فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب النظر إلى المرأة قبل التزويج

باب النَّظَرِ إِلَى الْمَرْأَةِ قَبْلَ التَّزْوِيجِ
( باب) استحباب ( النظر إلى المرأة) والمرأة إلى الرجل ( قبل التزويج) والخطبة لحديث المغيرة
عند الترمذي وحسنه والحاكم وصححه أنه خطب امرأة فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكم" أي تدوم بينكما المودة والألفة وأن يكون بعد العزم وقبل الخطبة لحديث أبي داود إذا ألفى امرؤ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها وإنما اعتبر ذلك قبل الخطبة لأنه لو كان بعد فلربما أعرض عنها فيؤذيها.
وقيد ابن عبد السلام استحباب النظر بمن يرجو رجاءً ظاهرًا أنه يجُاب إلى خطبته دون غيره ولكلٍّ أن ينظر إلى الآخر وإن لم يأذن له اكتفاء بإذن الشارع سواء خشي فتنة أم لا، والمنظور غير العورة المقررة في شروط الصلاة فينظر الرجل من الحرّة الوجه والكفّين لأن الوجه يدل على الجمال والكفّين على خصب البدن، وينظر من الأمة ما عدا ما بين السرة والركبة وهما ينظرانه منه، والنووي إنما حرم نظر ذلك بلا حاجة مع أنه ليس بعورة لخوف الفتنة وهي غير معتبرة هنا فإن لم يتيسر نظره إليها بعث امرأة تتأملها وتصفها له لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث أم سليم إلى امرأة وقال: "انظري عرقوبيها وشمي عوارضها".
رواه الحاكم وصححه والعوارض الأسنان التي في عرض الفم وهي ما بين الثنايا والأضراس وذلك لاختبار النكهة فإن لم تعجبه سكت ولا يقول لا أريدها لأنه إيذاء.


[ قــ :4849 ... غــ : 5125 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رَأَيْتُكِ فِي الْمَنَامِ يَجِيءُ بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقَالَ لِي: هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَكَشَفْتُ عَنْ وَجْهِكِ الثَّوْبَ، فَإِذَا أَنْتِ هِيَ»، فَقُلْتُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ.

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا حماد بن زيد عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( رأيتك في المنام) ولأبي ذر: أريتك بتقديم الهمزة على الراء مضمومة ( يجيء بك الملك) جبريل ( في سرقة) بفتح الراء أي قطعة ( من حرير فقال لي: هذه امرأتك فكشفت عن وجهك الثوب) أي عن وجه صورتك ( فإذا أنت هي) أي فإذا أنت الآن تلك الصورة أو كشفت عن وجهك عندما شاهدتك فإذا أنت مثل الصورة التي رأيتها في المنام.
وهو تشبيه بليغ حيث حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، ولأبي ذر عن الكشميهني: فإذا هي أنت ( فقلت إن يكُ هذا) الذي رأيته ( من عند الله يمضه) وزاد في رواية في أوائل النكاح بعد قوله: رأيتك في المنام مرتين.
واستدلّ به على تكرار النظر عند الحاجة إليه ليتبين الهيئة فلا يندم بعد النكاح.
قال الزركشي ولم يتعرضوا لضبط التكرار ويحتمل تقديره بثلاث قال: وفي خبر عائشة الذي ترجم عليه البخاري الرؤيا قبل الخطبة أريتك ثلاث ليال.

وقال ابن المنير: الاستشهاد بنظره عليه الصلاة والسلام إلى عائشة قبل تزوجها لا يستثبت لوجهين.
أحدهما: أن عائشة كانت حين الخطبة ممن ينظر إليها لطفوليتها إذ كانت بنت خمس سنين وشيء ومثل هذا السن لا عورة فيه البتة، والثاني: أن رؤيته لها كانت منامًا أتاه بها
جبريل عليه السلام في سرقة من حرير أي تمثالها وحكم المنام غير حكم اليقظة انتهى.

وتعقبه فى المصابيح فقال: فيه نظر فتأمله انتهى.

ووجه النظر أن رؤيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في النوم كاليقظة فإن رؤيا الأنبياء وحي.

وقد سبق الحديث والجواب عن قوله: إن يك من عند الله يمضه في أوائل النكاح في باب نكاح الأبكار.




[ قــ :4850 ... غــ : 516 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُ لأَهَبَ لَكَ نَفْسِي فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ.
فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا.
فَقَالَ: «وَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ»؟ قَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا».
فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا وَجَدْتُ شَيْئًا.
قَالَ: «انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ».
فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلاَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي قَالَ: سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ».
فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلَسُهُ، ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ»؟ قَالَ: مَعِي سُورَةَ كَذَا وَسُورَةَ كَذَا وَسُورَةَ كَذَا، عَدَّدَهَا، قَالَ: «أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ».
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: «اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ».

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: ( حدّثنا يعقوب) بن عبد الرحمن ( عن أبي حازم) سلمة بن دينار ( عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين ( أن امرأة جاءت رسول الله) ولأبي ذر إلى رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي) أي أن تتزوجني بلا مهر وقد عدّ هذا من خصائصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فنظر إليها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصعد النظر) بتشديد بالعين أي رفعه ( إليها وصوّبه) بتشديد الواو خفضه ( ثم طأطأ رأسه فلما رأت المرأة أنه) عليه الصلاة والسلام ( لم يقضِ فيها شيئًا جلست.
فقام رجل من أصحابه فقال: أي رسول الله إن لم تكن)
بالفوقية ( لك بها حاجة فزوّجنيها) لم يقل هبنيها لما ذكر أن ذلك من خصائصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المراد حقيقة الهبة لأن الحرّ لا يملك نفسه ( فقال) عليه الصلاة والسلام له:
( وهل عندك من شيء) تصدقها ( قال: لا والله يا رسول الله قال: اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئًا؟ فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئًا قال: انظر ولو) كان الذي تجده ( خاتمًا من حديد) فأصدقها إياه فإنه سائغ ( فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا)
وجدت ( خاتمًا من حديد) ولأبي ذر ولا خاتم بالرفع أي ولا حضر خاتم من حديد ( ولكن هذا إزاري قال سهل: ماله رداء فلها نصفه) صداقًا ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما تصنع) ؟ هي ( بإزارك إن لبسته) ؟ أنت ( لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته) هي ( لم يكن عليك شيء) وللكشميهني منه شيء ( فجلس الرجل حتى طال مجلسه) بفتح اللام مصححًا عليها في الفرع كأصله ( ثم قام فرآه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- موليًا فأمر به فدعي فلما جاء قال) له: ( ماذا معك من القرآن؟ قال: سورة كذا وسورة كذا وسورة كذا) ثلاث مرات.
ونصب سورة في الثلاث في اليونينية وفرعها فقط وبالرفع أيضًا في غيرهما ( عدّدها) ولأبي ذر عادّها بألف بعد العين فدال مشدّدة فهاء وسبق تعيينها ( قال: أتقرؤهن عن ظهر قلبك) أي من حفظك ( قال: نعم.
قال: اذهب فقد ملّكتكها بما معك من القرآن)
وفي رواية الأكثرين زوّجتكها بدل ملّكتكها وقال في المصابيح: الباء للسببية فيكون هذا نكاح تفويض انتهى.

والتفويض ضربان تفويض مهر بأن تقول المرأة للولي زوّجنيه بما شاء أو بما شئت وتفويض بضع وهو أن تقول زوّجنيه بلا مهر فزوّجها نافيًا للمهر وساكتًا عنه وجب لها مهر المثل بالوطء لأن الوطء لا يُباح بالإباحة لما فيه من حق الله تعالى أو بموت أحدهما قبل الوطء والفرض لأنه كالوطء في تقرير المسمى، فكذا في إيجاب مهر المثل في التفويض، ولأن بروع بنت واشق نكحت بلا مهر، فمات زوجها قبل أن يفرض لها فقضى لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمهر نسائها وبالميراث.
رواه أبو داود.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقال المالكية: تستحق المفوّضة الصداق بالوطء لا بالعقد ولا بالموت أو الطلاق سواء مات هو أو هي وهو المشهور إلا أن يفرض وترضى فيشطر المفروض بالطلاق قبل البناء.
قال ابن عبد السلام: وهو ظاهر أن فرض صداق المثل أو دونه ورضيت به، وقال الحنابلة: بالعقد.
وسقط قوله: فلما رأت المرأة الخ للحموي، وقال: بعد قوله ثم طأطأ رأسه وذكر الحديث كله.