فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {ودا ولا سواعا، ولا يغوث ويعوق} [نوح: 23]

باب { وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ}
هذا ( باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ( { ودًّا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق} ) [نوح: 23] ضم واو ودًّا نافع وفتحها غيره ونون يغوثًا ويعوقًا المطوعي للتناسب ومنع صرفهما الباقون للعلمية والمعجمة أو للعلمية والوزن إن كانا عربيين وثبت الباب وتأليه لأبي ذر.


[ قــ :4654 ... غــ : 4920 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.

     وَقَالَ  عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ، أَمَّا وُدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ،.
وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ،.
وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ، ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجُرُفِ عِنْدَ سَبَأ.
.
وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ.
.
وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ، لآلِ ذِي الْكَلاَعِ، أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ.
فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا.
فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني الإفراد ( إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: ( أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني ( عن ابن جريح) عبد الملك بن عبد العزيز ( وقال عطاء) هو الخراساني وهو معطوف على محذوف بينه الفاكهاني من وجه آخر عن ابن جريج قال في قوله تعالى: { ودًّا ولا سواعًا} [نوح: 23] الآية.
قال أوثان كان قوم نوح يعبدونها وقال عطاء ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) لكن عطاء لم يسمع من ابن عباس وابن جريج لم يسمع التفسير من عطاء الخراساني إنما أخذ الكتاب من ابنه عثمان فنظر فيه لكن البخاري ما أخرجه إلا أنه من رواية عطاء بن أبي رباح لأن الخراساني ليس على شرطه ولقائل أن يقول هذا ليس بقاطع في أن عطاء المذكور هو الخراساني فيحتمل أن يكون هذا الحديث عند ابن جريج عن الخراساني وابن أبي رباح جميعًا قال في المقدمة وهذا جواب إقناعي وهذا عندي من المواضع العقيمة عن الجواب السديد ولا بد للجواد من كبوة ( صارت الأوثان) بالمثلثة جمع وثن ( التي كانت في قوم نوح) يعبدونها ( في العرب بعد) فعبدوها وكانت غرقت في الطوفان فلما نضب الماء عنها أخرجها إبليس فبثها في الأرض ( أما ودّ كانت لكلب) هو ابن وبرة من قضاعة ( بدومة الجندل) بفتح الدال من دومة ولأبي ذر دومة بضمها والجندل بفتح الجيم وسكون النون مدينة من الشام مما يلي العراق ( وأما سواع كانت لهذيل) بضم الهاء وفتح الذال المعجمة مصغرًا ابن مدركة بن إلياس بن مضر وكانوا بقرب مكة ( وأما يغوث فكانت) بالفاء قبل الكاف ( لمراد) بضم الميم وتخفيف الراء أبي قبيلة من اليمن ( ثم لبني غطيف) بضم الغين المعجمة وفتح الطاء المهملة وبعد التحتية الساكنة فاء مصغرًا بطن من مراد ( بالجوف) بفتح الجيم وبعد الواو فاء المطمئن من الأرض أو واد باليمن ولأبي ذر عن الكشميهني بالجرف بالراء المضمومة بدل الواو وضم الجيم ( عند سبأ) مدينة بلقيس وسقط عند سبأ لأبي ذر ( وأما يعوق فكانت لهمدان) بسكون الميم وبالدال المهملة قبيلة ( وأما نسر فكانت لحمير) بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وبعد التحتية المفتوحة راء ( لآل ذي الكلاع) بفتح الكاف آخره عين مهملة اسم ملك من ملوك اليمن ( أسماء رجال) أي هذه الخمسة أسماء رجال ولأبي ذر ونسر أسماء رجال أي نسر وأخواته أسماء رجال ( صالحين من قوم نوح فلما هلكوا) أي الرجال الصالحون ( أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا) بكسر الصاد المهملة ( إلى مجالسهم التي كانوا
يجلسون)
فيها ( أنصابًا) جمع نصب ما نصب لغرض ( وسموها بأسمائهم ففعلوا) ذلك ( فلم تعبد) تلك الأنصاب ( حتى إذا هلك أولئك) الذين نصبوها ( وتنسخ) بفتح الفوقية والنون والمهملة المشدّدة والخاء المعجمة من تفعل أي تغير ( العلم) بها وزالت المعرفة بحالها ولأبي ذر عن الكشميهني ونسخ بنون مضمومة فمهملة مكسورة مبنيًّا للمفعول ( عبدت) بعد ذلك.




باب قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ { لِبَدًا} أَعْوَانًا
( [7] سورة { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} )
مكية وآيها ثمان وعشرون وسقط لأبي ذر إليّ.
( قال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم ( لبدًا) بكسر اللام ولأبي ذر بضمها وهي قراءة هشام.

( أعوانًا) جمع عون وهو الظهير.


[ قــ :4655 ... غــ : 491 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، قَالَ: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلاَّ مَا حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي حَدَثَ؟ فَانْطَلَقُوا فَضَرَبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا يَنْظُرُونَ مَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ؟ قَالَ: فَانْطَلَقَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَخْلَةَ وَهْوَ عَامِدٌ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهْوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ تَسَمَّعُوا لَهُ، فَقَالُوا: هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَهُنَالِكَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا، إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ.
وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا.
وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} [الجن: 1] وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ.

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: ( حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري ( عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية الواسطي البصري ( عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه ( قال: انطلق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في طائفة من أصحابه عامدين) قاصدين ( إلى سوق عكاظ) بضم العين المهملة وفتح الكاف المخففة وبعد الألف معجمة بالصرف وعدمه موسم معروف للعرب من أعظم مواسمهم وهو نخل في واد بين مكة والطائف يقيمون به شوّالًا كله يتبايعون ويتفاخرون وكان ذلك لما خرج عليه الصلاة والسلام إلى
الطائف، ورجع منها سنة عشر من المبعث لكن استشكل قوله في طائفة من أصحابه لأنه لما خرج إلى الطائف لم يكن معه من أصحابه إلا زيد بن حارثة وأجيب بالتعدد أو أنه لما رجع لاقاه بعض أصحابه في أثناء الطريق.
( وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب) بضمتين جمع شهاب، والذي تظاهرت عليه الأخبار أن ذلك كان أول المبعث وهو يؤيد تغاير زمان القصتين وأن مجيء الجن لاستماع القرآن كان قبل خروجه عليه الصلاة والسلام إلى الطائف بسنتين ولا يعكر عليه قوله إنهم رأوه يصلّي بأصحابه صلاة الصبح لأنه كان عليه الصلاة والسلام يصلّي قبل الإسراء صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها.

( فرجعت الشياطين) إلى قومهم ( فقالوا) لهم ( ما لكم؟ قالوا) ولغير أبي ذر فقالوا: ( حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب قال) إبليس بعد أن حدّثوه بالذي وقع ولأبي ذر فقال: ( ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث) لأن السماء لم تكن تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي أو دين لله ظاهر قاله السدي ( فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها) أي سيروا فيها ( فانظروا ما هذا الأمر الذي حدث فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها ينظرون ما هذا الأمر الذي حال بينهم وبين خبر السماء.
قال: فانطلق)
الشياطين ( الذين توجهوا نحو تهامة) بكسر الفوقية وكانوا من جن نصيبين ( إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنخلة) بفتح النون وسكون الخاء المعجمة غير منصرف للعلمية والتأنيث موضع على ليلة من مكة ( وهو) عليه الصلاة والسلام ( عامد إلى سوق عكاظ وهو يصلى بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن) منه عليه الصلاة والسلام ( تسمعوا له) بتشديد الميم أي تكلفوا سماعه ( فقالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك رجعوا الى قومهم فقالوا: يا قومنا إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا) يتعجب منه في فصاحة لفظه وكثرة معانيه ( يهدي إلى الرشد) الإيمان والصواب ( فآمنا به) بالقرآن ( ولن نشرك) بعد اليوم ( بربنا أحدًا.
وأنزل عز وجل على نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- { قل أُوحي إليّ أنه استمع} )
لقراءتي ( { نفرّ من الجن} ) [الجن: 1] ما بين الثلاثة إلى العشرة.
قال ابن عباس: ( وإنما أوحي إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( قول الجن) لقومهم إنّا سمعنا الخ وزاد الترمذي.
قال ابن عباس وقول الجن لقومهم لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا قال: لما رأوه يصلّي وأصحابه يصلون بصلاته يسجدون بسجوده قال فعجبوا من طواعية أصحابه له قالوا لقومهم ذلك، وظاهره أنه عليه الصلاة والسلام لم يرهم ولم يقرأ عليهم، وإنما اتفق حضورهم وهو يقرأ فسمعوه فأخبر الله بذلك رسوله.

وهذا الحديث سبق في باب الجهر بقراءة صلاة الفجر من كتاب الصلاة.


[73] سورة الْمُزَّمِّلِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَتَبَتَّلْ: أَخْلِصْ.
.

     وَقَالَ  الْحَسَنُ { أَنْكَالًا} : قُيُودًا.
{ مُنْفَطِرٌ بِهِ} : مُثْقَلَةٌ بِهِ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ { كَثِيبًا مَهِيلًا} : الرَّمْلُ السَّائِلُ.
{ وَبِيلًا} : شَدِيدًا.

( [73] سورة المزّمّل)
مكية وآيها تسع عشرة أو عشرون ولأبي ذر زيادة والمدثّر.

( وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ( وتبتل) أي ( أخلص) وقال غيره: انقطع إليه ( وقال الحسن) البصري فيما وصله عبد بن حميد ( { أنكالًا} ) أي ( قيودًا) واحدها نكل بكسر النون.

( { منفطر به} ) أي ( مثقلة به) وفي اليونينية مثقلة بالتخفيف قاله الحسن أيضًا فيما وصله عبد بن حميد والتذكير على تأويل السقف والضمير لذلك اليوم ( وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم: ( { كثيبًا مهيلًا} الرمل السائل) بعد اجتماعه ( { وبيلًا} ) أي ( شديدًا) قاله ابن عباس فيما وصله الطبري.
[74] سورة الْمُدَّثِّرِ
( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ { عَسِيرٌ} : شَدِيدٌ.
{ قَسْوَرَةٍ} : رِكْزُ النَّاسِ وَأَصْوَاتُهُمْ.
.

     وَقَالَ  أَبُو هُرَيْرَةَ: الأَسَدُ وَكُلُّ شَدِيدٍ قَسْوَرَةٌ.
{ مُسْتَنْفِرَةٌ} : نَافِرَةٌ مَذْعُورَةٌ.

( [74] سورة الْمُدَّثِّرِ)
مكية وآيها ست وخمسون.

( بسم الله الرحمن الرحيم) سقط لفظ سورة والبسملة لغير أبي ذر.

( قال ابن عباس) : فيما وصله ابن أبي حاتم ( { عسير} ) أي ( شديد) عن زرارة بن أوفى قاضي البصرة أنه صلى بهم الصبح فقرأ هذه السورة فلما وصل إلى هذه الآية شهق شهقة ثم خرّ ميتًا.

( { قسورة} ) ولأبي ذر بالرفع أي ( ركز الناس) بكسر الراء آخره زاي أي حسّهم ( وأصواتهم) وصله سفيان بن عيينة في تفسيره عن ابن عباس ( وقال أبو هريرة) : فيما وصله عبد بن حميد ( الأسد وكل شديد قسورة) وعند النسفي وقسور وزاد في اليونينية يقال ولأبي ذر عسير شديد قسورة ركز الناس وأصواتهم وكل شديد قسورة.
قال أبو هريرة: القسورة قسور الأسد الركز الصوت.

( { مستنفرة} ) أي ( نافرة مذعورة) بالذال المعجمة قاله أبو عبيدة.


باب

[ قــ :4656 ... غــ : 49 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ: { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] قُلْتُ:
يَقُولُونَ: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، عَنْ ذَلِكَ وَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ الَّذِي قُلْتَ، فَقَالَ جَابِرٌ: لاَ أُحَدِّثُكَ إِلاَّ مَا حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هَبَطْتُ، فَنُودِيتُ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ عَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ أَمَامِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ شَيْئًا.
فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا، قَالَ: فَدَثَّرُونِي وَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا، فَنَزَلَتْ: { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1 - 3] ».

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني ( يحيى) هو ابن موسى البلخي أو ابن جعفر قال: ( حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح ( عن علي بن المبارك) الهنائي بضم الهاء وبالنون الخفيفة ( عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة أنه قال: ( سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف ( عن أول ما نزل من القرآن؟ قال: { يا أيها المدّثر} قلت: يقولون: { اقرأ باسم ربك الذي خلق} فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله) الأنصاري ( -رضي الله عنهما- عن ذلك وقلت له مثل الذي قلت، فقال جابر: لا أحدّثك إلا ما حدّثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( جاورت) أي اعتكفت ( بحراء) بالصرف ( فلما قضيت جواري) بكسر الجيم أي اعتكافي ( هبطت) من الجبل الذي فيه الغار ( فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئًا ونظرت أمامي فلم أر شيئًا ونظرت خلفي فلم أر شيئًا فرفعت رأسي فرأيت شيئًا) وفي باب كيف كان بدء الوحي فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه ( فأتيت خديجة فقلت دثروني) أي غطوني ( وصبوا علي ماءً باردًا قال: فدثروني وصبوا عليّ ماءً باردًا) قال: ( فنزلت: { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} ) [المدثر: 1 - 3] وليس في هذا الحديث أن أول ما نزل: { يا أيها المدثر} وإنما استخرج ذلك جابر باجتهاده وظنه لا يعارض الحديث الصحيح الصريح السابق أول هذا الجامع أنه { اقرأ} .