فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: الوليمة حق

باب الْوَلِيمَةُ حَقٌّ
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ».

هذا ( باب) بالتنوين ( الوليمة) وهي الطعام المتخذ للعرس ( حق) أي ثابت في الشرع وهل هي واجبة أو سُنة؟ فعند الشافعية أنها واجبة على النص وإليه ذهب ابن خيران لقوله عليه السلام لعبد الرحمن: أولم ولأنه عليه السلام لم يتركها في سفر ولا حضر وقيل فرض على الكفاية إذا فعلها واحد أو اثنان في الناحية أو القبيلة وشاع وظهر سقط الفرض عن الباقين والأصح أنها سُنّة والترجمة لفظ حديث مرفوع أخرجه الطبراني.

( وقال عبد الرحمن بن عوف) فيما وصله في البيع ( قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما تزوجت: ( أولم ولو بشاة) والأمر للندب قياسًا على الأضحية ونقل القرطبي الوجوب في رواية في مذهب مالك وقال: إن مشهور المذهب أنها مندوبة.


[ قــ :4888 ... غــ : 5166 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ مَقْدَمَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ، فَكَانَ أُمَّهَاتِي يُوَاظِبْنَنِي عَلَى خِدْمَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَخَدَمْتُهُ عَشْرَ سِنِينَ.
وَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، فَكُنْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِشَأْنِ الْحِجَابِ حِينَ أُنْزِلَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَا أُنْزِلَ فِي مُبْتَنَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، أَصْبَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَا عَرُوسًا فَدَعَا الْقَوْمَ فَأَصَابُوا مِنَ الطَّعَامِ، ثُمَّ خَرَجُوا وَبَقِيَ رَهْطٌ مِنْهُمْ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَطَالُوا الْمُكْثَ، فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ لِكَيْ يَخْرُجُوا، فَمَشَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَشَيْتُ حَتَّى جَاءَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُمْ خَرَجُوا فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ لَمْ يَقُومُوا، فَرَجَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَجَعْتُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ وَظَنَّ أَنَّهُمْ خَرَجُوا فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ فَإِذَا هُمْ قَدْ خَرَجُوا، فَضَرَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنِي وَبَيْنَهُ بِالسِّتْرِ، وَأُنْزِلَ الْحِجَابُ.

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة قال: ( حدّثني) بالإفراد ( الليث) بن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم العين وفتح القاف وسكون التحتية ابن خالد الأيلي ( عن ابن شهاب) الزهري أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( أنس بن مالك) -رضي الله عنه- ( أنه كان ابن عشر سنين مقدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بنصب مقدم على الظرفية أي زمان قدومه ( المدينة) في الهجرة ( فكان) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فكن ( أمهاتي) أي أمه وأخواتها ( يواظبنني) بالظاء المعجمة والموحدة الساكنة من المواظبة على الشيء وهو الاستمرار عليه، ولأبي ذر عن أبي الوقت يواطئنني بالطاء المهملة والتحتية مهموزة من المواطأة أي يحرّضنني ( على خدمة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فخدمته عشر سنين) زاد في الأدب والله ما قال لي أف قط ( وتوفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا ابن عشرين سنة فكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل) حكمه في آية الأحزاب ( وكان أول ما نزل) الحجاب ( في مبتنى) في زمان دخول ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بزينب بنت) ولغير أبي ذر ابنة ( جحش) -رضي الله عنها- ( أصبح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بها عروسًا فدعا القوم) لوليمتها ( فأصابوا من الطعام ثم خرجوا وبقي رهط) ما بين الثلاثة إلى العشرة ولم يسموا ( منهم عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأطالوا المكث) يتحدّثون في البيت ( فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا فمشى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومشيت) معه ( حتى جاء عتبة حجرة عائشة ثم ظن أنهم خرجوا فرجع ورجعت معه حتى إذا دخل على زينب فإذا هم) أي النفر ( جلوس لم يقوموا فرجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورجعت معه حتى إذا بلغ عتبة حجرة عائشة وظن أنهم خرجوا فرجع ورجعت معه، فإذا هم قد خرجوا فضرب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيني وبينه بالستر) بزيادة الموحدة ( وأنزل الحجاب) في آية: { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي} [الأحزاب: 53] الآية.

ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة واختلف في وقت الوليمة فقال ابن الحاجب من المالكية إنه بعد البناء.
قال الشيخ خليل في التوضيح: وهو ظاهر المذهب واستحبها بعض الشيوخ قبل البناء.

قال اللخمي وواسع قبله وبعده، ولمالك في العتبية لا بأس إن لم يولم قبل البناء وبعده، وقال ابن يونس: يستحب الإطعام عند عقد النكاح وعند البناء.
وقال الباجي: المختار منها يوم واحد، وقال ابن حبيب: وقد أبيح أكثر من يوم ويكره استدامة ذلك أيامًا انتهى.

وصرح الماوردي من الشافعية بأنها عند الدخول وحديث الباب صريح في أنها بعده لقوله فيه أصبح عروسًا بزينب فدعا القوم.

وهذا الحديث سبق قريبًا.