فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله: {إذا جاءك المنافقون قالوا: نشهد إنك لرسول الله} [المنافقون: 1] إلى {لكاذبون} [الأنعام: 28]

باب قَوْلِهِ: { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} إِلَى { لَكَاذِبُونَ}
([63] سورة الْمُنَافِقِينَ)
سقط لغير أبي ذر وهي مدنية وآيها إحدى عشرة.

(قوله: ({ إذا} ) ولأبي ذر: بسم الله الرحمن الرحيم باب أي في قوله تعالى: إذا ({ جاءك المنافقون} ) جواب الشرط ({ قالوا نشهد إنك لرسول الله} ) إلى ({ لكاذبون} ) [المنافقون: 1] وسقط إلى { لكاذبون} لأبي ذر، وقال بعد قوله: { لرسول الله} الآية.
وقيل: الجواب محذوف، وقيل حال أي إذا جاؤوك قائلين كيت وكيت فلا تقبل منهم وقوله: { والله يعلم إنك لرسوله} جملة معترضة بين قوله: { نشهد إنك لرسول الله} وقوله: { والله يشهد} لفائدة أبداها الزمخشري في كشافه وهي أنه لو قال قالوا نشهد إنك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والله يشهد أنهم لكاذبون لكان يوهم أن قولهم هذا كذب فوسط بينهما قوله: { والله يعلم إنك لرسوله} ليميط هذا الإيهام.

قال الطيبي: وهذا نوع من التتميم لطيف المسلك، وقال في المصابيح: واستدلّ بقوله تعالى: { والله يشهد أن المنافقين لكاذبون} على أن الكذب هو عدم مطابقة الخبر لاعتقاد المخبر ولو كان خطأ فإنه تعالى جعلهم كاذبين في قولهم: إنك لرسول الله لعدم مطابقته لاعتقادهم، وإن كان مطابقًا للواقع وردّ هذا الاستدلال بأن المعنى لكاذبون في الشهادة وفي ادّعائهم المواطأة، فالتكذيب راجع إلى الشهادة باعتبار تضمنها خبرًا كاذبًا غير مطابق للواقع وهو أن هذه الشهادة من صميم القلب وخلوص الاعتقاد بشهادة أن والجملة الاسمية؛ وبأن المعنى أنهم لكاذبون في تسمية هذا الخبر شهادة لأن الشهادة ما تكون على وفق الاعتقاد والمعنى أنهم لكاذبون في قولهم إنك لرسول الله، لكن لا في الواقع بل في زعمهم الفاسد واعتقادهم الباطل لأنهم يعتقدون أنه غير مطابق للواقع فيكون كذبًا باعتبار اعتقادهم وإن كان صدقًا في نفس الأمر فكأنه قيل إنهم يزعمون أنهم لكاذبون في هذا الخبر الصادق وحينئذ لا يكون الكذب إلا بمعنى عدم المطابقة للواقع اهـ.


[ قــ :4635 ... غــ : 4900 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: كُنْتُ فِي غَزَاةٍ فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ يَقُولُ: لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ، وَلَوْ رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِهِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي أَوْ لِعُمَرَ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَعَانِي فَحَدَّثْتُهُ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ، فَحَلَفُوا مَا قَالُوا فَكَذَّبَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَدَّقَهُ فَأَصَابَنِي هَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ قَطُّ فَجَلَسْتُ فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ لِي عَمِّي: مَا أَرَدْتَ إِلَى أَنْ كَذَّبَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَقَتَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} فَبَعَثَ إِلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَأَ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ يَا زَيْدُ».
[الحديث 4900 - أطرافه في: 4901، 4902، 4903، 4904] .

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن رجاء) الغداني بضم الغين المعجمة والدال المهملة المخففة قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن زيد بن أرقم) أنه (قال: كنت في غزاة) هي غزوة تبوك كما عند النسائي وعند أهل المغازي أنها غزوة بني المصطلق ورجحه ابن كثير بأن عبد الله بن أبي لم يكن ممن خرج في غزوة تبوك بل رجع بطائفة من الجيش لكن أيد في الفتح القول بأنها غزوة تبوك بقوله في رواية زهير الآتية إن شاء الله تعالى في سفر أصاب الناس فيه شدة (فسمعت عبد الله بن أُبيّ) هو ابن سلول رأس النفاق (يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله) من المهاجرين (حتى ينفضوا) يتفرقوا (من حوله) وسمعته يقول (ولو) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ولئن (رجعنا من عنده) ولأبي ذر إلى المدينة من عنده (ليخرجن الأعز) يريد نفسه (منها الأذل) يريد الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه قال زيد بن أرقم: (فذكرت ذلك) الذي قاله عبد الله بن أبي (لعمي) هو سعد بن عبادة كما عند الطبراني وابن مردويه وليس هو عمه حقيقة وإنما هو سيد قومه الخزرج (أو لعمر) بن الخطاب بالشك، وعند الترمذي كسائر الروايات الآتية عمي بدون شك (فذكره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدعاني) عليه الصلاة والسلام (فحدّثته) بذلك (فأرسل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى عبد الله بن أبي وأصحابه) فسألهم عن ذلك (فحلفوا ما قالوا) ذلك (فكذبني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بتشديد الذال المعجمة (وصدقه) بتشديد المهملة أي صدق عبد الله بن أبي (فأصابني همّ لم يصبني مثله قط) في الزمن الماضي (فجلست في البيت فقال لي عمي: ما أردت إلى أن كذّبك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بتشديد المعجمة في الفرع وقف تنكز ما أردت إلا بتشديد اللام وفي فرع غيره كثير إلى الجارة وهو الذي في اليونينية (ومقتك) وعند النسائي: ولامني قومي (فأنزل الله تعالى: { إذا جاءك المنافقون} ) وعند النسائي فنزلت: { الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا} حتى بلغ: { لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} [المنافقون: 7، 8] (فبعث إليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقرأ) ما أنزل الله عليه من ذلك (فقال: إن الله قد صدقك يا زيد).

وهذا الحديث أخرجه مسلم في التوبة والترمذي في التفسير وكذا النسائي.