فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا} [النبأ: 18]: زمرا

باب { يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} زُمَرًا
هذا ( باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ( { يوم ينفخ في الصور فتأتون} ) من قبوركم إلى الموقف ( { أفواجًا} ) [النبأ: 18] أي ( زمرًا) .


[ قــ :4669 ... غــ : 4935 ]
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ، قَالَ: أَرْبَعُونَ، يَوْمًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ.
قَالَ: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ.
قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَبَيْتُ.
قَالَ: ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ، لَيْسَ مِنَ الإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلاَّ يَبْلَى، إِلاَّ عَظْمًا وَاحِدًا وَهْوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا ( محمد) هو ابن سلام البيكندي قال: ( أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير ( عن الأعمش) سليمان بن مهران ( عن أبي صالح) ذكوان السمان ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( ما بين النفختين) نفخة الإماتة ونفخة البعث ( أربعون، قال) : وفي سورة الزمر من طريق عمر بن حفص بن غياث عن أبيه عن الأعمش قالوا بالجمع أي أصحاب أبي هريرة له ( أربعون يومًا قال) أبو هريرة ( أبيت) أي امتنعت من الأخبار بما لا أعلم ( قال) أصحابه ( أربعون شهرًا قال) أبو هريرة ( أبيت قال) السائل: ( أربعون سنة قال) أبو هريرة: ( أبيت) أي امتنعث عن تعيين ذلك وعند ابن مردويه من حديث ابن عباس قال بين النفختين أربعون سنة ( قال: ثم ينزل الله من الماء ماء فينبتون) أي الأموات ( كما ينبت البقل ليس من الإنسان) أي غير الأنبياء ( شيء إلا يبلى إلا عظمًا واحدًا) بالنصب على الاستثناء ولأبي ذر إلا عظم واحد ( وهو عجب الذنب) بفتح العين وسكون الجيم وهو عظم لطيف في رأس العصعص بين الأليتين ( ومنه يركب الخلق يوم القيامة) .

وهذا الحديث سبق بالزمر.


[79] سورة وَالنَّازِعَاتِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: { الآيَةَ الْكُبْرَى} : عَصَاهُ، وَيَدُهُ.
يُقَالُ: النَّاخِرَةُ وَالنَّخِرَةُ سَوَاءٌ، مِثْلُ الطَّامِعِ وَالطَّمِعِ، وَالْبَاخِلِ وَالْبَخِيلِ.
.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ: النَّخِرَةُ الْبَالِيَةُ وَالنَّاخِرَةُ الْعَظْمُ الْمُجَوَّفُ الَّذِي تَمُرُّ فِيهِ الرِّيحُ فَيَنْخَرُ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: { الْحَافِرَةِ} : الَّتِي أَمْرُنَا الأَوَّلُ إِلَى الْحَيَاةِ.
.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ: { أَيَّانَ مُرْسَاهَا} مَتَى مُنْتَهَاهَا، وَمُرْسَى السَّفِينَةِ حَيْثُ تَنْتَهِى.

( [79] سورة وَالنَّازِعَاتِ)
مكية وآيها خمس أو ست وأربعون.

( وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ( { الآية الكبرى} ) [النازعات: 20] هي ( عصا) التي قلبت حيّة ( ويده) البيضاء من آياته التسع.

( ويقال الناخرة والنخرة) بالألف أبو بكر وحمزة والكسائي وبحذفها الباقون ( سواء) في المعنى
أي بالية ( مثل الطامع والطمع) بفتح الطاء وكسر الميم ( والباخل والبخيل) بالتحتية بعد المعجمة وفي نسخة والبخل بحذفها والناخرة اسم فاعل والنخرة صفة مشبهة.
قال العيني: وفي تمثيليه بالطامع الخ نظر لما ذكر من أن الناخر اسم فاعل الخ والتفاوت بينهما في التذكير والتأنيث ولو قال مثل صانعة وصنعة ونحو ذلك لكان أصوب وسقط يقال لأبي ذر ولأبي ذر عن الكشميهني والناحل والنحيل بالنون والحاء المهملة فيهما بدل سابقهما.

( وقال بعضهم) فارقًا بينهما ( النخرة البالية والناخرة العظم المجوّف الذي تمر فيه الريح فينخر) أي يصوّت حتى يسمع له نخير.
( وقال ابن عباس) مما رواه ابن أبي حاتم ( { الحافرة} ) من قوله: { أئنا لمردودون في الحافرة} [النازعات: 10] ( التي أمرنا) ولأبي ذر إلى أمرنا ( الأول إلى الحياة) بعد أن نموت من قولهم رجع فلان في حافرته أي طريقه التي جاء فيها فحفرها أي أثر فيها بمشيه وقيل الحافرة الأرض التي فيها قبورهم ومعناه أئنا لمردودون ونحن في الحافرة.

( وقال غيره) غير ابن عباس ( { أيان مرساها} ) [النازعات: 42] أي ( متى منتهاها) ومستقرها ( ومرسى السفينة) بضم الميم ( حيث تنتهي) والضمير في مرساها للساعدة وقوله تعالى: { فيما أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها} [النازعات: 43] أي ليس علمها إليك ولا إلى أحد بل مردّها إلى الله تعالى فهو الذي يعلم وقتها على التعيين.


باب

[ قــ :4670 ... غــ : 4936 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ بِإِصْبَعَيْهِ: هَكَذَا بِالْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ، «بُعِثْتُ وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ» { الطَّامَّةُ} : تَطُمُّ عَلَى كُلِّ شَيءٍ.

وبه قال: ( حدّثنا أحمد بن المقدام) بكسر الميم وسكون القاف قال: ( حدّثنا الفضيل بن سليمان) بضم الفاء والسين مصغرين النميري بالتصغير البصري قال: ( حدّثنا أبو حازم) بحاء مهملة فزاي معجمة سلمة قال: ( حدّثنا سهل بن سعد) الساعدي ( رضي الله عنه قال) :
( رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال بإصبعيه) بالتثنية أي ضم بينهما ( هكذا بالوسطى والتي تلي الإبهام) وهي المسبحة وأطلق القول وأراد به الفعل ( بعثت) بضم الباء الموحدة مبنيًّا للمفعول أي أرسلت ( والساعة) يوم القيامة ( كهاتين) الإصبعين والساعة نصب مفعول معه ويجوز الرفع عطفًا على ضمير الرفع المتصل مع عدم الفاصل وهو قليل وفي رواية أبي ضمرة عن أبي حازم عند ابن جرير وضم بين إصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام وقال ما مثلي ومثل الساعة إلاّ كفرسي رهان.

قال القاضي عياض: وقد حاول بعضهم في تأويله إن نسبة ما بين الإصبعين كنسبة ما بقي من الدنيا إلى ما مضى وإن جملتها سبعة آلاف سنة واستند إلى أخبار لا تصح وذكر ما أخرجه أبو
داود في تأخير مدة الأمة نصف يوم وفسره بخمسمائة سنة فيؤخذ من ذلك أن الذي بقي نصف سبع وهو قريب مما بين السبابة والوسطى في الطول.
قال: وقد ظهر عدم صحة ذلك لوقوع خلافه ومجاوزة هذا المقدار فلو كان ذلك ثابتًا لم يقع خلافه انتهى.
فالصواب الإعراض عن ذلك وتأتي إن شاء الله تعالى بعونه ومنه بقية مبحث ذلك في الرقاق.

( { الطامة} ) [النازعات: 34] ( تطم على كل شيء) بكسر الطاء في المستقبل عند أبي ذر.


[80] سورة عَبَسَ
( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .
{ عَبَسَ} : كَلَحَ وَأَعْرَضَ.
.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ.
{ مُطَهَّرَةٍ} : لاَ يَمَسُّهَا إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ وَهُمُ الْمَلاَئِكَةُ.
وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ { فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} : جَعَلَ الْمَلاَئِكَةَ وَالصُّحُفَ مُطَهَّرَةً لأَنَّ الصُّحُفَ يَقَعُ عَلَيْهَا التَّطْهِيرُ، فَجُعِلَ التَّطْهِيرُ لِمَنْ حَمَلَهَا أَيْضًا.
{ سَفَرَةٍ} : الْمَلاَئِكَةُ، وَاحِدُهُمْ سَافِرٌ، سَفَرْتُ أَصْلَحْتُ بَيْنَهُمْ، وَجُعِلَتِ الْمَلاَئِكَةُ إِذَا نَزَلَتْ بِوَحْيِ اللَّهِ وَتَأْدِيَتِهِ كَالسَّفِيرِ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ الْقَوْمِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ تَصَدَّى: تَغَافَلَ عَنْهُ.
.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ { لَمَّا يَقْضِ} : لاَ يَقْضِ أَحَدٌ مَا أُمِرَ بِهِ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ { تَرْهَقُهَا} : تَغْشَاهَا شِدَّةٌ.
{ مُسْفِرَةٌ} : مُشْرِقَةٌ.
{ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} .

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: كَتَبَةٍ.
{ أَسْفَارًا} : كُتُبًا.
{ تَلَهَّى} : تَشَاغَلَ.
يُقَالُ وَاحِدُ الأَسْفَارِ سِفْرٌ.

( [80] سورة عَبَسَ)
مكية وآيها إحدى وأربعون.

( بسم الله الرحمن الرحيم) .
سقطت البسملة لغير أبي ذر.

( { عبس} ) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وزاد أبو ذر وتولى ( كلح) بفتحتين قال في الصحاح: الكلوح تكشر في عبوس وقد كلح الرجل كلوحًا وكلاحًا ( وأعرض) هو تفسير وتولى أي أعرض بوجهه الكريم لأجل أن جاءه الأعمى عبد الله بن أم مكتوم وعنده صناديد قريش يدعوهم إلى الإسلام فقال: يا رسول الله علمني مما علمك الله وكرر ذلك ولم يعلم أنه مشغول بذلك، فكره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قطعه لكرمه وعبس وأعرض عنه فعوتب في ذلك بما نزل عليه في هذه السورة فكان بعد ذلك يقول له إذا جاء: مرحبًا بمن عاتبني الله فيه ويبسط له رداءه ( وقال غيره) : سقط هذا لأبي ذر وهو الصواب كما لا يخفى.

( { مطهرة} ) من قوله: { في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة} [عبس: 13 - 14] ( لا يمسها إلا المطهرون وهم الملائكة وهذا مثل قوله) عز وجل: ( { فالمدبرات أمرًا} ) [النازعات: 5] قال الكرماني: لأن التدبير لمحمول خيول الغزاة فوصف الحامل يعني الخيول به فقيل فالمدبرات ( جعل الملائكة والصحف مطهرة) بفتح الهاء المشدّدة ( لأن الصحف يقع عليها التطهير فجعل التطهير لمن حملها أيضًا) بضم جيم جعل مبنيًّا للمفعول وهذا قاله الفراء.
وقيل: مطهرة منزهة عن أيدي الشياطين.

( { سفرة} ) [عبس: 15] بالخفض ولأبي ذر بالرفع والأول موافق للتنزيل ( الملائكة وأحدهم سافر سفرت) أي بين القوم ( أصلحت بينهم وجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله وتأديته) إلى أنبيائه ( كالسفير الذي يصلح بين القوم) ومنه قوله:
فما أدع السفارة بين قومي ... ولا أمشي بغش إن مشيت
وقيل: السفرة جمع سافر وهو الكاتب ومثله كاتب وكتبة، ولأبي ذر وتأديبه بالموحدة بعد التحتية من الأدب فليتأمل.

( وقال غيره) سقط لأبي ذر كالسابق ( تصدى) أي ( تغافل عنه) قال الحافظ أبو ذر ليس هذا بصحيح وإنما يقال تصدى للأمر إذا رفع رأسه إليه فأما تلهى فتغافل وتشاغل عنه انتهى لأنه لم يتغافل عن المشرك إنما تغافل عمن جاءه يسعى.

( وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ( { لما يقض} ) [عبس: 3] أي ( لا يقضي أحد) من لدن آدم إلى هذه الغاية ( ما أمر به) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول إذ لم يخل أحد من تقصير ما ( وقال ابن عباس) مما وصله ابن أبي حاتم ( { ترهقها} ) أي ( تغشاها) قترة أي ( شدة) وقيل سواد وظلمة.

( { مسفرة} ) أي ( مشرقة) مضيئة.

( { بأيدي سفرة} وقال ابن عباس) : وفي نسخة بإسقاط الواو وهو الأوجه في معنى بأيدي سفرة ( كتبة) أي من الملائكة ينسخون من اللوح المحفوظ أو الوحي ( { أسفارًا} ) أي ( كتبًا) ذكره استطرادًا.

( { تلهى} ) [عبس: 15] أي ( تشاغل يقال واحد الأسفار سفر) وهي الكتب العظام وسقط يقال لأبي ذر.




[ قــ :4671 ... غــ : 4937 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ زُرَارَةَ بْنَ أَوْفَى يُحَدِّثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهْوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهْوَ يَتَعَاهَدُهُ وَهْوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ فَلَهُ أَجْرَانِ».

وبه قال: ( حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: ( حدّثنا قتادة) بن دعامة ( قال سمعت زرارة بن أوفى) بفتح الفاء والهمزة ( يحدث عن سعد بن هشام) الأنصاري ( عن عائشة) -رضي الله عنها- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( مثل الذي يقرأ القرآن) بفتح الميم والمثلثة صفته ( وهو حافظ له) لا يتوقف فيه ولا يشق عليه لجودة حفظه وإتقانه كونه ( مع السفرة الكرام) جمع سافر ككاتب وكتبة وهم الرسل لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله ولأبي ذر زيادة البررة أي المطيعين أو المراد أن يكون رفيقًا للملائكة السفرة لاتصاف بعضهم بحمل كتاب الله، أو المراد أنه عامل بعملهم وسالك مسالكهم
من كون أنهم يحفظونه ويؤذونه إلى المؤمنين ويكشفون لهم ما يلتبس عليهم ( ومثل الذي) أي وصفة الذي ( يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد) لضعف حفظه مثل من يحاول عبادة شاقة يقوم بأعبائها مع شدتها وصعوبتها عليه ( فله أجران) أجر القراءة وأجر التعب، وليس المراد أن أجره أكثر من أجر الماهر بل الأول أكثر ولذا كان مع السفرة ولمن رجح ذلك أن يقول الأجر على قدر المشقّة لكن لا نسلم أن الحافظ الماهر خالٍ عن مشقة لأنه لا يصير كذلك إلا بعد عناء كثير ومشقة شَديدة غالبًا والواو في قوله وهو حافظ وهو يتعاهده ولاحقه الثلاثة للحال وجواب المبتدأ الذي هو مثل محذوف تقديره كونه في الأول ومثل من يحاول في الثاني كما مرّ.


[81] سورة { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}
( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .
{ انْكَدَرَتْ} : انْتَثَرَتْ.
.

     وَقَالَ  الْحَسَنُ { سُجِّرَتْ} : ذَهَبَ مَاؤُهَا فَلاَ يَبْقَى قَطْرَةٌ.
.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ { الْمَسْجُورُ} : الْمَمْلُوءُ.
.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ { سُجِرَتْ} : أفْضى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، فَصَارَتْ بَحْرًا وَاحِدًا.
{ وَالْخُنَّسُ} : تَخْنِسُ فِي مُجْرَاهَا تَرْجِعُ.
وَتَكْنِسُ تَسْتَتِرُ كَمَا تَكْنِسُ الظِّبَاءُ.
{ تَنَفَّسَ} : ارْتَفَعَ النَّهَارُ.
{ وَالظَّنِينُ} : الْمُتَّهَمُ.
وَالضَّنِينُ: يَضَنُّ بِهِ.
.

     وَقَالَ  عُمَرُ { النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} : يُزَوَّجُ نَظِيرَهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ قَرَأَ -رضي الله عنه- { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} .
{ عَسْعَسَ} : أَدْبَرَ.

( [81] سورة { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} )
مكية وآيها تسع وعشرون.

( بسم الله الرحمن الرحيم) سقط لفظ سورة والبسملة لغير أبي ذر.

( { انكدرت} : انتثرت) من السماء وسقطت على الأرض ( وقال الحسن) البصري فيما وصله الطبري ( { سجرت} ) في قوله تعالى: { وإذا البحار سجرت} [التكوير: 6] أي ( ذهب) ولأبي ذر يذهب ( ماؤها فلا يبقى) فيها ( قطرة) ولأبي ذر فلا تبقى بالفوقية.
وقال ابن عباس أوقدت فصارت نارًا تضطرم.

( وقال مجاهد) فيما وصله الطبري: ( { المسجور} المملوء) وسبق بسورة الطور ( وقال غيره) غير مجاهد ( { سجرت} أفضى) ولأبي ذر أفضي بضم الهمزة وكسر الضاد ( بعضها إلى بعض فصارت بحرًا واحدًا) وهو معنى قول السدّي فيما أخرجه ابن أبي حاتم.

( { والخنس} تخنس) بفتح التاء وكسر النون ( في مجراها ترجع) وراءها بينا ترى النجم في آخر البرج إذا كرّ راجعًا إلى قوله ( وتكنس) بكسر النون ( تستتر) تخفي تحت ضوء الشمس ( كما تكنس الظباء) بالجمع ولأبي ذر كما يكنس الظبي أي يستتر في كناسه وهو بيته المتخذ من أغصان الشجر والمراد النجوم الخمسة زحل والمشتري والمريخ وزهرة وعطارد.

( { تنفس} ) [التكوير: 18] أي ( ارتفع النهار) وقال ابن الخازن في تنفسه قولان أحدهما أن في إقباله روحًا ونسيمًا فجعل ذلك نفسًا على المجاز الثاني أنه شبه الليل بالمكروب المحزون فإذا حصل له التنفس وجد راحة فكأنه تخلص من الحزن فعبر عنه بالتنفس وهو استعارة لطيفة.

( { والظنين} ) بالظاء في قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي ( المتهم) من الظنة وهي التهمة ( والضنين) بالضاد ( يضنّ به) أي لا يبخل بالتبليغ والتعليم.

( وقال عمر) بن الخطاب فيما وصله عبد بن حميد ( { النفوس} زوجت يزوّج) بفتح الواو مشددة الرجل ( نظيره من أهل الجنة والنار ثم قرأ) عمر ( -رضي الله عنه-: { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} ) [الصافات: ] وأخرج الفراء من طريق عكرمة قال: يقرن الرجل في الجنة بقرينه الصالح في الدنيا ويقرن الرجل الذي كان يعمل السوء في الدنيا بقرينه الذي كان يعينه في النار، وقيل يزوّج المؤمنون بالحور العين ويزوّج الكافرون بالشياطين.
حكاه القرطبي في تذكرته.

( { عسعس} ) [التكوير: 17] أي ( أدبر) وقال الحسن: أقبل ظلامه وهو من الأضداد ويدل على أن المراد هنا أدبر قوله والصبح إذا تنفس أي امتدّ ضوءه حتى يصير نهارًا.


[8] سورة { إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ}
( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .
.

     وَقَالَ  الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ { فُجِّرَتْ} : فَاضَتْ.
وَقَرَأَ الأَعْمَشُ وَعَاصِمٌ { فَعَدَلَكَ} : بِالتَّخْفِيفِ، وَقَرَأَهُ أَهْلُ الْحِجَازِ بِالتَّشْدِيدِ، وَأَرَادَ مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ.
وَمَنْ خَفَّفَ يَعْنِي فِي أَىِّ صُورَةٍ شَاءَ: إِمَّا حَسَنٌ وَإِمَّا قَبِيحٌ، وَطَوِيلٌ وَقَصِيرٌ.

( [8] سورة { إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} )
مكية وآيها تسع عشرة.

( بسم الله الرحمن الرحيم) سقط لفظ سورة والبسملة لغير أبي ذر.

( وقال الربيع بن خيثم) بضم الخاء المعجمة وفتح المثلثة فيما رواه عبد بن حميد في قوله تعالى: { فجرت} ) [الانفطار: 3] أي ( فاضت) قال الزركشي: ينبغي قراءته بالتخفيف فإنها القراءة المنسوبة للربيع صاحب هذا التفسير.

( وقرأ الأعمش وعاصم) وكذا حمزة والكسائي ( { فعدلك} ) ( الانفطار: 7] ( بالتخفيف وقرأه) ولأبي ذر: وقرأ ( أهل الحجاز) وأبو عمرو البصري وابن عامر الشامي ( بالتشديد وأراد معتدل الخلق) أي جعله متناسب الأطراف فلم يجعل إحدى يديه أطول ولا إحدى عينيه أوسع ( ومن خفف يعني في أي صورة شاء إما حسن وإما قبيح وطويل وقصير) ولأبي ذر: أو طويل أو قصير قاله الفراء.


[83] سورة { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}
( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .
.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ { بَلْ رَانَ} : ثَبْتُ الْخَطَايَا.
{ ثُوِّبَ} : جُوزِيَ.
الرحيق: الخمر.
{ خِتَامُهُ مِسْكٌ} : طِينُهُ.
التَّسْنِيمُ: يَعْلُو شَرَابَ أَهْلِ الجَنَّة.
.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الْمُطَفِّفُ لاَ يُوَفِّي غَيْرَهُ.

( [83] سورة { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} )
مكية أو مدنية وآيها ستّ وثلاثون.

( بسم الله الرحمن الرحيم) سقط لفظ سورة والبسملة لغير أبي ذر.

( وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ( { بل ران} ) [المطففين: 14] وسقط لغير أبي ذر أي ( ثبت الخطايا) بفتح المثلثة وسكون الموحدة بعدها مثناة فوقية حتى غمرتها والران الغشاوة على القلب كالصدأ على الشيء الصقيل من سيف ونحوه قال:
وكم ران من ذنب على قلب فاجر ... فتاب من الذنب الذي ران فانجلى
وأصل الرين الغلبة ومنه رانت الخمر على عقل شاربها، ومعنى الآية أن الذنوب غلبت على قلوبهم وأحاطت بها، وفي الترمذي وقال: حسن صحيح عن أبي هريرة مرفوعًا: إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكت في قلبه نكتة فإن هو نزع واستغفر صقلت فإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه فهو الران الذي ذكر الله في كتابه: كلا بل ران على قلوبهم.

( { ثوب} ) [المطففين: 36] أي ( جوزي) قاله مجاهد فيما وصله الفريابي.
( الرحيق) أي ( الخمر) الخالص من الدنس ( { ختامه مسك} ) [المطففين: 6] أي ( طينه) أو آخر شربه يفوح منه رائحة المسك.

( التنسيم يعلو شراب أهل الجنة) أي ينصب عليهم من علو في غرفهم ومنازلهم أو يجري في الهواء متسنمًا ينصب في أوانيهم على قدر ملئها فإذا امتلأت أمسك وهذا ثابت للنسفي وحده من قوله الرحيق الخ ...
( وقال غيره) غير مجاهد ( المطفف) هو الذي ( لا يوفي غيره) حقه في المكيال والميزان والطفف النقص ولا يكاد المتطفف يسرق في الكيل والوزن إلا الشيء التافه الحقير وقوله غيره بعد قوله لا يوفي ثابت في رواية أبي ذر عن الكشميهني.