] ألقى الشيطان في أمنيته لم تلاوته تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى فقال المشركون ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا فنزلت آية { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى} [الحج: 52] الآية.
وقد رُوِي من طرق ضعيفة ومنقطعة لكن كثرة الطرق تدل على أن لها أصلًا مع أن لها طريقين مرسلين رجالهما على شرط الصحيح يحتج بهما من يحتج بالمرسل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض وحينئذٍ فيتعين تأويل ما ذر وأحسن ما قيل إن الشيطان قال ذلك محاكيًا نغمة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندما سكت -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحيث سمعه من دنا إليه فظنها من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأشاعها، ويؤيده تفسير ابن عباس تمنى بتلا، وأما قول الكرماني وما قيل أن ذلك كان سببًا لسجودهم لا صحة له عقلًا ولا نقلًا فهو مبني على القول ببطلان القصة من أصلها وأنها موضوعة وقد سبق ما في ذلك والله الموفق ( و) سجد معه ( الجن والإنس) ذكر الجن والإنس بعد المسلمون الصادق بهما ليدفع توهم اختصاصه بالإنس.

( تابعه) أي تابع عبد الوارث ( ابن طهمان) بفتح المهملة وسكون الهاء ولأبي ذر إبراهيم بن طهمان فيما وصله الإسماعيلي ( عن أيوب) السختياني ( ولم يذكر ابن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام والتحتية المشددة إسماعيل في تحديثه عن أيوب ( ابن عباس) بل أرسله.
ولا يقدح ذلك في الحديث لاتفاق عبد الوارث وابن طهمان على وصله وهما ثقتان وسبق الحديث في أبواب السجود في باب سجود المسلمين مع المشركين.




[ قــ :4600 ... غــ : 4863 ]
- حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ يَعْنِي الزُّبَيْرِيَّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ وَالنَّجْمِ، قَالَ: فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَجَدَ مَنْ خَلْفَهُ، إِلاَّ رَجُلًا رَأَيْتُهُ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَسَجَدَ عَلَيْهِ، فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا، وَهْوَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ.

وبه قال: ( حدّثنا نصر بن علي) بالصاد المهملة الجهضمي البصر قال: ( أخبرني) بالإفراد ولأبي ذر أخبرنا ( أبو أحمد) محمد بن عبد الله ( يعني الزبيري) بضم الزاي وفتح الموحدة قال:
( حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد ( إسرائيل) بن يونس ( عن) جده ( أبي إسحاق) عمرو السبيعي ( عن الأسود بن يزيد) بن قيس النخعي خال إبراهيم النخعي ( عن عبد الله) بن مسعود ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: أوّل سورة أنزلت فيها سجدة {والنجم} قال) ابن مسعود: ( فسجد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعد فراغه من قراءتها ( وسجد) معه ( من خلفه إلا رجلًا رأيته أخذ كفًّا من تراب فسجد عليه) وفي رواية شعبة في أبواب السجود فرفعه إلى وجهه فقال يكفيني هذا ( فرأيته بعد ذلك قتل كفرًا) ببدر ( وهو أمية بن خلف) .

وعند ابن سعد أنه الوليد بن المغيرة وقيل سعيد بن العاص بن أمية وقيل غير ذلك والمعتمد الأول، وعند النسائي بإسناد صحيح أنه المطلب بن أبي وداعة وأنه أبى أن يسجد وأنه كان قبل أن يسلم فلما أسلم قال فلا أدع السجود فيها أبدًا فتعيين ابن مسعود محمول على ما اطّلع عليه.


[54] سورة اقْتَرَبَتِ [القمر: 1]
( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .
قَالَ مُجَاهِدٌ: {مُسْتَمِرٌّ}: ذَاهِبٌ.
{مُزْدَجَرٌ}: مُتَنَاهٍ.
{وَازْدُجِرَ}: فَاسْتُطِيرَ جُنُونًا.
{دُسُرٍ}: أَضْلاَعُ السَّفِينَةِ.
{لِمَنْ كَانَ كُفِرَ}: يَقُولُ كُفِرَ لَهُ جَزَاءً مِنَ اللَّهِ.
{مُحْتَضَرٌ}: يَحْضُرُونَ الْمَاءَ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ جُبَيْرٍ {مُهْطِعِينَ} النَّسَلاَنُ الْخَبَبُ: السِّرَاعُ.
.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ {فَتَعَاطَى}: فَعَاطَهَا بِيَدِهِ فَعَقَرَهَا.
{الْمُحْتَظِرِ}: كَحِظَارٍ مِنَ الشَّجَرِ مُحْتَرِقٍ.
{ازْدُجِرَ}: افْتُعِلَ مِنْ زَجَرْتُ.
{كُفِرَ}: فَعَلْنَا بِهِ وَبِهِمْ مَا فَعَلْنَا جَزَاءً لِمَا صُنِعَ بِنُوحٍ وَأَصْحَابِهِ.
{مُسْتَقِرٌّ}: عَذَابٌ حَقٌّ يُقَالُ {الأَشَرُ}: الْمَرَحُ وَالتَّجَبُّرُ.


( [54] سورة اقْتَرَبَتِ)
مكية وآيها خمس وخمسون.

( بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة ولفظ سورة لغير أبي ذر.

( وقال) ولأبي ذر وقال: ( مجاهد) مما وصله الفريابي ( {مستمرّ}) [القمر: ] أي ( ذاهب) سوف يذهب ويبطل من قولهم مرّ الشيء واستمرّ إذا ذهب وقيل مطرد قال في الأنوار وهو يدل على أنهم رأوا قبله آيات أخرى مترادفة ومعجزات متتابعة حتي قالوا ذلك.

( {مزدجر}) [القمر: 4] قال مجاهد فيما وصله الفريابي أيضًا ( متناه) بصيغة الفاعل أي نهاية وغاية في الزجر لا مزيد عليها والدال بدل من تاء الافتعال وأصله مزتجر قلبت التاء دالًا لأن تاء الافتعال تقلب دالًا بعد الزاي لأن الزاي حرف مجهور والتاء مهموس فأبدلوها إلى حرف مجهور قريب من التاء وهو الدال ( {وازدجر}) قال مجاهد ( فاستطير جنونًا) فيكون من مقولتهم أي ازدجرته الجنّ وذهبت بلبه أو هو من كلام الله تعالى أخبر عنه أنه زجر عن التبليغ بأنواع الأذية.

( {دسر}) قال مجاهد: ( أضلاع السفينة) وقيل المسامير وقيل الخيوط التي تشد بها السفن وقيل صدرها.

( {لمن كان كفر}) [القمر: 14] ( يقول كفر) مبنيًّا للمفعول من كفران النعمة ( له) لنوح ( جزاء من الله) أي فعلنا بنوح وبهم ما فعلنا من فتح أبواب السماء وما بعده من التفجير ونحوه جزاء من الله بما صنعوا بنوح وأصحابه وقيل المعنى فعلنا به وبهم من إنجاء نوح وإغراق قومه ثوابًا لمن كفر به وجحد أمره وهو نوح عليه السلام.

( {محتضر}) يعني قوم صالح ( يحضرون الماء) يوم غب الإبل فيشربون ويحضرون اللبن يوم وردها فيحتلبون.

( وقال ابن جبير) سعيد فيما وصله ابن المنذر ( {مهطعين} النسلان}) بفتح النون والسين المهملة هو تفسير للإهطاع الدالّ عليه {مهطعين} والنسلان هو ( الخبب) بالمعجمة والموحدتين المفتوحة أولاهما ضرب من العدو ( السراع) بكسر المهملة تأكيد له وقيل الإهطاع الإسراع مع مدّ العنق وقيل النظر.

( وقال غيره) غير ابن جبير ( {فتعاطى}) أي ( فعاطها) بألف بعد العين فطاء فهاء فألف ( بيده فعقرها) قال السفاقسي: لا أعلم لقوله فعاطها وجهًا إلا أن يكون من المقلوب الذي قدّمت عينه على لامه لأن العطو التناول فيكون المعنى فتناولها بيده وأما عوط فلا أعلمه في كلام العرب، وتعقبه في المصابيح فقال في ادعائه أنه لا يعلم مادة عوط في كلام العرب نظر، وذلك لأن الجوهري ذكر المادة وقال فيها يقال: عاطت الناقة تعوط يعني إذا حمل عليها أول سنة فلم تحمل ثم حمل عليها السنة الثانية فلم تحمل أيضًا فهذه المادة موجودة في كلام العرب، والظن بالسفاقسي علم ذلك فإنه كثير النظر في الصحاح ويعتمد عليه في النقل.

فإن قلت: لكن هذا المعنى غير مناسب لما نحن فيه؟ قلت: هو لم ينكر المناسبة وإنما أنكر وجود المادة فيما يعلمه والظاهر أنه سهو منه.
اهـ.

وسقطت لفظ فعاطها لأبي ذر، والمعنى فنادوا صاحبهم المستغيث وهو قدار بن سالف وكان أشجعهم فتعاطى آلة العقر أو الناقة.

( {المحتظر}) في قوله تعالى: {فكانوا كهشيم المحتظر} [القمر: 31] قال ابن عباس فيما رواه ابن المنذر ( كحظار) بكسر الحاء المهملة وتفتح وبالظاء المشالة المعجمة المخففة منكسر ( من الشجر محترق) وعن قتادة فيما رواه عبد الرزاق كرماد محترق.

( {ازدجر}) [القمر: 9] قال الفراء ( افتعل من زجرت) صارت تاء الافتعال دالًا وقد مرّ تقريره قريبًا وأعاده هنا لينبّه عليه.

( {كفر} فعلنا به وبهم) بنوح وقومه ( ما فعلنا) من نصرة نوح وإجابة دعائه وغرق قومه ( جزاء لما صنع) بضم الصاد ( بنوح وأصحابه) من الأذى، وقد سبق نحو من هذا.

( {مستقر}) قال الفراء ( عذاب حق) وقال غيره: يستقر بهم حتى يسلمهم إلى النار ( يقال: {الأشر}) بفتح الهمزة والشين المعجمة والراء المخففة ( المرح) بفتح الميم والراء ( والتجبّر) بالجيم والموحدة المشددة المضمومة قاله أبو عبيدة في تفسير قوله تعالى: {سيعلمون غدًا من الكذاب الأشر} [القمر: 6] .