فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} [النساء: 23]

باب { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ}
وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ
هذا ( باب) بالتنوين في حكم الرضاع لقوله تعالى: ( { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} ) هو معطوف على قوله تعالى: { حرّمت عليكم أمهاتكم} [النساء: 23] قال في الفتح: ووقع هنا في بعض الشروح كتاب الرضاع ولم أره في شيء من الأصول انتهى.
والرضاع بفتح الراء وكسرها اسم لمص الثدي وشرب لبنه، وهذا جرى على الغالب الموافق للغة وإلاّ فهو اسم لحصول لبن امرأة أو ما حصل منه في جوف طفل والأصل في تحريمه قبل الإجماع هذه الآية ( و) حديث ( يحرم من الرضاعة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من الرضاع ( ما يحرم من النسب) وهو مروي في الصحيحين وجعل سببًا للتحريم لأن جزءًا من المرضعة وهو اللبن صار جزءًا للرضيع باغتذائه به فأشبه منيِّها وحيضها وأركانه ثلاثة: المرضع فيشترط كونها امرأة حيّة بلغت سنّ الحيض وإن لم تلد فلا تحريم بلبن رجل وخنثى ولا لبن بهيمة ولا لبن انفصل عن ميتة، والثاني: اللبن فيثبت به التحريم وإن تغير كالجبن والزبد أو عجن به دقيق أو خالطه ماء أو مائع وغلب اللبن على الخليط وكذا لو كان مغلوبًا بحيث لم يبق من صفاته الثلاث الطعم واللون والريح حسًّا وتقديرًا شيء فإنه يثبت به التحريم لكن يشترط شرب الجميع وكون اللبن المخلوط مقدار ما لو كان منفردًا أثر في التحريم بأن يمكن أن يسقى منه خمس دفعات، والثالث: المحل وهي معدة الطفل الحي أو دماغه لا ابن حولين ولا أثر له عند الشافعية دون خمس رضعات إلا إن حكم به حاكم يراه فلا ينقض حكمه.


[ قــ :4827 ... غــ : 5099 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ عِنْدَهَا، وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، قَالَتْ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «أُرَاهُ فُلاَنًا»، لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ».
قَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ كَانَ فُلاَنٌ حَيًّا لِعَمِّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ دَخَلَ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: «نَعَمِ الرَّضَاعَةُ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلاَدَةُ».

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: ( حدّثني) بالإفراد ( مالك) إمام الأئمة ودار الهجرة ( عن عبد الله بن أبي بكر) أي ابن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري ( عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) -رضي الله عنها- ( أخبرتها أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان عندها) في حجرتها ( وأنها سمعت صوت رجل) أي يقف الحافظ ابن حجر على اسمه ( يستأذن في بيت حفصة) أم المؤمنين ( قالت) عائشة: ( فقلت: يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك) على حفصة ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( أراه) بضم الهمزة أي أظنه وفي اليونينية بفتحها ( فلانًا، لعم حفصة) أي عن عم حفصة أو
اللام للتعليل، أي قال لأجل عم حفصة ( من الرضاعة.
قالت عائشة)
: كان السياق يقتضي أن تقول: قلت لكنه من باب الالتفات ( لو كان فلان حيًّا لعمها) أي لعم عائشة ( من الرضاعة دخل عليّ) .
قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه أيضًا ووهم من فسره بأفلح أخي أبي القعيس لأن القعيس والد عائشة من الرضاعة وأما أفلح فهو أخوه وهو عمها من الرضاعة كما سيأتي أنه عاش حتى جاء يستأذن على عائشة فأمرها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تأذن له بعد أن امتنعت، وقولها هنا لو كان حيًّا يدل على أنه كان مات فيحتمل أن يكون أخًا لها آخر، ويحتمل أن تكون ظنت أنه مات لبعد عهدها به ثم قدم بعد ذلك فاستأذن ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( نعم) كان له أن يدخل عليكِ ( الرضاعة) المعتبرة ( تحرم ما تحرم الولادة) من تحريم النكاح ابتداءً ودوامًا وانتشارًا لحرمة بين الرضيع وأولاد المرضعة فيحرم عليها هو ويحرم عليها فروعه من النسب والرضاع ولا يسري التحريم من الرضيع إلى آبائه وأمهاته وإخوته وأخواته فلأبيه أن ينكح المرضعة إذ لا منع من نكاح أم الابن وأن ينكح ابنتها، وكما صار الرضيع ابن المرضعة تصير هي أمه فتحرم عليه هي وأصولها من النسب والرضاع وفروعها من النسب والرضاع وإخوتها وأخواتها من النسب والرضاع فهم أخواله وخالاته وإن ثار اللبن من حمل من زوج صار الرضيع ابنًا للزوج فيحرم عليه الرضيع ولا يثبت التحريم من الرضيع بالنسبة إلى صاحب اللبن إلى أصوله وحواشيه فلأم الرضيع أن تنكح صاحب اللبن وصار الزوج أباه، فيحرم على الرضيع هو وأصوله وفصوله من النسب والرضاع فهم أعمامه وعماته ويحرم إخوته وأخواته من النسب والرضاع إذ هم أعمامه وعماته وتنزيلهم منزلتهم في جواز النظر وعدم نقض الطهارة باللمس والخلوة والمسافرة دون سائر أحكام النسب كالميراث والنفقة والعتق بالملك وسقوط القصاص ورد الشهادة.

وهذا الحديث قد سبق في باب الشهادة على الأنساب من كتاب الشهادات.




[ قــ :488 ... غــ : 5100 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَلاَ تَزَوَّجُ ابْنَةَ حَمْزَةَ؟ قَالَ: «إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ».
.

     وَقَالَ  بِشْرُ بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْتُ قَتَادَةَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ مِثْلَهُ.

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) بالسين وتشديد الدال الأولى المهملات ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن شعبة) بن الحجاج ( عن قتادة) بن دعامة ( عن جابر بن زيد) هو أبو الشعثاء البصري ( عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه ( قال: قيل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : قال في الفتح: القائل علي بن أبي طالب كما في مسلم ( ألا تزوّج) بحذف إحدى التاءين ولأبي ذر عن الكشميهني ألا تتزوج بإثبات التاءين ( ابنة حمزة) عمك زاد سعيد بن منصور فإنها من أحسن فتاة في قريش ( قال) عليه الصلاة والسلام:
( إنها ابنة أخي من الرضاعة) ولعل عليًّا لم يكن علم أن حمزة رضيع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو جوّز الخصوصية.

( وقال بشر بن عمر) : بكسر الموحدة وسكون المعجمة الزهراني مما وصله مسلم ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: ( سمعت قتادة) قال: ( سمعت جابر بن زيد مثله) أي مثل الحديث السابق ومراد البخاري بسياق هذا التعليق بيان سماع قتادة من جابر بن زيد لأنه مدلس والله أعلم.




[ قــ :489 ... غــ : 5101 ]
- حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ: «أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكَ»؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ ذَلِكَ لاَ يَحِلُّ لِي».
قُلْتُ: فَإِنَّا نُحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ.
قَالَ: «بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: «لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي.
إِنَّهَا لاَبْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ».
قَالَ عُرْوَةُ: وَثُوَيْبَةُ مَوْلاَةٌ لأَبِي لَهَبٍ كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ، غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ.
[الحديث 5101 - أطرافه في: 5106، 5107، 513، 537] .

وبه قال: ( حدّثنا الحكم بن نافع) قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عروة بن الزبير) بن العوّام ( إن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت ( أبي سمة أخبرته أن أم حبيبة) رملة ( بنت أبي سفيان) صخر بن حرب ( أخبرتها أنها قالت: يا رسول الله انكح) بكسر الهمزة لأنه من نكح ينكح فثالث المضارع مكسور ومتى كسر ثالثه أو فتح كسر الأمر منه ومتى ضم ثالثه ضم الأمر منه كقتل يقتل الأمر منه اقتل بضم الهمزة أي تزوج ( أختي) ولمسلم أختي عزة.
وعند أبي موسى في الدلائل درة، وعند الطبراني قلت: يا رسول الله هل لك في حمنة ( بنت) ولأبي ذر ابنة ( أبي سفيان) .
وجزم المنذري بأن اسمها حمنة.

وقال القاضي عياض لا نعلم لعزة ذكرًا في بنات أبي سفيان إلا في رواية يزيد بن أبي حبيب وقال أبو موسى الأشهر أنها عزة ( فقال) عليه الصلاة والسلام:
( أوَ تحبين ذلك) ؟ الهمزة للاستفهام والواو عاطفة على ما قبل الهمزة عند سيبويه وعلى مقدّر عند الزمخشري وموافقيه، فعلى مذهب سيبويه معطوف على انكح أختي، وعلى مذهب الزمخشري أأنكحها وتحبين ذلك وهو استفهام تعجب من كونها تطلب أن يتزوج غيرها مع ما طبع عليه النساء من الغيرة ( فقلت: نعم) حرف جواب مقرّر لما سبق نفيًا أو إثباتًا ( لست لك بمخلية) بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وكسر اللام والباء زائدة في النفي أي لست خالية من ضرّة غيري.
قال في النهاية: المخلية التي تخلو بزوجها وتنفرد به أي لست لك بمتروكة لدوام الخلوة به وهذا البناء إنما يكون من أخليت ويقال: أخلت المرأة فهي مخلية فأما من خلوت فلا وقد جاء أخليت بمعنى
أخلوت، وقال ابن الأثير في موضع آخر: أي لم أجدك خاليًا من الزوجات غيري وليس من قولهم امرأة مخلية إذا خلت من الزوج ( وأحب) بفتح الهمزة والمهملة ( من شاركني) بألف بعد الشين ( في خير أختي) أحب مبتدأ وهو أفعل تفضيل مضاف إلى من ومن نكرة موصوفة أي وأحب شخص شاركني فجملة شاركني في محل جر صفة لمن، ويحتمل أن تكون موصولة والجملة صلتها، والتقدير أحب المشاركين لي في خير أختي وفي خير متعلق بشاركني وأختي الخبر، ويجوز أن تكون أختي المبتدأ وأحب خبر مقدم لأن أختي معرفة بالإضافة وأفعل لا يتعرف بها في المعروف.
قيل: والمراد بالخير صحبة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المتضمنة لسعادة الدارين الساترة لما لعله يعرض من الغيرة التي جرت بها العادة بين الزوجات وفي رواية هشام الآتية إن شاء الله تعالى وأحب من شركني فيك أختي قال في الفتح: فعرف أن المراد بالخير ذاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن ذلك) بكسر الكاف خطاب لمؤنث ( لا يحل لي) لأن فيه الجمع بين الأختين ( قلت فإنا نحدّث) بضم النون وفتح الحاء والدال ( إنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة) درة بضم الدال المهملة وتشديد الراء ( قال) عليه الصلاة والسلام ( بنت أم سلمة) مفعول مقدر أي أأنكح بنت أم سلمة أو تعنين ( قلت: نعم) وعدل عن قوله أبي سلمة إلى قوله أم سلمة توطئة لقوله: ( فقال: لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري) بفتح الحاء وقد تكسر واسم كان ضمير بنت أم سلمة وربيبتي خبرها وربيبة فعيلة بمعنى مفعول لأن زوج الأم يربها وقال القاضي عياض الربيبة مشتقة من الرب وهو الإصلاح لأنه يربها ويقوم بأمورها وإصلاح حاله ومن ظن من الفقهاء أنه مشتق من التربية فقد غلط لأن شرط الاشتقاق الاتفاق في الحروف الأصلية والاشتراك فيها فإن آخر رب باء موحدة وآخر ربي ياء مثناة تحتية وجواب لو قوله ( ما حلت لي) يعني لو كان بها مانع واحد لكفى في التحريم فكيف وبها مانعان وقوله في حجري تأكيد وراعى فيه لفظ الآية ولا مفهوم له عند الجمهور بل خرج مخرج الغالب وقد تمسك بظاهره داود الظاهري فأحل الربيبة البعيدة التي لم تكن في الحجر ( إنها لابنة أخي من الرضاعة) اللام في قوله لابنة هي الداخلة في خبر إن ( أرضعتني وأبا سلمة ثويبة) بضم المثلثة وفتح الواو وبعد التحتية الساكنة موحدة والجملة مفسرة لا محل لها من الإعراب ولا يجوز أن تكون بدلًا من خبر إن ولا خبرًا بعد الخبر لعدم الضمير.
وأبا سلمة معطوف على المفعول أو مفعول معه ( فلا تعرضن عليّ) بتشديد الياء ( بناتكن ولا أخواتكن) لا ناهية وتعرضن فعل مضارع والنون الخفيفة نون جماعة النسوة والفعل معها مبنيّ ومع أختيها الشديدة والخفيفة وشرط ابن مالك أن تكون مباشرة مثل لينبذن فن لم تكن مباشرة نحو ولا تتبعان فأما ترين وليسجننه فهو معرب والأكثرون على أن المؤكد بالنون مبني مطلقًا باشرته النون أم لم تباشره، وزعم آخرون أنه معرب مطلقًا باشرته أم لم تباشره، والصحيح التفصيل الذي اختاره ابن مالك من جهة القياس، وتعرضن هنا بفتح الفوقية وسكون العين والضاد المعجمة بينهما راء مكسورة وآخره نون خفيفة كذا في الفرع بناء على أنه لم يتصل به نون تأكيد وإنما اتصل بالفعل نون جماعة المؤنث فإن روي فلا تعرضن بضم الضاد فالخطاب للمذكرين لأنه لو كان
لمؤنثات لكان فلا تعرضنان لأنه يجتمع ثلاث نونات فيفرق بينها بالألف ومتى قدر أنه اتصل به ضمير جماعة المذكرين فتغليبًا لهم في الخطاب على المؤنثات الحاضرات فأصله لا تعرضونن فاستثقل اجتماع ثلاث نونان فحذف نون الرفع فالتقى ساكنان فحذفن الواو لاعتلالها وبقي النون المشددة لصحتها وإن كان الخطاب لأم حبيبة وحدها فبكسر الضاد وتشديد النون.
وقال القرطبي جاء بلفظ الجمع وإن كانت القصة لاثنتين وهما أم حبيبة وأم سلمة ردعًا وزجرًا أن تعود واحدة منهما أو غيرهما إلى مثل هذا.

( وقال غيره) بن الزبير بالإسناد السابق ( وثويبة) المذكورة ( مولاة لأبي لهب) واختلف في إسلامها قال أبو نعيم لا نعلم أحدًا ذكر إسلامها غير ابن منده ( كان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) معطوف على أعتقها وظاهره أن عتقه لها كان قبل إرضاعها والذي في السير أن أبا لهب أعتقها قبيل الهجرة وذلك بعد الإرضاع بدهر طويل ( فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله) في المنام قيل هو العباس ( بشرّ حيبة) بكسر الحاء المهملة وبعد التحية الساكنة موحدة والباء في بشر باء المصاحبة وهي باء الحال أي متلبسًا بسوء حال أو كائنًا به وهذه الرؤية حلمية فتتعدّى إلى مفعولين كالعلمية عند ابن مالك وموافقيه فبعض المرفوع قائم مقام المفعول الأول والثاني المتصل به، وقيل يتعدى لواحد فيكون تعدّيه هنا إلى اثنين بالنقل بالهمزة ولا بد من تقدير في المنام وحذف للعلم به والجملة معترضة لا محل لها من الإعراب وعند المستملي كما قال في الفتح خيبة بفتح الخاء المعجمة أي في حالة خائبة من كل خير وعزاها في الفرع كأصله لغير الحموي والمستملي ( قال) ولأبي ذر فقال ( له) الرائي: ( ماذا لقيت) ؟ بعد الموت ( قال أبو لهب: لم ألق بعدكم خيرًا) كذا في الفرع بإثبات المفعول.
وقال في الفتح: إنه بحذفه في الأصول.
قلت: والذي في اليونينية هو الحذف، وقال ابن بطال: سقط المفعول من رواية البخاري ولا يستقيم الكلام إلا به، وفي رواية الإسماعلي لم ألق بعد رخاء ولعبد الرزاق عن معمر عن الزهري لم ألق بعدكم راحة ( غير أني سقيت) بضم السين مبنيًّا للمفعول ( في هذه) زاد عبد الرزاق وأشار إلى النقرة التي تحت إبهامه وغير نصب على الاستثناء ( بعتاقتي ثويبة) بفتح العين مصدر عتق يقال عتق يعتق بالكسر عتقًا وعتاقًا وعتاقة والمصدر هنا مضاف إلى الفاعل وثويبة مفعول للمصدر وفي رواية عبد الرزاق بعتقي.

قال في الفتح: وهو أوجه والوجه أن يقول بإعتاقي لأن المراد التخلص من الرقّ انتهى.

وتعقبه العيني فقال: هذا أخذه من كلام الكرماني فإنه قال: معناه التخلص من الرقيّة فالصحيح أن يقال بإعتاقي قال: وكلٌّ منهما لم يحرر كلامه فإن العتق والعتاقة والعتاق كلها مصادر من عتق العبد وقوله وهو أوجه غير موجه لأن العتق والعتاقة واحد في المعنى فكيف يقول: العتق أوجه؟ ثم قوله: والوجه أن يقول بإعتاقي لأن المراد التخلص من الرقّ كلام من ليس له وقوف على كلام القوم فإن صاحب المغرب قال: العتق الخروج من المملوكية وهو التخلص من الرقية وقد تقدم أن العتق يقوم مقام الإعتاق الذي هو مصدر أعتقه مولاه انتهى.

واستدلّ بهذا على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة وهو مردود بظاهر قوله: { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا} [الفرقان: 3] لا سيما والخبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدّثه به وعلى تقدير أن يكون موصولًا فلا يحتج به إذ هو رؤيا منام لا يثبت به حكم شرعي لكن يحتمل أن يكون ما يتعلق بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مخصوصًا من ذلك بدليل التخفيف عن أبي طالب المروي في الصحيح والله أعلم.