فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الوصاة بالنساء

باب الْوَصَاةِ بِالنِّسَاءِ
( باب الوصاة) بفتح الواو أي الوصية ( بالنساء) .


[ قــ :4909 ... غــ : 5185 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِي جَارَهُ» [الحديث 5185 - أطرافه في: 6018، 6136، 6138، 6475] .

وبه قال: ( حدّثنا إسحاق بن نصر) نسبه لجدّه واسم أبيه إبراهيم السعدي قال: ( حدّثنا حسين) بضم الحاء ولأبي ذر الحسين بزيادة الألف واللام أي ابن علي بن الوليد ( الجعفي) بضم الميم وسكون العين المهملة وبالفاء ( عن زائدة) بن قدامة ( عن ميسرة) ضدّ الميمنة ابن عمار الأشجعي ( عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة بفتح العين المهملة وتشديد الزاي ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) أي من كان يؤمن بالمبدأ والمعاد إيمانًا كاملًا ( فلا يؤذي جاره) .




[ قــ :4909 ... غــ : 5186 ]
- «وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا».

( واستوصوا) أي أوصيكم ( بالنساء خيرًا) فأقبلوا وصيتي فيهن كذا قرره البيضاوي لأن
الاستيصاء استفعال وظاهره طلب الوصية وليس هو المراد، وقال الطيبي: الأظهر أن السين للطلب مبالغة أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن بخير.
وقال في الكشاف: السين للمبالغة أي يسألون أنفسهم الفتح ويجوز أن يكون من الخطاب العام أي يستوصي بعضكم من بعض في حق النساء، ( فإنهن خلقن من ضلع) معوج فلا يتهيأ الانتفاع بهن إلا بمداراتهن والصبر على اعوجاجهن، والضلع استعير للمعوج أي خلقن خلقًا فيه اعوجاج فكأنهن خلقن من أصل معوج، وقيل أراد به أن أول النساء حوّاء خلقت من ضلع آدم ( وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه) ذكره تأكيدًا لمعنى الكسر أو ليبين أنها خلقت من أعوج أجزاء الضلع كأنه قال: خلقن من أعلى الضلع وهو أعوج، ويحتمل كما قال في الفتح: أن يكون ضرب ذلك مثلًا لأعلى المرأة لأن أعلاها رأسها وفيه لسانها وهو الذي يحصل منه الأذى، وسأل الكرماني فقال: فإن قلت العوج من العيوب فكيف يصح منه أفعل التفضيل؟ وأجاب بأنه أفعل الصفة أو أنه شاذ أو الامتناع عند الالتباس بالصفة فحيث يتميز عنه بالقرينة جاز البناء منه ( فإن ذهبت تقيمه) أي الضلع ( كسرته وإن تركته) ولم تقمه ( لم يزل أعوج) فيه الندب إلى مداراة النساء وسياستهن والصبر على عوجهن وأن مَن رام تقويمهن رام مستحيلًا وفاته الانتفاع بهن مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها ويستعين بها على معاشه قال:
هي الضلع العوجاء لست تقيمها ... ألا إن تقويم الضلوع انكسارها
أتجمع ضعفًا واقتدارًا على الهوى ... أليس عجيبًا ضعفها واقتدارها
فكأنه قال: الاستمتاع بها لا يتم إلا بالصبر عليها ( فاستوصوا) أي أوصيكم ( بالنساء خيرًا) فأقبلوا وصيتي واعملوا بها، قال الغزالي، وللمرأة على زوجها أن يعاشرها بالمعروف وأن يحسن خلقه معها قال: وليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها بل احتمال الأذى منها والحلم عن طيشها وغضبها اقتداء برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقد كان أزواجه يراجعنه الكلام وتهجره إحداهن إلى الليل قال: وأعلى من ذلك أن الرجل يزيد على احتمال الأذى بالمداعبة فهي التي تطيب قلوب النساء فقد كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمزح معهن وينزل إلى درجات عقولهن في الأعمال والأخلاق حتى روي أنه كان يسابق عائشة في العدو فسبقته يومًا فقال لها: هذه بتلك.




[ قــ :4910 ... غــ : 5187 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: كُنَّا نَتَّقِي الْكَلاَمَ وَالاِنْبِسَاطَ إِلَى نِسَائِنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَيْبَةَ أَنْ يُنْزَلَ فِينَا شَيْءٌ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَكَلَّمْنَا وَانْبَسَطْنَا.

وبه قال ( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: ( حدّثنا سفيان) الثوري ( عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: كنا نتقي) أي نتجنب ( الكلام) الذي يخشى منه العاقبة ( و) نتقي أيضًا ( الانبساط إلى نسائنا على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هيبة أن ينزل فينا شيء) من القرآن
بمنع أو تحريم وهيبة نصب مفعولًا لقوله نتقي وإن مصدرية أي نتقي لخوف النزول ( فلما توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تكلمنا وانبسطنا) إلى نسائنا تمسكًا بالبراءة الأصلية وفيه إشعار بأن الذي كانوا يتركونه كان من المباح والانبساط إليهن يحتمل أن يكون من جملة الوصاة بهن فيناسب الترجمة والله أعلم.

وهذا الحديث أخرجه ابن ماجة في الجنائز.