فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الغيرة

باب الْغَيْرَةِ.
.

     وَقَالَ  وَرَّادٌ عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفِحٍ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي»
( باب الغيرة) بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به الاختصاص وأشد ذلك ما يكون بين الزوجين.

( وقال وراد) بفتح الواو والراء المشددة وبعد الألف دال مهملة مولى المغيرة وكاتبه فيما وصله المؤلّف مطولًا في الحدود ( عن المغيرة) بن شعبة أنه قال: ( قال سعد بن عبادة) الخزرجي الساعدي: ( لو رأيت رجلًا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح) بضم الميم وسكون الصاد المهملة وفتح الفاء وكسرها أي غير ضارب بعرضه بل بحده للقتل والإهلاك لا بعرضه للزجر والإرهاب، قال القاضي عياض: فمن فتح جعله وصفًا للسيف وحالًا منه، ومن كسر جعله وصفًا للضارب وحالًا منه وفي حديث ابن عباس عند أحمد واللفظ له وأبي داود والحاكم لما نزلت هذه الآية { والذين يرمون المحصنات} [النور: 4] الآية قال سعد بن عبادة: أهكذا أنزلت فلو وجدت لكاع يفتخذها رجل لم يكن لي أن أحركه ولا أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء فوالله لا آتي بأربعة شهداء حتى يقضي حاجته فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم"؟ قالوا: يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور والله ما تزوّج امرأة قط إلا عذراء ولا طلق امرأة قط فاجترأ رجل منا أن يتزوّجها من شدّة غيرته فقال سعد: والله إني
لأعلم يا رسول الله إنه لحق وإنها من عند الله ولكني عجبت ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( تعجبون من غيرة سعد) بهمزة الاستفهام الاستخباري أو الإنكاري أي لا تعجبوا من غيرة سعد ( لأنا أغير منه) بلام التأكيد ( والله أغير مني) وغيرته تعالى: تحريمه الفواحش والزجر عنها والمنع منها لأن الغيور هو الذي يزجر عما يغار عليه.


[ قــ :4942 ... غــ : 5220 ]
- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ، وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ».

وبه قال: ( حدّثنا عمر بن حفصر) قال: ( حدّثنا أبي) هو حفص بن غياث قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران ( عن شفيق) أبي وائل بن سلمة ( عن عبد الله بن مسعود) -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( ما من أحد أغير من الله) ما يجوز أن تكون حجازية فأغير منصوب على الخبر وأن تكون تميمية فأغير مرفوع ومن زائدة على اللغتين للتأكيد ويجوز إذا فتحت الراء من أغير أن تكون في موضع خفض على الصفة لأحد على اللفظ وإذا رفعت أن تكون صفة له على الموضع وعليهما فالخبر محذوف تقديره موجود وقد أولوا الغيرة من الله بالزجر والتحريم كما مر ولذا قال: ( من أجل ذلك) أي من أجل أن الله أغير من كل أحد ( حرم الفواحش) كل ما اشتد قبحه من المعاصي، وقال ابن العربي: التغير محُال على الله تعالى بالدلالة القطعية فيجب تأويله كالوعيد وإيقاع العقوبة بالفاعل ونحو ذلك انتهى.
( وما أحد أحب إليه المدح من الله) برفع أحد اسم ما وأحب بالنصب خبرها على الحجازية وبرفع أحب خبر لأحد على التميمية ومصلحة المدح عائدة على المادح لما يناله من الثواب والله غني عن ذلك.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التوحيد ومسلم في التوبة والنسائي في التفسير.




[ قــ :4943 ... غــ : 51 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَرَى عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ يَزْني.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي ( عن مالك) الإمام ( عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( يا أمة محمد ما أحد أغير من الله) بنصب أغير خبر ما الحجازية ( أن يرى عبده أو أمته يزني) بالتذكير للعبد أو بالتأنيث خبرًا للأمة وهذا مكتوب في الفرع مصلح على كشط وهو موافق لليونينية ولأصول معتمدة وفي غير ذلك من الأصول ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو أمته
تزني وفي آخر أو تزني أمته بالتقديم والتأخير في هذه الأخيرة.
وقال في فتح الباري: قوله يا أمة محمد ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو أمته كذا وقع عنده هنا عن عبد الله بن مسلمة عن مالك ووقع في سائر الروايات عن مالك أو تزني أمته على وزان الذي قبله فيظهر أنه من سبق القلم هنا، أو لعل لفظ تزني سقطت غلطًا من الأصل، ثم ألحقت فأخرها الناسخ عن محلها ( يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم) من شؤم الزنا ووبال المعصية أو من أهوال القيامة ( لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا) والقلة هنا بمعنى العدم كقوله قليل التشكي أي عديمه.

وهذا الحديث سبق بأتم من هذا في الكسوف.




[ قــ :4944 ... غــ : 5 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَ عَنْ أُمِّهِ أَسْمَاءَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ شَيْءَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ»، وَعَنْ يَحْيَى أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: ( حدّثنا همام) هو ابن يحيى بن دينار ( عن يحيى) بن أبي كثير ( عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف ( أن عروة بن الزبير) بن العوّام ( حدّثه عن أمه أسماء) بنت أبي بكر الصديق ( أنها سمعت رسول الله) ولأبي ذر سمعت النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: لا شيء أغير من الله) بنصب أغير نعتًا لشيء المنصوب ورفعها على النعت لشيء على الموضع قبل دخول لا.




[ قــ :4944 ... غــ : 53 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ».

( وعن يحيى) بن أبي كثير عطف على السند السابق أي وحدّثنا موسى حدّثنا همام عن يحيى ( أن أبا سلمة) بن عبد الرحمن ( حدّثه أن أبا هريرة حدّثه أنه سمع النبي) ولأبي ذر أن أبا سلمة حدّثه أنه سمع أبا هريرة عن النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولم يسق المؤلّف المتن من رواية همام بل تحول إلى رواية شيبان فساقه على روايته والذي يظهر كما في الفتح أن لفظهما واحد فقال: ( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: ( حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي ( عن يحيى) بن أبي كثير ( عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن ( أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال) :
( إن الله) تعالى ( يغار) بفتح التحتية والغين المعجمة ( وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله) عليه هذا الذي في الفرع كأصله، وقال الحافظ ابن حجر: وفي رواية أبي ذر وغيرة الله أن لا يأتي بزيادة لا قال وكذا رأيتها ثابتة في رواية النسفيّ، وأفرط الصغاني فقال كذا للجميع والصواب حذف لا كذا قال وما أدري ما أراد بالجميع بل أكثر رواة البخاري على حذفها وفاقًا لمن رواه غير البخاري كمسلم والترمذي وغيرهما، وقد وجّهها الكرماني وغيره بما حاصله أن غيرة الله ليست هي الإتيان ولا عدمه فلا بد من تقدير نحو لئلا يأتي أي غيرة الله عن النهي عن الإتيان.
وقال
الطيبي: التقدير غيرة الله ثابتة لأجل أن لا يأتي.
قال الكرماني: وعلى تقدير أن لا يستقيم المعنى بإثبات لا فذلك دليل على زيادتها وقد عهدت زيادتها في الكلام كثيرًا نحو قوله: { ما منعك أن لا تسجد} [الأعراف: 1] { لئلا يعلم أهل الكتاب} [الحديد: 9] انتهى.




[ قــ :4946 ... غــ : 54 ]
- حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ وَمَا لَهُ فِي الأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلاَ مَمْلُوكٍ وَلاَ شَيْءٍ غَيْرَ نَاضِحٍ وَغَيْرَ فَرَسِهِ، فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ وَأَسْتَقِي الْمَاءَ وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ وَأَعْجِنُ، وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ، وَكَانَ يَخْبِزُ جَارَاتٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ، وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ، وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ، الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَأْسِي وَهْيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ: فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي، فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ: «إِخْ إِخْ»، لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ، وَذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ وَغَيْرَتَهُ وَكَانَ أَغْيَرَ النَّاسِ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي قَدِ اسْتَحْيَيْتُ، فَمَضَى، فَجِئْتُ الزُّبَيْرَ فَقُلْتُ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَى رَأْسِي النَّوَى وَمَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَنَاخَ لأَرْكَبَ، فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ رُكُوبِكِ مَعَهُ قَالَتْ: حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَادِمٍ يَكْفِينِي سِيَاسَةَ الْفَرَسِ، فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي.

وبه قال ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني ( محمود) هو ابن غيلان بالغين المعجمة المروزي قال ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: ( حدّثنا هشام قال: أخبرني) بالإفراد ( أبي) عروة بن الزبير ( عن) أمه ( أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-) أنها ( قالت: تزوجني الزبير) بن العوّام بمكة ( وما له في الأرض من مال) إبل أو أرض للزراعة ( ولا مملوك) عبد ولا أمة ( ولا شيء) من عطف العام على الخاص ( غير ناضح) بعير يستقي عليه ( وغير فرسه) أي وغير ما لا بدّ له منه من مسكن ونحوهما ( فكنت أعلف فرسه) زاد مسلم وأكفيه مؤونته وأسوسه وأدق النوى لناضحه وأعلفه وعنده أيضًا من طريق أخرى، كنت أخدم خدمة البيت وكان له فرس وكنت أسوسه فلم يكن من خدمته شيء أشد عليّ من سياسة الفرس كنت أحتش له وأقوم عليه، ( وأستقي) بالفوقية بعد السين المهملة وللكشميهني وأسقي بإسقاطها أي وأسقي الناضح أو الفرس ( الماء) والرواية الأولى أشمل معنى وأكثر فائدة ولم تستثن الأرض التي كان أقطعها له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه لم يكن يملك أصل الرقبة بل منفعتها فقط ( وأخرز غربه) بخاء وزاي معجمتين بينهما راء وغربه بفتح الغين المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة أي وأخيط دلوه ( وأعجن) دقيقه ( ولم أكن أحسن أخبز) بضم الهمزة في أحسن وفتحها في أخبز مع كسر الموحدة ( وكان) أي لما قدمنا المدينة من مكة ( يخبز) خبزي ( جارات لي من الأنصار وكن نسوة صدق) بإضافتهن إلى الصدق مبالغة في تلبسهن به في حسن العشرة والوفاء بالعهد ( وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه) إياها ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما
أفاء الله عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أموال بني النضير ( على رأسي وهي مني) أي من مكان سكني ( على ثلثي فرسخ) بتثنية ثلث والفرسخ ثلاثة أميال وكل ميل أربعة آلاف خطوة ( فجئت يومًا والنوى على رأسي فلقيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال) :
( إخ إخ) بكسر الهمزة وسكون الخاء المعجمة ينيخ بعيره ( ليحملني) عليه ( خلفه فاستحييت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس) أي بالنسبة إلى علمها أو إلى أبناء جنسه وعند الإسماعيلي وكان من أغير الناس ( فعرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أني قد استحييت فمضى فجئت الزبير فقلت) له: ( لقيني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه فأناخ) بعيره ( لأركب) خلفه ( فاستحييت منه وعرفت غيرتك فقال) لها الزبير: ( والله لحملك النوى كان أشد عليّ من ركوبك معه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ لا عار فيه بخلاف حمل النوى فإنه ربما يتوهم منه خمسة نفسه ودناءة همته واللام في لحملك للتأكيد وحملك مصدر مضاف لفاعله والنوى مفعوله ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أشد عليك بزيادة كاف ( قالت) ولو أزل أخدم ( حتى أرسل إليّ أبو بكر بعد ذلك بخادم يكفيني) بالتحتية والفوقية المصحح عليها بالفرع كأصله ( سياسة الفرس فكأنما أعتقني) وفيه أن على المرأة القيام بخدمة ما يحتاج إليه بعلها ويؤيده قصة فاطمة وشكواها ما تلقى من الرحى والجمهور على أنها متطوعة بذلك أو يختلف باختلاف عوائد البلاد.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الخمس مقتصرًا على قصة النوى ومسلم في النكاح والنسائي في عشرة النساء.




[ قــ :4947 ... غــ : 55 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِلَقَ الصَّحْفَةِ ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ: «غَارَتْ أُمُّكُمْ»، ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا.
وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ فِيهِ.

وبه قال: ( حدّثنا علي) هو ابن عبد الله بن جعفر المديني قال: ( حدّثنا ابن علية) بضم العين وفتح اللام وتشديد التحتية اسم أم إسماعيل بن إبراهيم ( عن حميد) الطويل ( عن أنس) -رضي الله عنه- أنه ( قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند بعض نسائه) هي عائشة -رضي الله عنها- ( فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين) هي زينب بنت جحش أو صفية أو غيرهما ( بصحفة) بفتح الصاد وسكون الحاء المهملتين إناء كالقصعة المبسوطة ( فيها طعام فضربت) المرأة ( التي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيتها) وهي عائشة ( يد الخادم) الذي جاء بالصحفة ( فسقطت الصحفة) من يده ( فانفلقت) فانشقت ( فجمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلق الصحفة) بكسر الفاء وفتح اللام جمع فلقة وهي القطعة ككسرة وكسر ( ثم جعل
يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول)
للحاضرين عنده:
( غارت أمكم) عائشة وفيه إشارة إلى عدم مؤاخذة الغيرى بما يصدر منها لأنها في تلك الحالة يكون عقلها محجوبًا بشدة الغضب الذي أثارته الغيرة، وفي حديث عائشة المروي عند أبي يعلى بسند لا بأس به مرفوعًا: أن الغيرى لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه، وعند البزار عن ابن مسعود رفعه إن الله كتب الغيرة على النساء فمن صبر منهن كان لها أجر شهيد ( ثم حبس) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( الخادم) عن الذهاب لصاحبة الصحفة ( حتى أتي) بضم الهمزة وكسر الفوقية ( بصحفة من عند التي هو في بيتها) وهي عائشة ( فدفع الصحفة الصحيحة) إلى الخادم يدفعها ( إلى التي كسرت) بضم الكاف ( صحفتها وأمسك) عليه الصلاة والسلام الصحفة ( المكسورة في بيت التي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في البيت التي ( كسرت فيه) كذا في الفرع فيه وسقطت من اليونينية قيل: وكانت القصعتان له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فله التصرف كلما يشاء فيهما، وإلاّ فليست القصعة من المثليات بل من المتقومات وإضافتهما باعتبار كونهما في منزلهما.




[ قــ :4948 ... غــ : 56 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، أَوْ أَتَيْتُ الْجَنَّةَ، فَأَبْصَرْتُ قَصْرًا، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ قَالُوا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَلَمْ يَمْنَعْنِي إِلاَّ عِلْمِي بِغَيْرَتِكَ»، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَوَعَلَيْكَ أَغَارُ.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد ( محمد بن أبي بكر المقدمي) بفتح الدال المشددة قال: ( حدّثنا معتمر) هو ابن سليمان ( عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري ( عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله) الأنصاري ( -رضي الله عنهما-) وسقط لأبي ذر ابن عبد الله ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
"أريت في المنام أني" ( دخلت الجنة أو أتيت الجنة فأبصرت) فيها ( قصرًا فقلت) لجبريل وغيره ( لمن هذا) القصر؟ ( قالوا) أي جبريل ومن معه من الملائكة ( لعمر بن الخطاب فأردت أن أدخله فلم يمنعني) من دخوله ( إلا علمي بغيرتك) يا عمر ( قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله) سقط لفظ ابن الخطاب يا رسول الله لأبي ذر ( بأبي) أي أنت مفدى بأبي ( أنت وأمي يا نبي الله أوعليك أغار) ؟ بهمزة الاستفهام والواو العاطفة على مقدّر كما في أومخرجيَّ هم ونحوه.

وهذا الحديث سبق في مناقب عمر.




[ قــ :4949 ... غــ : 57 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جُلُوسٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي
فِي الْجَنَّةِ فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا لِعُمَرَ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا».
فَبَكَى عُمَرُ وَهْوَ فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ قَالَ: أَوَعَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغَارُ؟
وبه قال: ( حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: ( أخبرني) بالإفراد ( ابن المسيب) سعيد ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه ( قال: بينما) بالميم ( نحن عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جلوس فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( بينما) بالميم ولأبي ذر بينا ( أنا نائم رأيتني) بضم الفوقية والضمير للمتكلم وهو من خصائص أفعال القلوب أي رأيت نفسي ( في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر) وضوءًا شرعيًا وهو مؤوّل بكونها كانت محافظة في الدنيا على العبادة ولا يلزم من كون الجنة ليست دار تكليف أن لا يصدر من أحد فيها شيء من العبادات باختياره ( فقلت) أي لجبريل ( لمن هذا) ؟ القصر ( قال) ولأبي ذر عن الكشميهني قالوا: أي جبريل ومن معه ( هذا لعمر فذكرت غيرته) بضمير الغائب ولأبي ذر عن الكشميهني غيرتك بكاف الخطاب ( فوليت مدبرًا، فبكى عمر) -رضي الله عنه- سرورًا بما منحه الله تعالى أو تشوقًا إليه ( وهو في المجلس ثم قال: أو عليك يا رسول الله أغار) وسقط لأبي ذر الهمزة والواو من قوله أو عليك.