فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب تزويج اليتيمة "

باب تَزْوِيجِ الْيَتِيمَةِ، لِقَوْلِهِ: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا}
إِذَا قَالَ لِلْوَلِيِّ زَوِّجْنِي فُلاَنَةَ فَمَكِثَ سَاعَةً أَوْ قَالَ: مَا مَعَكَ؟ فَقَالَ: مَعِي كَذَا وَكَذَا أَوْ لَبِثَا ثُمَّ قَالَ: زَوَّجْتُكَهَا فَهْوَ جَائِزٌ.
فِيهِ سَهْلٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
( باب تزويج اليتيمة) التي مات أبوها ولم تبلغ ( لقوله) تعالى: ( { وإن} ) بالواو ولأبي ذر:
فإن ( { خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى} ) الذين مات آباؤهم فانفردوا عنهم واليتم الانفراد ( { فانكحوا} ) [النساء: 3] الآية.

قال في الكشاف، فإن قلت: كيف جمع اليتيم وهو فعيل كمريض على يتامى؟ قلت: فيه وجهان أن يجمع على يتمى كأسرى لأن اليتم من وادي الآفات والأوجاع فعلى على فعالى كأسارى، ويجوز أن يجمع على فعائل لجري اليتيم مجرى بالأسماء نحو صاحب وفارس، فيقال يتائم ثم يتامى على القلب، وحق هذا الاسم أن يقع على الصغار والكبار لبقاء معنى الانفراد عن الآباء إلا أنه قد غلب أن يسموا به قبل أن يبلغوا مبلغ الرجال فإذا استغنوا بأنفسهم عن قائم عليهم وانتصبوا كفاة يكفلون غيرهم ويقومون عليهم زال عنهم هذا الاسم، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: لا يتم بعد الحلم فما هو إلا تعليم شريعة لا لغة يعني إذا احتلم لم تجرِ عليه أحكام الصغار انتهى.

( وإذا قال) الخاطب: ( للولي زوجني) موليتك ( فلانة فمكث ساعة) بضم الكاف وفتحها ثم زوجه ( أو قال) الولي للخاطب: ( ما معك) تمهرها إياه ( فقال: معي كذا وكذا) أو تخلل كلام نحو ذلك بين الإيجاب والقبول ( أو لبثا) كلاهما بعد قوله للولي: زوجني ( ثم قال) الولي: ( زوجتكها فهو جائز) في الصور بالثلاث ولا يضر ذلك لاتحاد المجلس.

( فيه سهل عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يعني في صفة الواهبة السابقة مرارًا، لكن في استخراج الحكم المذكور منها نظر لأنها واقعة عين يطرقها احتمال أن يكون قبل عقب الإيجاب، ومذهب الشافعية اشتراط القبول فورًا فلا يضر فصل يسير، فلو حمد الله الولي وصلى على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأوصى بتقوى الله، ثم قال: زوجتك فلانة فقال الزوج: الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وأوصى بتقوى الله ثم قبل النكاح صح، ولا يضر هذا الفصل لأن المتخلل مقدمة القبول فلا يقطع الموالاة بينهما والخطبة من الأجنبي كهي ممن ذكر فيحصل بها الاستحباب ويصح معها العقد فإن طال الذكر الفاصل بين الإيجاب والقبول أو تخلل بينهما كلام يسير أجنبي عن العقد لم يتعلق به ولم يستحب بطل العقد لإشعاره بالإعراض.


[ قــ :4863 ... غــ : 5140 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ.

     وَقَالَ  اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَ لَهَا: يَا أُمَّتَاهْ { وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} -إِلَى- { مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا ابْنَ أُخْتِي هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا فَيَرْغَبُ فِي جَمَالِهَا وَمَالِهَا وَيُرِيدُ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ صَدَاقِهَا فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: اسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} -إِلَى- { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ} فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ فِي هَذِهِ الآيَةِ، أَنَّ الْيَتِيمَةَ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ مَالٍ وَجَمَالٍ رَغِبُوا فِي نِكَاحِهَا وَنَسَبِهَا وَالصَّدَاقِ، وَإِذَا كَانَتْ مَرْغُوبًا عَنْهَا فِي قِلَّةِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ تَرَكُوهَا وَأَخَذُوا غَيْرَهَا مِنَ
النِّسَاءِ، قَالَتْ: فَكَمَا يَتْرُكُونَهَا حِينَ يَرْغَبُونَ عَنْهَا، فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْكِحُوهَا إِذَا رَغِبُوا فِيهَا إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهَا وَيُعْطُوهَا حَقَّهَا الأَوْفَى مِنَ الصَّدَاقِ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم ( وقال الليث) بن سعد الإمام فيما سبق موصولًا في باب الأكفاء في المال ( حدَّثني) بالإفراد ( عقيل) بضم العين مصغرًا ( عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: ( أخبرني) بالإفراد ( عروة بن الزبير) بن العوّام ( أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- قال لها: يا أمتاه { وإن} ) بالواو ولأبي ذر فإن ( { خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى} -إلى- { ما} ) ولأبي ذر إلى قوله ما ( { ملكت أيمانكم} قالت عائشة: يا ابن أختي) أسماء بنت أبي بكر ( هذه اليتيمة تكون في حجر وليها) زاد في التفسير تشركه في ماله ( فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن ينتقص من) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في ( صداقها فنهوا) بضم النون والهاء ( عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق) أسوة أمثالهن ( وأمروا بنكاح من سواهن) من سوى اليتامى ( من النساء قالت عائشة: استفتى) ولأبي ذر: فاستفتى ( الناس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك) أي بعد نزول آية { وإن خفتم} ( فأنزل الله) تعالى: ( { ويستفتونك في النساء} -إلى- { وترغبون} ) ولأبي ذر إلى قوله: { وترغبون} ( { أن تنكحوهن} ) [النساء: 127] سقط أن تنكحوهن لغير أبي ذر ( فأنزل الله لهم في هذه الآية أن اليتيمة إذا كانت ذات مال وجمال رغبوا في نكاحها ونسبها والصداق) الذي هو غير صداق مثلها ( وإذا كانت مرغوبًا عنها في قلة المال والجمال تركوها) فلم يتزوجوها ( وأخذوا غيرها من النساء.
قالت)
عائشة: ( فكما يتركونها) أي اليتيمة ( حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق) .

وهذا المتن لفظ رواية أبي شعيب وفيه دلالة على أن للولي غير الأب أن يزوج التي دون البلوغ بكرًا كانت أو ثيبًا لأن اليتيمة هي التي دون البلوغ ولا أب لها بكرًا كانت أو ثيبًا وقد أذن في نكاحها شرط أن لا يبخس من صداقها وقد اختلف في ذلك فقال أصحاب أبي حنيفة: يصح النكاح ولها الخيار إذا بلغت في فسخ النكاح وإجازته.
وقال الشافعي: باطل لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "اليتيمة تستأمر" واليتيمة كما مر اسم للصغيرة التي لا أب لها وهي قبل البلوغ لا عبرة بإذنها وكأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شرط بلوغها فمعناه لا تنكح حتى تبلغ فتستأمر، وعند الترمذي وقال: حسن صحيح لا تنكحوا اليتامى حتى تستأمروهن والله أعلم.