فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {ما ودعك ربك وما قلى} [الضحى

باب .

     قَوْلُهُ : { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}
هذا (باب قوله: { ما ودعك} ) ما تركك منذ اختارك ({ ربك وما قلى} ) وما أبغضك منذ أحبك وحذف المفعول استغناء بذكره فيما ممبق ومراعاة للفواصل وثبت باب لأبي ذر.


[ قــ :4686 ... غــ : 4950 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدُبَ بْنَ سُفْيَانَ -رضي الله عنه- قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ، لَمْ أَرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 1 - 3] .

وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) التميمي اليربوعي الكوفي ونسبه لجده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا زهير) بضم الزاي مصغرًا ابن معاوية قال: (حدّثنا الأسود بن قيس) العبدي (قال: سمعت جندب بن سفيان) بضم الجيم والدال المهملة وفتحها أيضًا وهو جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي (-رضي الله عنه- قال: اشتكى) مرض (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يقم) للتهجد (ليلتين) وفي
نسخة ليلة بالإفراد (أو ثلاثًا) بالشك والنصب على الظرفية (فجاءت امرأة) هي العوراء بنت حرب أخت أبي سفيان وهي حمالة الحطب زوج أبي لهب كما عند الحاكم (فقالت) متهكمة: (يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم أره قربك) فتح القاف وكسر الراء قربه يقربه بفتح الراء متعديًا ومنه لا تقربوا الصلاة وأما قرب بضمها فهو لازم تقول قرب الشيء إذا دنا وقربته بالكسر أي دنوت منه وهنا متعدٍّ (من ليلتين أو ثلاثًا) نصب وفي نسخة أو ثلاث ولأبي ذر أو ثلاثة خفض بمنذ (فأنزل الله عز وجل ({ والضحى} ) وقت ارتفاع الشمس أو النهار كله ({ والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى} ) وقدم الليل على النهار في السورة السابقة باعتبار الأصل والنهار في هذه باعتبار الشرف.


باب .

     قَوْلُهُ : {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}
تُقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ: مَا تَرَكَكَ رَبُّكَ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا تَرَكَكَ وَمَا أَبْغَضَكَ.

( باب قوله: {ما}) وللمستملي باب بالتنوين أي في قوله تعالى ما ( {ودعك ربك وما قلى} تقرأ) ودعك ( بالتشديد) في الدال وهي قراءة العامة ( وبالتخفيف) وهي قراءة عروة وهشام ابنه وأبي حيوة وابن أبي عبلة وهما ( بمعنى واحد) أي ( ما تركك ربك.
وقال ابن عباس)
مما وصله ابن أبي حاتم ( ما تركك وما أبغضك) .


[ قــ :4687 ... غــ : 4951 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَبًا الْبَجَلِيَّ قَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أُرَى صَاحِبَكَ إِلاَّ أَبْطَأَكَ.
فَنَزَلَتْ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}.

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة بندار قال: ( حدّثنا محمد بن جعفر غندر) ولأبي ذر إسقاط محمد بن جعفر وقال حدّثنا غندر قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن الأسود بن قيس) العبدي أنه ( قال: سمعت جندبًا البجلي) بفتح الموحدة والجيم يقول ( قالت امرأة) هي خديجة أم المؤمنين توجعًا وتأسفًا ( يا رسول الله: ما أرى) بضم الهمزة ما أظن ولأبي ذر ما أرى بفتحها ( صاحبك) جبريل ( إلا أبطأك}) أي جعلك بطيئًا في القراءة لأن بطأه في الإقراء بطء في قراءته أو هو من باب حذف حرف الجر وإيصال الفعل به قاله الكرماني ( فنزلت {ما ودعك ربك وما قلى}) .

وهذا الحديث سبق في باب ترك القيام للمريض.


[94] سورة {أَلَمْ نَشْرَحْ لك}
( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .
.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ {وِزْرَكَ}: فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
{أَنْقَضَ}: أَثْقَلَ.

{مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ أَيْ مَعَ ذَلِكَ الْعُسْرِ يُسْرًا آخَرَ، كَقَوْلِهِ: {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة: 5] : وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ.
.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ {فَانْصَبْ}: فِي حَاجَتِكَ إِلَى رَبِّكَ.
وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَلَمْ نَشْرَحْ لك صَدْرَكَ}: شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ.


( [94] سورة {ألم نشرح لك})
مكية وآيها ثمان.

( بسم الله الرحمن الرحيم) ثبت لفظ لك والبسملة لأبي ذر.

( وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي: ( {وزرك}) أي الكائن ( في الجاهلية) من ترك الأفضل والذهاب إلى الفاضل.

( {أنقض}) أي ( أثقل) بمثلثة فقاف فلام كذا في الفرع كأصله وعزاها في الفتح لابن السكن وفي نسخة أتقن وقال القاضي عياض إنها كذا في جميع النسخ بفوقية وبعد القاف نون وهو وهم والصواب الأول وأصله الصوت والنقيض صوت المحامل والرحال بالحاء المهملة ( {مع العسر يسرًا} قال ابن عيينة) سفيان: ( أي مع ذلك العسر يسرًا آخر) لأن النكرة إذا أعيدت نكرة فهي غير الأولى فاليسر هنا اثنان والعسر واحد قال الفراء إذا ذكرت العرب نكرة ثم أعادتها منكرة مثلها صارتا اثنتين كقولك إذا كسبت درهمًا فأنفق درهمًا فإن الثاني غير الأوّل فإذا أعادتها معرفة فهي هي أي نحو قوله تعالى: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولًا* فعصى فرعون الرسول} [المزمل: 15 - 16] وذكر الزجاج نحوه وقال السيد في الأمالي: وإنما كان العسر معرفًا واليسر منكرًا لأن الاسم إذا تكرر منكرًا فالثاني غير الأول كقولك جاءني رجل فقلت لرجل كذا وكذا وكذلك إن كان الأول معرفة والثاني نكرة نحو حضر الرجل فأكرمت رجلًا ( كقوله) جل وعلا: ( {هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين}) [التوبة: 5] أي كما ثبت للمؤمنين تعدد الحسنى كذا ثبت لهم تعدد اليسر "ولن يغلب عسر يسرين" رواه سعيد بن منصور وعبد الرزاق من حديث ابن مسعود بلفظه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لو كان العسر في جحر لدخل عليه اليسر حتى يخرجه ولن يغلب عسر يسرين" ثم قال: {إن مع العسر يسرًا *إن مع العسر يسرًا} [الشرح: 5 - 6] وإسناده ضعيف وعن جابر عند ابن مردويه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أوحي إليّ أن مع العسر يسرًا إن مع العسر يسرًا ولن يغلب عسر يسرين".

( وقال مجاهد) فيما وصله ابن المبارك في الزهد: ( {فانصب}) أي ( في حاجتك إلى ربك) وقال ابن عباس: إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء وارغب إليه في المسألة.

( ويذكر عن ابن عباس) مما وصله ابن مردويه بإسناد فيه راوٍ ضعيف في قوله تعالى: ( {ألم نشرح لك صدرك} شرح الله صدره للإسلام) وقيل ألم نفتح قلبك ونوسعه للإيمان والنبوة والعلم
والحكمة والاستفهام إذا دخل على النفي قرره فصار المعنى قد شرحنا وسقط لغير أبي ذر لك صدرك.


[95] سورة وَالتِّينِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ التِّينُ وَالزَّيْتُونُ الَّذِي يَأْكُلُ النَّاسُ.
يُقَالُ: {فَمَا يُكَذِّبُكَ}؟ فَمَا الَّذِي يُكَذِّبُكَ بِأَنَّ النَّاسَ يُدَانُونَ بِأَعْمَالِهِمْ؟ كَأَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى تَكْذِيبِكَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَاب؟ ِ
( [95] سورة وَالتِّينِ)
مكية أو مدنية وآيها ثمان وثبت لفظ سورة لأبي ذر.

( وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ( هو التين والزيتون الذي يأكل الناس) وخصهما بالقسم لأن التين فاكهة طيبة لا فضل لها وغذاء لطيف سريع الهضم ودواء كثير النفع لأنه يلين الطبع ويحلل البلغم ويطهر الكليتين ويزيل رمل المثانة ويفتح سدة الكبد والطحال ويسمن البدن ويقطع البواسير وينفع من النقرس ويشبه فواكه الجنة لأنه بلا عجم ولا يمكث في المعدة ويخرج بطريق الرشح، وأما الزيتون ففاكهة وإدام ودواء وله دهن لطيف كثير المنافع وينبت في الجبال التي ليست فيها دهنية فلما كان فيهما هذه المنافع الدالّة على قدرة خالقهما لا جرم أقسم الله بهما، وعن ابن عباس فيما رواه ابن أبي حاتم مسجد نوح الذي بني على الجودي، وقيل التين مسجد أصحاب الكهف والزيتون مسجد إيلياء.

( يقال: {فما يكذبك}) أي ( فما الذي يكذبك بأن الناس يدانون بأعمالهم) يجُازون بها ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يدالون باللام بدل النون والأول هو الصواب ( كأنه قال: ومن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب) زاد الفراء بعد ما تبين له كيفية خلقه وما استفهامية في محل رفع بالابتداء والخبر الفعل بعدها والمخاطب الرسول وقيل الإنسان على طريقة الالتفات.


باب

[ قــ :4688 ... غــ : 495 ]
- حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ.
أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ فِي سَفَرٍ فَقَرَأَ فِي الْعِشَاءِ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ.
{ تَقْوِيمٍ} : الْخَلْقِ.

وبه قال: ( حدّثنا حجاج بن منهال) البرساني قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( قال أخبرني) بالإفراد ( عدي) هو ابن ثابت ( قال: سمعت البراء) بن عازب ( -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان في سفر فقرأ في) صلاة ( العشاء في إحدى الركعتين) في النسائي في الركعة الأولى ( بالتين والزيتون) وفي كتاب الصحابة لابن السكن في ترجمة ورقة بن خليفة رجل من أهل اليمامة أنه
قال: سمعنا بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأتيناه فعرض علينا الإسلام فأسلمنا وأسهم لنا وقرأ في الصلاة بالتين والزيتون إنا أنزلناه في ليلة القدر.
قال في الفتح: فيمكن إن كانت في الصلاة التي عين البراء بن عازب أنها العشاء أن يقال قرأ في الأولى بالتين وفي الثانية بالقدر.

( { تقويم} ) قال مجاهد ( الخلق) بفتح الخاء وسكون اللام يعني أنه خص الإنسان بانتصاب القامة وحسن الصورة وكل حيوان منكب على وجهه وقوله في أحسن تقويم صفة لمحذوف أي في تقويم أحسن تقويم وسقط لأبي ذر تقويم الخلق.


[96] سورة { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}
وَقَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: اكْتُبْ فِي الْمُصْحَفِ فِي أَوَّلِ الإِمَامِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَاجْعَلْ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ خَطًّا.
.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ { نَادِيَهُ} : عَشِيرَتَهُ.
{ الزَّبَانِيَةَ} : الْمَلاَئِكَةَ.
.

     وَقَالَ  مَعْمَرٌ { الرُّجْعَى} : الْمَرْجِعُ.
{ لَنَسْفَعَنْ} : لَنَأْخُذَنْ.
{ وَلَنَسْفَعَنْ} : بِالنُّونِ وَهْيَ الْخَفِيفَةُ.
{ سَفَعْتُ} بِيَدِهِ: أَخَذْتُ.

( [96] سورة { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} )
مكية وآيها تسع عشرة.

وقولها ( { اقرأ باسم ربك} ) أي اقرأ القرآن مفتتحًا باسمه مستعينًا به وسقط لفظ سورة لغير أبي ذر.

( وقال) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي حدّثنا ( فتيبة) بن سعيد قال: ( حدّثنا حماد) هو ابن زيد ( عن يحيى بن عتيق) الطفاوي بضم الطاء وبالفاء ( عن الحسن) البصري ( قال: اكتب في المصحف في أوّل الإمام) أول القرآن الذي هو الفاتحة ( بسم الله الرحمن الرحيم) فقط ( واجعل بين السورتين خطًّا) يكون علامة فاصلة بينهما من غير بسملة وهو مذهب حمزة حيث قرأ بالبسملة أول الفاتحة فقط.

( وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ( { ناديه} ) أي ( عشيرته) فليستنصر بهم وأصل النادي المجلس الذي يجمع الناس ولا يسمى ناديًا ما لم يكن فيه أهله.

( { الزبانية} ) أي ( الملائكة) وسموا بذلك لأنهم يدفعون أهل النار إليها بشدّة مأخوذ من الزبن وهو الدفع ( وقال معمر) أبو عبيدة ( { الرجعى} ) هي ( المرجع) في الآخرة وفيه تهديد لهذا الإنسان من عاقبة الطغيان وسقط معمر لغير أبي ذر وحينئذٍ فيكون من قول مجاهد والأول أوجه لوجوده عن أبي عبيد ( { لنسفعن} ) أي ( لنأخذن) بناصيته فلنجرنه إلى النار ولغير أبي ذر قال لنأخذن ( { ولنسفعن} بالنون وهي الخفيفة) وفي رسم المصحف بالألف ( سفعت بيده) بفتح السين والفاء وسكون العين أي ( أخذت) قاله أبو عبيدة أيضًا.