فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب العزل

باب الْعَزْلِ
وحديث الباب سبق في سورة النساء ( باب) حكم ( العزل) بعد الإيلاج لينزل منيه خارج الفرج تحرزًا من الولد وهو مكروه، وإن أذنت فيه المعزول عنها حرّة كانت أو أمة لأنه طريق إلى قطع النسل، ولذا روي العزل الوأد الخفي، رواه مسلم وخرج بالتحرّز عن الولد ما لو عنّ له أن ينزع ذكره قرب الإنزال لا للتحرز عن الولد فلا يكره، وقال النووي: قال أصحابنا لا يحرم في مملوكته ولا زوجته الأمة سواء رضيت أم لا لأن عليه ضررًا في مملوكته بأن تصير أم ولد يجوز بيعها، وفي زوجته الرقيقة بمصير ولده رقيقًا تبعًا لأمه أما زوجته الحرة فإن أذنت فيه لم يحرم وإلا فوجهان أصحهما لا يحرم، واستدلوا بحديث البخاري حيث قال:

[ قــ :4931 ... غــ : 5207 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
[الحديث 5207 - أطرافه في: 5208، 5209] .

( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان ( عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ( عن عطاء) هو ابن أبي رباح ( عن جابر) الأنصاري -رضي الله عنه- أنه ( قال: كنا نعزل) أي ننزل بعد الجماع خارج الفرج خوف الولد ( على عهد النبي) ولأبي ذر رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) على زمنه فالظاهر اطّلاعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقرّه فله حكم الرفع لتوفّر دواعيهم على سؤالهم إياه عن الأحكام فإن لم يضف إلى الزمن النبوي فله أيضًا حكم الرفع عند قوم والحديث من أفراده بهذا الوجه.




[ قــ :4931 ... غــ : 508 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ سَمِعَ جَابِرًا رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ.

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة.




[ قــ :4931 ... غــ : 509 ]
- وَعَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ.

( قال عمرو) هو ابن دينار ( أخبرني) بالإفراد ( عطاء) هو ابن أبي رباح أنه ( سمع جابرًا رضي الله عنه) أنه ( قال: كنا نعزل) بنون مفتوحة والزاي مكسورة ( والقرآن ينزل، وعن عمرو) أي ابن دينار ( عن عطاء عن جابر قال: كنا نعزل على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر عن الكشميهني كان يعزل بتحتية مضمومة بدل النون وفتح الزاي مبنيًّا للمفعول ( والقرآن) أي والحال أن القرآن ( ينزل) أي بتفاصيل الأحكام زاد في رواية إبراهيم بن موسى في روايته عن سفيان أنه قال حين روى هذا الحديث أي لو كان حرامًا لنزل فيه ولم يقل في هذه الرواية على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قال في
الفتح: وكان ابن عيينة حدّث به مرتين فمرة ذكر فيها الأخبار والسماع فلم يقل فيها على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومرة بالعنعنة فذكرها، وقد صرح جابر بوقوع ذلك على عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد وردت عدّة طرق مصرّحة باطّلاعه على ذلك، وفي مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر قال: كنا نعزل على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبلغ ذلك نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم ينهنا، ومن وجه آخر عن أبي الزبير عن جابر أن رجلًا أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إن لي جارية وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل فقال: "اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها" فلبث الرجل ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حبلت قال: "قد أخبرتك".




[ قــ :493 ... غــ : 510 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أَصَبْنَا سَبْيًا، فَكُنَّا نَعْزِلُ، فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَوَ إِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ»؟ قَالَهَا ثَلاَثًا «مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلاَّ هِيَ كَائِنَةٌ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن محمد بن أسماء) بن عبيد بن مخراق البصري قال: ( حدّثنا جويرية) بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري وهو عم عبد الله السابق ( عن مالك بن أنس) الإمام ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن ابن محيريز) بالحاء المهملة والراء والزاي مصغرًا عبد الله الجمحي ( عن أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- أنه ( قال: أصبنا سبيًّا) أي جواري أخذناها من الكفار أُسراء في غزوة بني المصطلق، وفي رواية ربيعة في المغازي فسبينا كرائم العرب وطالت علينا الغربة ( فكنا نعزل) عنهن كراهة مجيء الولد من الأمة أنفة أو خوف تعذر بيع الأمة إذا صارت أم ولد أو فرارًا من كثرة العيال إذا كان مقلاًّ فيرغب في قلة الولد لئلا يتضرر بتحصيل الكسب أو غير ذلك وزاد ربيعة فقلنا نفعل ذلك ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أظهرنا لا نسأله ( فسألنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) عليه الصلاة والسلام:
( أو أنكم) بفتح الهمزة والواو ( لتفعلون) العزل المذكور ( قالها ثلاثًا) وظاهره أنه عليه الصلاة والسلام ما كان اطّلع على فعلهم ذلك.
واستشكل مع قولهم أن الصحابي إذا قال: كنا نفعل كذا على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يكون مرفوعًا لأن الظاهر إطلاعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وأجيب: بأن دواعيهم -رضي الله عنهم- كانت متوفرة على سؤاله عن أمور الدين فإذا عملوا الشيء وعلموا أنه لم يطلع عليه بادروا إلى السؤال عن الحكم فيه فيكون الظهور من هذه الحيثية قاله فى الفتح.
( ما من نسمة) أي نفس ( كائنة) أي قدّر كونها ( إلى يوم القيامة إلا هي كائنة) سواء عزلتم أو لا فلا فائدة في عزلكم فإنه إن كان الله قدّر خلقها سبقكم الماء فلا ينفعكم الحرص، وقد خلق الله آدم من غير ذكر ولا أُنثى وخلق حوّاء من ضلع منه وعيسى من غير ذكر، وعند أحمد والبزار وصححه ابن حبان من حديث أنس أن رجلًا سأل عن العزل فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لو أن الماء الذي أهرقته على صخرة لأخرج الله منها ولدًا".
وقول ابن عبد البر لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها لأن الجماع من حقها ولها المطالبة به، وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل مردود بما سبق من
الخلاف، وبأن المرأة لا حق لها في الجماع أصلًا.
واحتج للمانعين بحديث عمر عند ابن ماجة نهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها، وفي إسناده ابن لهيعة، وجزم بعض الشافعية بالمنع إذا امتنعت، واتفقت المذاهب الثلاثة على أنه لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها وأن الأمة يعزل عنها بغير إذنها.

قال في الفتح: وينتزع من حكم العزل حكم معالجة المرأة إسقاط النطفة قبل نفخ الروح، فمن قال: بالمنع هناك ففي هذا أولى، ومن قال بالجواز يمكن أن يلتحق به هذا، ويمكن أن يفرق بأنه أشد لأن العزل لم يقع فيه تعاطي السبب ومعالجة السقط تقع بعد تعاطي السبب، ويلتحق بهذه المسألة تعاطي المرأة ما يقطع الحبل من أصلبه وقد أفتى بعض متأخري الشافعية بالمنع وهو مشكل على القول بإباحة العزل مطلقًا.

وهذا الحديث سبق في البيوع.