فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من لم يستطع الباءة فليصم

باب مَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْبَاءَةَ فَلْيَصُمْ
( باب من لم يستطع الباءة فليصم) .


[ قــ :4796 ... غــ : 5066 ]
- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنِي عُمَارَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَبَابًا لاَ نَجِدُ شَيْئًا، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».

وبه قال: ( حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) قال: ( حدّثنا أبي) قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: ( حدّثني) بالإفراد ( عمارة) بضم العين وتخفيف الميم ابن عمير التيمي
الكوفي ( عن عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس النخعي أنه ( قال: دخلت مع علقمة) أي عمه ( والأسود) بن يزيد أي أخيه ( على عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- ( فقال عبد الله) بن مسعود: ( كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شبابًا لا نجد شيئًا فقال لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( يا معشر الشباب) أي يا طائفة الشباب ( من استطاع) استفعل من الطاعة أصله استطوع استثقلت الحركة على الواو فنقلت إلى الساكن قبلها ثم قلبت الواو ألفًا أي أطاق ( الباءة) المراد به هنا المعنى اللغوي وهو الجماع مأخوذ من المباءة وهي المنزل لأن من تزوج امرأة بوّأها منزلًا وإنما تتحقق قدرته بالقدرة على مؤنه ففيه حذف مضاف أي من استطاع منكم أسباب النكاح ومؤنه ( فليتزوج) .
وقيل: المراد بها نفس مؤن النكاح سميت باسم ما يلازمها ولا بدّ من أحد التأويلين لأن قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( ومن لم يستطع) عطف على قوله ( من استطاع) ولو حمل الباءة على الجماع لم يستقم قوله بعد: فإن الصوم له وجاء لأنه لا يقال للعاجز هذا، وإنما يستقيم إذا قيل: أيها القادر المتمكن من الشهوة إن حصلت لك مؤن النكاح فتزوّج وإلاّ فصم ولذا خصّ الشباب ( فإنه) أي التزوّج ( أغض للبصر) لأن بعد حصول التزويج يضعف فيكون أغض وأحصن مما لم يكن لأن وقوع الفعل مع ضعف الداعي أندر من وقوعه مع وجود الداعي وهو أفعل تفضيل بمعنى غاض أو التفضيل على بابه من غض طرفه إذا خفضه وأغمضه وكل شيء كففته فقد غضضته والمراد بالبصر هنا الطرف المشتمل عليه لأنه الذي يضاف إليه الغض حقيقة وللنسائي فإنه أغض للطرف فصرح به ( وأحصن) أي أعف ( للفرج) ، ولم يرد به أفعل التفضيل لأنه لا يكون من رباعي كما نبه عليه ابن فرحون واللام في للبصر وللفرج للتعدية كما قرروه في أفعل التعجب نحو: ما أضرب زيدًا لعمرو ولا فرق بين البابين قاله في العدّة ولم يقل في الرواية السابقة فإنه إلى آخره وهي ثابتة عند جميع من أخرج الحديث من طرق الأعمش بهذا الإسناد.

قال في الفتح: ويغلب على ظني أن حذفها من قبل حفص بن غياث شيخ البخاري وإنما آثر البخاري روايته على رواية غيره لوقوع التصريح فيها من الأعمش بالتحديث فاغتفر له اختصار المتن لهذه المصلحة انتهى.

( ومن لم يستطع فعليه بالصوم) ذهب ابن عصفور إلى أن الباء زائدة في المبتدأ والتقدير فعليه الصوم وضعف باقتضائه حينئذٍ الوجوب لأن ذلك ظاهر في هذه الصيغة ولا قائل به ( فإنه) أي الصوم ( له وِجاء) .
وعند ابن حبان زيادة وهي: وهو الإخصاء وهي مدرجة لم تقع إلا في طريق زيد بن أبي أنيسة وفي تفسير الوِجاء بالإخصاء نظر لأن الوِجاء كما مر رضّ الأُنثيين والإخصاء سلّهما فيحمل على المجاز والمسامحة لتقاربهما في المعنى.