فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} [التحريم: 4] "

باب قَوْلِهِ: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}: صَغَوْتُ وَأَصْغَيْتُ مِلْتُ، لِتَصْغَى لِتَمِيلَ.
{وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} عَوْنٌ: تَظَاهَرُونَ تَعَاوَنُونَ.
{قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ}:.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ أَوْصُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَأَدِّبُوهُمْ
( باب قوله: {إن تتوبا}) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله: {إن تتوبا} ( {إلى الله}) خطاب لحفصة وعائشة وجواب الشرط ( {فقد صغت قلوبكما}) أي فقد وجد منكما ما يوجب التوبة وهو ميل قلوبكما عن الواجب من مخالصة الرسول بحب ما يحبه وكراهة ما يكرهه يقال: ( صغوت) بالواو ( وأصغيت) بالياء أي ( ملت) فالأوّل ثلاثي والثاني مزيد فيه ( لتصغى) في قوله: {ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة} [الأنعام: 113] أي ( لتميل) أو جواب الشرط
محذوف تقديره فذاك واجب عليكما أو فتاب الله عليكما وأطلق قلوب على قلبين لاستثقال الجمع بين تثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة، واختلف في ذلك والأحسن الجمع ثم الإفراد ثم التثنية.

وقال ابن عصفور لا يجوز الإفراد إلا في الضرورة ( {وإن تظاهرا عليه}) بما يسوءه ( {فإن الله هو مولاه}) ناصره وهو يجوز أن يكون فصلًا ومولاه الخبر وأن يكون مبتدأ ومولاه خبره والجملة خبران ( {وجبريل}) رئيس الكروبيين ( {وصالح المؤمنين}) أبو بكر وعمر وصالح مفرد لأنه كتب بالحاء دون واو الجمع وجوّزوا أن يكون جمعًا بالواو والنون حذفت النون للإضافة وكتب بلا واو اعتبارًا بلفظه لأن الواو سقطت للساكنين كيدع الداع ( {والملائكة بعد ذلك ظهير}) [التحريم: 4] أي ( {عون} تظاهرون) أي ( تعاونون) وقوله وجبريل عطف على على اسم إن بعد استكمال خبرها وحينئذٍ فجبريل وتاليه داخلان في ولاية الرسول عليه الصلاة والسلام وجبريل ظهير له لدخوله في عموم الملائكة والملائكة مبتدأ خبره ظهير ويجوز أن يكون الكلام تم عند قوله مولاه ويكون جبريل مبتدأ وما بعده عطف عليه وظهير خبره فتختص الولاية بالله ويكون جبريل قد ذكر في المعاونة مرتين مرة بالتنصيص ومرة في العموم وهو عكس قوله: {من كان عدوًّا لله وملائكته ورسله وجبريل [البقرة: 98] فإنه ذكر الخاص بعد العام تشريفًا له وهنا ذكر العام بعد الخاص ولم يذكر الناس إلا الأول قاله في الدرّ وسقط لأبي ذر من قوله صغوت إلى آخر قوله بعد ذلك ولغيره لفظ باب.

( وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ( {قوا أنفسكم وأهليكم}) [التحريم: 6] أي ( أوصوا أنفسكم) بفتح الهمزة وسكون الواو بعدها صاد مهملة من الإيصاء ( وأهليكم بتقوى الله وأدّبوهم) ولغير أبي ذر أوصوا أهليكم بتقوى الله وأدّبوهم.


[ قــ :4649 ... غــ : 4915 ]
- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ حُنَيْنٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَكُثْتُ سَنَةً فَلَمْ أَجِدْ لَهُ مَوْضِعًا حَتَّى خَرَجْتُ مَعَهُ حَاجًّا فَلَمَّا كُنَّا بِظَهْرَانَ ذَهَبَ عُمَرُ لِحَاجَتِهِ فَقَالَ: أَدْرِكْنِي بِالْوَضُوءِ فَأَدْرَكْتُهُ بِالإِدَاوَةِ فَجَعَلْتُ أَسْكُبُ عَلَيْهِ وَرَأَيْتُ مَوْضِعًا فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ الْمَرْأَتَانِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَمَا أَتْمَمْتُ كَلاَمِي حَتَّى قَالَ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ.

قَوْلِهِ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [التحريم: 5] .

وبه قال: ( حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال.
( حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: ( حدّثنا يحيى بن سعيد) الأنصاري ( قال: سمعت عبيد بن حنين) بتصغيرهما ( يقول سمعت ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( يقول: أردت) ولأبي ذر كنت أريد ( أن أسأل عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- ( عن المرأتين اللتين تظاهرتا) تعاونتا ( على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لأبي ذر ما بعد تظاهرتا
( فمكثت سنة فلم أجد له) أي للسؤال ( موضعًا حتى خرجت معه حاجًّا فلما كنا بظهران) بفتح المعجمة وسكون الهاء وبالراء والنون بقعة بين مكة والمدينة غير منصرف حين رجعنا ( ذهب عمر لحاجته) كناية عن التبرّز ( فقال: أدركني بالوضوء) بفتح الواو أي بالماء ( فأدركته بالإداوة) بكسر الهمزة المطهرة ( فجعلت أسكب عليه) زاد أبو ذر عن الكشميهني الماء أي للوضوء ( ورأيت موضعًا) للسؤال ( فقلت: يا أمير المؤمنين مَن المرأتان اللتان تظاهرتا) على رسول الله من أزواجه ( قال ابن عباس فما أتممت كلامي حتى قال) عمر: هما ( عائشة وحفصة) وساق بقية الحديث واختصره هنا للعلم به من سابقه.

( قوله: {عسى}) ولأبي ذر باب بالتنوين في قوله تعالى: عسى ( {ربه إن طلقكن}) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( {أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن}) خبر عسى وطلقكن شرط معترض بين اسم عسى وخبرها وجوابه محذوف أو متقدم أي إن طلقكن فعسى وعسى من الله واجب ولم يقع التبديل لعدم وقوع الشرط ( {مسلمات}) مقرّات بالإسلام ( {مؤمنات}) مخلصات ( {قانتات}) طائعات ( {تائبات}) من الذنوب ( {عابدات}) متعبدات أو متذللات لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام ( {سائحات}) صائمات أو مهاجرات ( {ثيبات}) جمع ثيب من تزوّجت ثم بانت ( {وأبكارًا}) [التحريم: 5] أي عذارى وقوله مسلمات الخ إما نعت أو حال أو منصوب على الاختصاص والثيب وزنها فعل من ثاب يثوب رجع لأنها ثابت بعد زوال عذرتها وأصلها ثيوب كسيد وميت أصلهما سيود وميوت فأعل الإعلال المشهور، وقال الزمخشري في كشافه وأخليت الصفات كلها عن العاطف ووسط بين الثيبات والأبكار لأنهما صفتان متنافيتان لا يجتمعن فيهما اجتماعهن في سائر الصفات فلم يكن بدٌّ من الواو.
اهـ.

وذهب القاضي الفاضل إلى أن هذه الواو واو الثمانية وتبجح باستخراجها وزيادتها على المواضع الثلاثة الواقعة في القرآن وهي {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولن خمسة سادسهم كلبهم رجمًا بالغيب ويقولون سبعة ثامنهم كلبهم} [الكهف: 22] وآية الزمر إذ قيل فتحت في آية النار لأن أبوابها سبعة وفتحت في آية الجنة إذ أبوابها ثمانية وقوله: {والناهون عن المنكر} [التوبة: 112] فإنه لوصف الثامن.

قال ابن هشام: والصواب أن هذه الواو وقعت بين صفتين هما تقسيم لمن اشتمل على جميع الصفات السابقة فلا يصح إسقاطها إذ لا تجتمع الثيوبة والبكارة وواو الثمانية عند القائل بها صالحة للسقوط ثم إن أبكارًا صفة تاسعة لا ثامنة إذ أول الصفات خيرًا منكنّ لا مسلمات فإن أجاب: بأن مسلمات وما بعده تفصيل لخيرًا منكنّ، فلهذا لم تعدّ قسمة لها قلنا وكذلك ثيبات وأبكارًا تفصيل للصفات السابقة فلا نعدهما معهن.

وفي معجم الطبراني الكبير عن بريدة قال: وعد الله نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذه الآية أن يزوّجه بالثيب آسية امرأة فرعون وبالبكر مريم بنت عمران وبدأ بالثيب قبل البكر لأن زمن آسية قبل مريم، أو
لأن أزواجه عليه الصلاة والسلام كلهم ثيب إلا عائشة.
قيل: وأفضلهن خديجة فالتقديم من جهة قبلية الفضل وقبلية الزمان لأنه تزوّج الثيب منهن قبل البكر.

وفي حديث ضعيف عند ابن عساكر عن ابن عباس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل على خديجة وهي في الموت فقال: "يا خديجة إذا لقيت ضرائرك فأقرئيهن مني السلام" فقالت: يا رسول الله وهل تزوّجت قبلي؟ قال: "لا ولكن الله زوّجني مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وكلثم أخت موسى".
وروي نحوه بإسناد ضعيف من حديث أبي أمامة عند أبي يعلى وسقط لأبي ذر قوله مسلمات الخ.
وقال بعد منكنّ الآية.