فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب نكاح المحرم

باب نِكَاحِ الْمُحْرِمِ
( باب نكاح المحرم) بالحج أو العمرة أو بهما هل يجوز أم لا؟ والذي ذهب إليه الشافعية الثاني سواء كان الإحرام صحيحًا أو فاسدًا لحديث مسلم عن أبان بن عثمان بن عفان عن أبيه مرفوعًا: المحرم لا ينكح ولا ينكح فيبطل النكاح بحرام أحد الزوجين أو العاقدين من ولي ولو حاكمًا، وتنتقل الولاية للحاكم لا للأبعد إذ الإحرام لا يسلب الولاية لبقاء الرشد والنظر، وإنما يمنع النكاح كما يمنعه إحرام الزوج والزوجة، ولو أحرم الولي أو الزوج فعقد وكيله الحلال لم يصح لأن الوكيل سفير محض، فكان كالعاقد الموكل ولو أحرم السلطان أو القاضي فلخلفائه أن يزوجوه لأن تصرفهم بالولاية لا بالوكالة كما جزم به الخفاف وصححه الروياني، وقيل هذا في السلطان لا في القاضي لأن خلفاءه لا ينعزلون بموته وانعزاله بخلاف خلفاء القاضي ويصح بشهادة المحرم لأنه ليس بعاقد ولا معقود ولو راجع امرأته وهو محرم صح لأنها استدامة كالإمساك في دوام النكاح لا ابتداء عقد، وفي انعقاد النكاح ابتداء من المحرم بين التحللين قولان صحّح الرافعي الصحة لأنه من المحرمات التي لا توجب تعاطيها إفسادًا فأشبهت الحلق وصحح النووي البطلان لأنه محرم.
وقال الحنفية: يجوز تزويج المحرم والمحرمة حالة الإحرام دون الوطء ولو كان المزوّج لها محرمًا قالوا: وهو قول ابن مسعود وابن عباس وأنس بن مالك وجمهور التابعين إذ هو عقد معاوضة والمحرم غير ممنوع منه كشراء الجارية للتسري، ولو جعل عقد النكاح بمنزلة ما هو المقصود به وهو الوطء لكان تأثيره في إيجاب الجزاء أو فساد الإحرام لا في بطلان النكاح، وحديث عثمان ضعيف قاله البخاري، لأن في إسناده بيّنة ابن وهب ولا يلزم حجة.
ولئن صح فهو محمول على الوطء لأنه الحقيقة أي لا يطأ المحرم واستدلوا لذلك بحديث الباب وهو ما رويناه بالسند إلى البخاري قال.


[ قــ :4841 ... غــ : 5114 ]
- حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو وحَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ
قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- تَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُحْرِمٌ.

( حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد النهدي الكوفي قال: ( أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا ( ابن عيينة) سفيان قال: ( أخبرنا عمرو) بفتح العين ابن دينار قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا ( جابر بن زيد) أبو الشعثاء ( قال: أنبأنا) ولأبي ذر أخبرنا ( ابن عباس -رضي الله عنهما-) قال: ( تزوّج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو) أي والحال أنه ( محرم) بعمرة القضية، وسبق في أواخر الحج من طريق الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس تزوّج ميمونة وهو محرم، وسبق أيضًا في عمرة القضاء من رواية عكرمة بلفظ حديث الأوزاعي.
وزاد: وبنى بها وهو حلال وهذا قد عدّ من خصائصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أن أكثر الروايات أنه تزوجها وهو حلال، وعند مسلم عن يزيد بن الأصم قال: حدّثتني ميمونة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تزوجها وهو حلال.
قال: وكانت خالتي وخالة ابن عباس.
وعند الترمذي وابن خزيمة وابن حبان عن أبي رافع في صحيحهما أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تزوج ميمونة وهو حلال وبني بها وهو حلال.
وكنت أنا الرسول بينهما.

وقرأت في كتاب المعرفة للبيهقي بسنده إلى الشافعي قال: أخبرنا مالك عن ربيعة عن سليمان بن يسار أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث أبا رافع مولاه ورجلًا من الأنصار فزوّجاه ميمونة بنت الحارث وهو بالمدينة قبل أن يخرج، وقد ردّ الشافعي بذلك رواية ابن عباس الأولى، واحتج على المخالف بحديث عثمان السابق الثابت، وبأن عثمان كان غير غائب عن نكاح ميمونة وبأن ابن أختها يزيد بن الأصم يقول: نكحها حلالًا ومعه سليمان بن يسار عتيقها أو ابن عتيقها وخبر اثنين أكثر من خبر واحد مع رواية عثمان التي هي أثبت من هذا كله.
ولئن سلمنا أن الخبرين تكافآ، نظرنا فيما فعل أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعده، وقد رأينا عمر وزيد بن ثابت يردّان نكاح المحرم ويقول ابن عمران: المحرم لا يَنكَح ولا يُنكَح ولا أعلم من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مخالفًا لذلك، وقد روينا عن الحسن أن عليًّا قال: من تزوج وهو محرم نزعنا منه امرأته ولم نجز نكاحه انتهى.
ملخصًا من كتاب المعرفة.

وهذا الحديث سبق في كتاب الحج في باب تزويج المحرم، والظاهر من صنيع البخاري الجواز كالحنفية.