فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة

باب نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الْحَبَشِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ
( باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم) من الأجانب ( من غير ريبة) أي تهمة.


[ قــ :4958 ... غــ : 5236 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ عَنْ عِيسَى عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِي أَسْأَمُ فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ.

وبه قال: ( حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) بن راهويه المروزي سكن نيسابور وتوفي بها ( عن عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ( عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن عروة) بن الزبير بن العوّام ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسترني بردائه) فيه إشعار بأنه كان بعد نزول الحجاب ( وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون) أي بحرابهم ودرقهم ( في المسجد) النبوي ( حتى أكون أنا الذي) ولأبي ذر عن الكشميهني التي ( أسام) أي أملّ واستدلّ به على جواز رؤية المرأة إلى الأجنبي دون العكس، ويدل
له استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار متنقبات لئلا يراهن الرجال ولم يؤمر الرجال قط بالانتقاب لئلا يراهن النساء فدلّ على اختلاف الحكم بين الفريقين، وبهذا احتج الغزالي للجواز فقال: لسنا نقول إن وجه الرجل في حقها عورة كوجه المرأة في حقه فيحرم النظر عند خوف الفتنة فقط وإن لم تكن فتة فلا إذ لم تزل الرجال على ممرّ الزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن منتقبات فلو استووا لأمر الرجال بالتنقب أو منعن من الخروج انتهى.

وقال النووي: نظر الوجه والكفّين عند أمن الفتنة من المرأة إلى الرجل وعكسه جائز وإن كان مكروهًا لقوله تعالى في الثانية: { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} [النور: 31] وهو مفسر بالوجه والكفّين وقيس بها الأولى وهذا ما في الروضة عن أكثر الأصحاب، والذي صححه في المنهاج التحريم وعليه الفتوى، وأما نظر عائشة إلى الحبشة وهم يلعبون فليس فيها أنها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم، وإنما نظرت إلى لعبهم وحرابهم ولا يلزم منه تعمّد النظر إلى البدن وإن وقع بلا قصد صرفته في الحال مع أن ذلك كان مع أمن الفتنة أو أن عائشة كانت صغيرة دون البلوغ ويدل لها قولها ( فاقدروا) بضم الدال المهملة أي فانظروا وتدبروا ( قدر الجارية الحديثة السن) الغير البالغة ( الحريصة على اللهو) ومصابرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معها على ذلك لكن عورض بأن في بعض طرقه أن ذلك بعد قدوم وفد الحبشة وأن قدومهم كان سنة سبع ولعائشة يومئذ ست عشرة سنة فكانت بالغة.
نعم احتج المانعون بحديث أم سلمة المشهور حيث قال عليه الصلاة والسلام: "أفعمياوان أنتما" وهو حديث أخرجه أصحاب السنن من رواية الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عنها وإسناده قوي.
قال في الفتح: وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان وليست بعلة قادحة فإن من يعرفه الزهري ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة ولم يجرحه أحد لا تردّ روايته.