فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب هل يرجع إذا رأى منكرا في الدعوة

باب هَلْ يَرْجِعُ إِذَا رَأَى مُنْكَرًا فِي الدَّعْوَةِ؟
وَرَأَى ابْنُ مَسْعُودٍ صُورَةً فِي الْبَيْتِ فَرَجَعَ وَدَعَا ابْنُ عُمَرَ أَبَا أَيُّوبَ فَرَأَى فِي الْبَيْتِ سِتْرًا عَلَى الْجِدَارِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ غَلَبَنَا عَلَيْهِ النِّسَاءُ، فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ أَخْشَى عَلَيْهِ فَلَمْ أَكُنْ أَخْشَى عَلَيْكَ، وَاللَّهِ لاَ أَطْعَمُ لَكُمْ طَعَامًا فَرَجَعَ
هذا ( باب) بالتنوين ( هل يرجع) المدعوّ ( إذا رأى) شيئًا ( منكرًا في) مجلس ( الدعوة) كفرش الحرير في دعوة اتخذت للرجال وفرش جلود نمر بقي وبرها كما قاله الحليمي وغيره.

( ورأى ابن مسعود) عبد الله ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري ( صورة في البيت) الذي دعي إليه للوليمة ( فرجع) ويحتمل أن يكون وقع لكلٍّ من عبد الله بن مسعود ولأبي مسعود عقبة ذلك وأثر أبي مسعود عقبة وصله البيهقي بسند صحيح، وأما أثر ابن مسعود عبد الله فقال: في الفتح لم أقف عليه.

( ودعا ابن عمر) فيما وصله أحمد في كتاب الورع ومسدد في مسنده ومن طريقه الطبراني ( أبا أيوب) خالد بن زيد الأنصاري إلى وليمة عرس ابنه سالم فجاء ( فرأى في البيت سترًا على الجدار) فأنكر على عبد الله بن عمر ( فقال ابن عمر: غلبنا) بفتحات ( عليه) أي على وضع الستر على الجدار ( النساء) يا أبا أيوب ( فقال) أبو أيوب ( من كنت أخشى عليه) .
قال الكرماني: أي إن كنت أخشى على أحد يعمل في بيته مثل هذا المنكر ( فلم أكن أخشى عليك) ذلك ( والله لا أطعم لكم طعامًا فرجع) وقد اختلف في ستر البيوت والجدران فجزم جمهور الشافعية بالكراهة ويشهد له أثر ابن عمر هذا إذ لو كان حرامًا ما قعد الذين قعدوا من الصحابة ولا فعله ابن عمر، فيحمل فعل أبي أيوب على كراهة التنزيه جمعًا بين الفعلين، ويحتمل أن يكون أبو أيوب كان يرى التحريم والذين قعدوا ولم ينكروا يرون الإباحة، وقد صرح الشيخ أبو نصر المقدسي من الشافعية بالتحريم لحديث مسلم عن عائشة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين" وتعقب بأنه ليس في السياق ما يدل على التحريم وإنما فيه نفي الأمر بذلك ونفي الأمر لا يستلزم ثبوت النهي نعم عند أبي داود من حديث ابن عباس ولا تستروا الجدر بالثياب.


[ قــ :4904 ... غــ : 5181 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا بَالُ هَذِهِ النِّمْرِقَةِ»؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ،.

     وَقَالَ : إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ الْمَلاَئِكَةُ».

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس ( قال: حدّثني) بالإفراد ( مالك) الإمام الأعظم ( عن نافع) مولى ابن عمر ( عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ( عن) عمته ( عائشة) -رضي الله عنها- ( زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها أخبرته أنها اشترت نمرقة) بنون وراء مضمومتين بينهما ميم ساكنة وبعد الراء قاف وفي اليونينية بكسر النون والراء وسادة صغيرة ( فيها تصاوير) أي تماثيل حيوان ( فلما رآها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قام على الباب فلم يدخل) زاد في ذكر الملائكة وجعل يتغير وجهه ( فعرفت في وجهه الكراهية) بكسر الهاء بعدها تحتية مخففة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي الكراهة بفتح الهاء وإسقاط التحتية ( فقلت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( ما بال هذه النمرقة) ؟ ما شأنها فيها تماثيل ( قالت: فقلت: اشتريتها لك) بهمزة قطع مفتوحة في اليونينية ( لتقعد عليها وتوسدها) بحذف إحدى التاءين ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن أصحاب هذه الصور) الحيوانية الذين يصنعونها ( يعذبون يوم القيامة) على صنعها ( ويقال لهم) استهزاءً وتعجيزًا ( أحيوا) بهمزة قطع مفتوحة ( ما خلقتم.
وقال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( إن البيت الذي فيه الصور) الحيوانية ( لا تدخله الملائكة) الذين ليسوا حفظة إذ هم لا يفارقون المكلف وإنما لم يدخلوا لكون ذلك معصية فاحشة لما فيها من مضاهاة خلق الله.

وموضع الترجمة قولها قام على الباب فلم يدخل وهو أعم مقتضاه المنع من الدخول في المكان الذي فيه الصورة سواء كان فيه دعوة أم لا: ومحل المنع من ذلك إن لم يزل ذلك المنكر لأجل المدعوّ فإن كان يزول لأجله وجبت إجابته للدعوة وإزالة المنكر فإن لم يقدر على إزالته فليرجع وهل دخول البيت الذي فيه الصور الممنوعة حرام أو مكروه؟ وجهان، وبالتحريم قال الشيخ أبو حامد، وبالكراهة قال صاحب التقريب، والصيدلاني ورجحه الإمام والغزالي، ولا بأس بصور مبسوطة تُداس أو مخادّ يتكأ عليها أو ممتهنة بالاستعمال كقصعة وطبق أو كانت مرتفعة وقطع رأسها.