فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب تأليف القرآن

باب تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ
( باب تأليف القرآن) أي جمع آيات السورة أو جمع السور مرتبة.


[ قــ :4727 ... غــ : 4993 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ قَالَ: إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- إِذْ جَاءَهَا عِرَاقِيٌّ، فَقَالَ: أَيُّ الْكَفَنِ خَيْرٌ؟ قَالَتْ: وَيْحَكَ وَمَا يَضُرُّكَ، قَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرِينِي مُصْحَفَكِ، قَالَتْ: لِمَ؟ قَالَ: لَعَلِّي أُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ قَالَتْ: وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلاَمِ نَزَلَ الْحَلاَلُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ لاَ تَشْرَبُوا الْخَمْرَ لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا.
وَلَوْ نَزَلَ لاَ تَزْنُوا لَقَالُوا لاَ نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: { بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46] .
وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلاَّ وَأَنَا عِنْدَهُ.
قَالَ: فَأَخْرَجَتْ لَهُ الْمُصْحَفَ، فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِ.

وبه قال: ( حدّثنا) بالجمع ولأبي الوقت حدّثني بالإفراد ( إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: ( أخبرنا هشام بن يوسف) قاضي صنعاء ( أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ( أخبرهم قال) : أخبرني فلان بكذا ( وأخبرني يوسف بن ماهك) بفتح الهاء وكسرها يصرف ولا يصرف للعجمة والعلمية فالعطف على مقدّر وقال ابن حجر وما عرفت عليه ثم رأيت الواو ساقطة من رواية النسفيّ ( قال: إني عند عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- إذ جاءها) رجل ( عراقي) لم يعرف الجاحظ ابن حجر اسمه ( فقال) لها ( أيّ الكفن خير) ؟ الأبيض أو غيره ( قالت: ويحك) كلمة ترحم ( وما) أي أيّ شيء ( يضرك) ؟ بعد موتك في أيّ كفن كفنت ( قال: يا أم المؤمنين أرينى مصحفك.
قالت: لم)
؟ أريكه ( قال: لعلى أؤلف القرآن عليه فإنه يقرأ غير مؤلف) .

قال في الفتح: الظاهر لي أن هذا العراقي كان ممن يأخذ بقراءة ابن مسعود وكان ابن مسعود لما حضر مصحف عثمان إلى الكوفة لم يرجع عن قراءته ولا على إعدام مصحفه فكان تأليف مصحفه مغايرًا لتأليف عثمان، ولا ريب أن تأليف المصحف العثماني أكثر مناسبة من غيره فلهذا أطلق العراقي أنه غير مؤلف وهذا كله على أن السؤال إنما وقع عن ترتيب السور، ولذا ( قالت)
له عائشة ( وما يضرك) ؟ بضم الضاد المعجمة والراء المشددة من الضرر ولأبوي ذر والوقت والأصيلي بكسر الصاد بعدها تحتية ساكنة من الضير ( أيه) بفتح الهمزة والتحتية المشددة بعدها هاء مضمومة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أية بفوقية بدل الهاء منوّنة ( قرأت قبل) أي قبل قراءة السورة الأخرى ( إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار) سورة { اقرأ باسم ربك} [العلق: 1] إذ ذاك لازم من قوله فيها إن كذب وتولى وسندع الزبانية أو المدثر وذكرهما صريح فيها في قوله وما أدراك ما سقر وفي جنات يتساءلون لكن الذي نزل أولًا من سورة اقرأ خمس آيات فقط أو المراد بالأولية بعد الفترة وهي المدثر فلعل آخرها نزل قبل نزول بقية اقرأ أو بتقدير من أي من أول ما نزل ( حتى إذا ثاب) بالمثلثة والموحدة بينهما ألف أي رجع ( الناس إلى الإسلام) واطمأنت نفوسهم عليه وتيقنوا أن الجنة للمطيع والنار للعاصي ( نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدًا ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدًا) وذلك لما طبعت عليه النفوس من النفرة عن ترك المألوف فاقتضت الحكمة الإلهية ترتيب النزول على ما ذكر ( لقد نزل بمكة على محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإني لجارية) صغيرة ( ألعب: { بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} ) [القمر: 46] من سورة القمر التي ليس فيها ذكر شيء من الأحكام ( وما نزلت سورة البقرة والنساء) المشتملتان على الأحكام من الحلال والحرام ( { إلا وأنا عنده} ) بعد الهجرة بالمدينة وأرادت بذلك تأخر نزول الأحكام وسقط لأبي ذر سورة فالبقرة ومعطوفها مرفوعان.

( قال: فأخرجت له) أي للعراقي: ( المصحف فأملت) بسكون الميم وتخفيف اللام وبتشديدها مع فتح الميم في اليونينية بتشديد الميم فليحرر ( عليه آي السورة) ولأبي ذر السور أي آيات كل سورة كأن قالت له مثلًا سورة البقرة كذا وكذا آية، وهذا يؤيد أن السؤال وقع عن تفصيل آيات كل سورة وقد ذكر بعض الأئمة آيات السور مفردة كابن شيطا والجعبري وفي مجموعي لطائف الإشارات لفنون القراءات ما يكفي ويشفي.




[ قــ :478 ... غــ : 4994 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ وَطَهَ وَالأَنْبِيَاءِ: إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلاَدِي.

وبه قال: ( حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي إنه ( قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد) ولأبي ذر زيادة ابن قيس أخا الأسود بن يزيد بن قيس ( قال: سمعت ابن مسعود) -رضي الله عنه- ( يقول في) شأن سورة ( بني إسرائيل) وهي سورة الإسراء ( و) في شأن سورة ( الكهف و) شأن سورة ( مريم و) شأن سورة ( طه و) شأن سورة ( الأنبياء) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أو الأنبياء ( أنهن) أي الخمسة ( من العتاق الأول) بكسر العين، والعرب تجعل كل شيء بلغ الغاية في الجودة عتيقًا والأول بضم الهمزة وفتح الواو المخففة والأولية باعتبار نزولهن ( وهن من تلادي) بكسر الفوقية وتخفيف اللام
وبعد الألف دال مهملة أي مما نزل قديمًا ومع ذلك فهنّ مؤخرات في ترتيب المصحف العثماني وهذا الحديث مرّ في التفسير.




[ قــ :479 ... غــ : 4995 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ سَمِعَ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- قَالَ: تَعَلَّمْتُ { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} [الأعلى: 1] قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: ( أنبأنا) من الإنباء ( أبو إسحاق) عمرو السبيعي أنه ( سمع البراء -رضي الله عنه-) زاد الأصيلي ابن عازب ( قال: تعلمت) سورة ( { سبح اسم ربك} ) زاد الأصيلي وأبو الوقت { الأعلى} ( قبل أن يقدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي المدينة فهي من أوائل ما نزل ومع ذلك فهي متأخرة في المصحف فالتأليف يكون بالتقديم والتأخير.

وهذا الحديث سبق في التفسير أيضًا.




[ قــ :4730 ... غــ : 4996 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ: قَدْ عَلِمْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَؤُهُنَّ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ وَدَخَلَ مَعَهُ عَلْقَمَةُ، وَخَرَجَ عَلْقَمَةُ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: عِشْرُونَ سُورَةً مِنْ أَوَّلِ الْمُفَصَّلِ عَلَى تَأْلِيفِ ابْنِ مَسْعُودٍ آخِرُهُنَّ الْحَوَامِيمُ.

وبه قال: ( حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان المروزي ( عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري المروزي ( عن الأعمش) سليمان بن مهران ( عن شقيق) أبي وائل بن سلمة أنه ( قال: قال عبد الله) بن مسعود ( قد علمت) وللأصيلي وابن عساكر لقد تعلمت ( النظائر) أي السور المتماثلة في المعاني كالموعظة أو الحكم أو القصص أو السور المتقاربة في الطول أو القصر ( التي كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرؤهن اثنين اثنين في كل ركعة) ولأبي ذر عن الكشميهني إسقاط لفظ كل وفي نسخة اثنين كل ركعة بإسقاط الجار ( فقام عبد الله) يعني ابن مسعود من مجلسه ودخل بيته ( ودخل معه علقمة) بن قيس النخعي ( وخرج علقمة) المذكور ( فسألناه) عنها ( فقال: عشرون سورة من أول المفصل على تأليف) مصحف ( ابن مسعود آخرهن الحواميم) ولأبي ذر من الحواميم حم الدخان وعمّ يتساءلون، ولابن خزيمة من طريق أبي خالد الأحمر عن الأعمش مثل هذا الحديث وزاد قال الأعمش: أولهن الرحمن وآخرهن الدخان وذكر الدخان في المفصل تجوّز لأنها ليست منه، نعم يصح على أحد الأقوال في حدّ المفصل وقد مر في باب الجمع بين السورتين في ركعة من كتاب الصلاة سرد السور العشرين فيما أخرجه أبو داود وفي الحديث دليل على أن تأليف مصحف ابن مسعود على غير التأليف العثماني ولم يكن على ترتيب النزول.

وقيل: إن مصحف علي بن أبي طالب كان على ترتيب النزول أوّله اقرأ ثم المدثر ثم ن والقلم وهكذا إلى آخر المكي ثم المدني وهل ترتيب المصحف العثماني كان باجتهاد من الصحابة أو
توقيفيًّا، فذهب إلى الأول الجمهور ومنهم القاضي أبو بكر بن الطيب فيما اعتمده واستقر عليه رأيه من قوله وأنه فوّض ذلك إلى أمته بعده وذهبت طائفة إلى الثاني، والخلاف لفظي لأن القائل بالأول يقول إنه رمز إليهم ذلك لعلمهم بأسباب نزوله ومواقع كلماته، ولذلك قال الإمام مالك: وإنما ألفوا القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وهناك قول ثالث وهو أن كثيرًا من السور قد كان علم ترتيبه في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كالسبع الطوال والحواميم والمفصل وكقوله اقرؤوا الزهراوين البقرة وآل عمران وإلى هذا مال ابن عطية، وقال بعضهم: لترتيب وضع السور في المصحف أشياء تطلعك على أنه توقيفي صادر عن حكيم.

أحدها: بحسب الحروف كما في الحواميم، وثانيها لموافقة أول السور لآخر ما قبلها كآخر الحمد في المعنى وأول البقرة، وثالثها للوزن في اللفظ كآخر تبت وأول الإخلاص، ورابعها لمشابهة جملة السورة لجملة الأخرى مثل الضحى وألم نشرح.

وقال بعضهم: سورة الفاتحة تضمنت الإقرار بالربوبية والالتجاء إليه في دين الإسلام والصيانة عن دين اليهودية والنصرانية، وسورة البقرة تضمنت قواعد الدين، وآل عمران مكملة لمقصودها، فالبقرة بمنزلة إقامة الدليل على الحكم وآل عمران بمنزلة الجواب عن شبهات الخصرم، وسورة النساء تتضمن أحكام الأنساب التي بين الناس، والمائدة سورة العقود وبها تمّ الدين انتهى.

وأما ترتيب الآيات فإنه توقيفي بلا شك ولا خلاف أنه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو أمر واجب وحكم لازم فقد كان جبريل يقول ضع آية كذا في موضع كذا وفيه حديث أخرجه البيهقي في المدخل والدلائل والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرطهما.