فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {لم تحرم ما أحل الله لك} [التحريم: 1]

باب { لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}
هذا ( باب) بالتنوين في قوله تعالى: مخاطبًا لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( { لم تحرم ما أحل الله لك} ) [التحريم: 1] .


[ قــ :4984 ... غــ : 5266 ]
- حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ سَمِعَ الرَّبِيعَ بْنَ نَافِعٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِذَا حَرَّمَ امْرَأَتَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ،.

     وَقَالَ  لَكُمْ: { فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( الحسن بن صباح) بالصاد المهملة والموحدة المشدّدة المفتوحتين البزار بالزاي وبعد الألف راء الواسطي نزل بغداد وثقه الجمهور وليّنه النسائي قليلًا أنه ( سمع الربيع بن نافع) الحلبي نزل طرطوس وهو أبو توبة بالمثناة الفوقية وبعد الواو الساكنة موحدة مشهور بكنيته أكثر من اسمه قال: ( حدّثنا معاوية) بن سلام بتشديد اللام ( عن يحيى بن أبي كثير) الإمام أبي نصر اليماني أحد الأعلام ( عن يعلى بن حكيم) الثقفي ( من سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم أحد الأعلام ( أنه أخبره أنه سمع ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( يقول: إذا حرم) الرجل ( امرأته) أي عينها ( ليس بشيء) أي ليس بطلاق لأن الأعيان لا توصف بذلك ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ليست أي الكلمة وهي قوله: أنت عليّ حرام المنوي بها عينها بطلاق.

( وقال) ابن عباس مستدلًا على ما ذهب ( لكم) : ولأبي ذر وابن عساكر: لقد كان لكم ( { في رسول الله أسوة} ) بضم الهمزة وكسرها قدوة ( { حسنة} ) [الأحزاب: 21] وأشار بذلك
إلى قصة مارية وفي حديث أنس عند النسائي بسند صحيح أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت له أمة يطؤها فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرمها فأنزل الله تعالى هذه الآية { يا أيها النبي لم تحرم ما أحلّ الله لك} [التحريم: 1] قال في الفتح: وهذا أصح طرق هذا السبب.
نعم إذا أراد تحريم عينها كره وعليه كفارة يمين في الحال وإن لم يطأها وليس ذلك يمينًا لأن اليمين إنما تنعقد بأسماء الله وصفاته.
وروى النسائي عن سعيد بن جبير أن رجلًا سأل ابن عباس فقال: إني جعلت امرأتي عليّ حرامًا.
فقال: كذبت ليست عليك حرامًا ثم تلا: { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} .




[ قــ :4985 ... غــ : 567 ]
- حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ.
فَقَالَ: «لاَ، بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ»، فَنَزَلَتْ: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} -إِلَى- { إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ} [التحريم: 3] لِقَوْلِهِ: «بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا».

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( الحسن بن محمد بن الصباح) ولأبي ذر صباح الزعفراني الفقيه قال: ( حدّثنا حجاج) هو ابن محمد الأعور ( عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه قال ( قال: زعم عطاء) هو ابن أبي رباح ( أنه سمع عبيد بن عمير) بضم العين فيهما مصغرين الليثي المكي والزعم المراد به القول ( يقول: سمعت عائشة -رضي الله عنها-) تقول ( إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يمكث عند زينب ابنة) ولأبي ذر بنت ( جحش) -رضي الله عنها- ( ويشرب عندها عسلًا فتواصيت) بالصاد المهملة ( أنا وحفصة) بنت عمر ( أنّ أيّتنا) ولأبي ذر وابن عساكر أن أيّتنا بفتح الهمزة وتخفيف النون والرفع ( دخل عليها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلتقل) له: ( إني لأجد منك ريح مغافير أكلت مغافير) بالغين المعجمة والفاء بعدها تحتية ساكنة جمع مغفور بضم أوله.

قال في القاموس: والمغافر والمغافير المغاثير يعني بالمثلثة بدل الفاء الواحد مغفر كمنبر ومغفر ومغفور بضمهما ومغفار ومغفير بكسرهما.
وقال في مادة غ ث ر والمغثر كمنبر شيء ينضحه الثمام والعشر والرمث كالعسل الجمع مغاثير وأغثر الرمث سأل منه وتمغثر اجتناه انتهى.

وقال ابن قتيبة: هو صمغ حلو له رائحة كريهة وذكر البخاري أنه شبيه بالصمغ يكون في الرمث بكسر الراء وسكون الميم بعدها مثلثة من الشجر التي ترعاها الإبل.
وأكلت استفهام محذوف الأداة.

( فدخل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( على إحداهما) قال ابن حجر: لم أقف على تعيينها وأظنها حفصة ( فقالت له ذلك) القول الذي تواصيا عليه أكلت مغافير ( فقال: لا) لم آكل مغافير ( بل شربت عسلًا) ولأبي
ذر لا بأس شربت عسلًا ( عند زينب بنت جحش ولن أعود له) للشرب وزاد في رواية هشام بن يوسف في تفسير سورة التحريم، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدًا ( فنزلت: { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} -إلى-) قوله تعالى: ( { إن تتوبا إلى الله} ) أي ( لعائشة وحفصة) وعند ابن عساكر هنا باب إن تتوبا إلى الله يعني لعائشة وحفصة ( { وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثًا} لقوله: بل شربت عسلًا) .

قال في الفتح: هذا القدر أي وإذ أسرّ النبي إلى آخره بقية الحديث وكنت أظنه من ترجمة البخاري حتى وجدته مذكورًا في آخر الحديث عند مسلم قال: وكان المعنى، وأما المراد بقوله تعالى: { وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثًا} [التحريم: 3] فهو لأجل قوله: بل شربت عسلًا.




[ قــ :4986 ... غــ : 568 ]
- حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ الْعَسَلَ وَالْحَلْوَاءَ، وَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنَ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْ إِحْدَاهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ فَاحْتَبَسَ أَكْثَرَ مَا كَانَ يَحْتَبِسُ، فَغِرْتُ، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لِي، أَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةً مِنْ عَسَلٍ، فَسَقَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُ شَرْبَةً، فَقُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ لَنَحْتَالَنَّ لَهُ، فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ إِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ، فَإِذَا دَنَا مِنْكِ، فَقُولِي: أَكَلْتَ مَغَافِيرَ، فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ لاَ فَقُولِي لَهُ مَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ؟ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ، فَقُولِي لَهُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ، وَسَأَقُولُ ذَلِكَ.
وَقُولِي أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ ذَاكِ.
قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَأَرَدْتُ أَنْ أُبَادِيَهُ بِمَا أَمَرْتِنِي بِهِ فَرَقًا مِنْكِ.
فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا قَالَتْ لَهُ سَوْدَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ قَالَ: «لاَ».
قَالَتْ فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ؟ قَالَ: «سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ».
فَقَالَتْ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ.
فَلَمَّا دَارَ إِلَيَّ.

قُلْتُ لَهُ نَحْوَ ذَلِكَ.
فَلَمَّا دَارَ إِلَى صَفِيَّةَ قَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ.
فَلَمَّا دَارَ إِلَى حَفْصَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ أَسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَالَ: «لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ».
قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ وَاللَّهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ.

قُلْتُ لَهَا: اسْكُتِي.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد ( فروة بن أبي المغراء) بالفاء المفتوحة والراء الساكنة والمغراء بفتح الميم والراء بينهما غين ساكنة ممدود البيكندي الكوفي قال: ( حدّثنا علي بن مسهر) الكوفي الحافظ ( عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام ( عن عائشة رضي الله عنها) أنها ( قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب العسل والحلواء) بالهمز والمد ولأبي ذر والحلوى بالقصر.
قال في القاموس: والحلواء وتقصر، وعند الثعالبي في فقه اللغة: أن حلوى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي كان يحبها هي المجيع بالجيم بوزن عظيم قال: في القاموس: تمر يعجن بلبن وليس هذا من عطف العامّ على الخاصّ وإنما العامّ الذي يدخل فيه بضم أوّله ( وكان) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( إذا انصرف من
العصر)
أي من صلاة والعصر ( دخل على نسائه فيدنو) أي يقرب ( من إحداهن) بأن يقبّلها ويباشرها من غير جماع كما في رواية أخرى، وفي رواية حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عبد بن حميد أن ذلك إذا انصرف من صلاة الفجر، لكنها كما في الفتح رواية شاذّة وعلى تسليمها، فيحتمل أن الذي كان يفعله أوّل النهار سلام ودعاء محض والذي في آخره معه جلوس ومحادثة ( فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس) فأقام عندها ( أكثر ما كان يحتبس فغرت فسألت عن ذلك فقيل لي) في حديث ابن عباس أن عائشة قالت لجويرية حبشية عندها يقال لها: خضراء: إذا دخل على حفصة فادخلي عليها فانظري ماذا يصنع فقالت: ( أهدت لها) أي لحفصة ( امرأة من قومها) لم أعرف اسمها ( عكة من عسل) سقط الجار لأبي ذر، وزاد ابن عباس من الطائف ( فسقت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منه شربة) وفي الرواية السابقة من هذا الباب أن شرب العسل كان عند زينب بنت جحش، وفي هذه عند حفصة.
وقد قدّمنا أن رواية ابن عباس عند ابن مردويه أنه كان عند سودة، وأن عائشة وحفصة هما اللتان تواطأتا كما في رواية عبيد بن عمير المروية أوّل هذا الباب وإن اختلفتا في صاحبة العسل وحمله على التعدّد إذ لا يمتنع تعدّد السبب للشيء الواحد، أو رواية عبيد أثبت لموافقة ابن عباس لها على أن المتظاهرتين حفصة وعائشة على ما تقدّم في التفسير، فلو كانت حفصة صاحبة العسل لم تقرن في المظاهرة بعائشة لكن يمكن تعدّد القصة التي في شرب العسل وتحريمه واختصاص النزول بالقصة التي فيها أن عائشة وحفصة هما المتظاهرتان، ويمكن أن تكون القصة التي وقع فيها الشرب عند حفصة كانت سابقة، والراجح أيضًا أن صاحبة العسل زينب لا سودة لأن طريق عبيد أثبت من طريق ابن أبي مليكة، ويؤيده أن في الهبة أن نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كنّ حزبين: عائشة وسودة وحفصة وصفية في حزب، وزينب بنت جحش وأُم سلمة والباقيات في حزب، ولذا غارت عائشة منها لكونها من غير حزبها، وممن ذهب إلى الترجيح عياض فقال: رواية عبيد بن عمير أولى لموافقتها ظاهر القرآن لأن فيه { وإن تظاهرا عليه} [التحريم: 4] فهما ثنتان لا أكثر قال: فكأن الأسماء انقلبت على راوي الرواية الأخرى، لكن اعترضه الكرماني فقال: متى جوّزنا هذا ارتفع الوثوق بأكثر الروايات وفي تفسير السدّي أن شرب العسل كان عند أُم سلمة أخرجه الطبري وغيره وهو مرجوح لإرساله وشذوذه انتهى ملخصًا من الفتح.

قالت عائشة: ( فقلت أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم ( والله لنحتالن له) أي لأجله ( فقلت لسودة بنت زمعة أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( سيدنو) أي يقرب ( منك فإذا دنا منك فقولي) له: ( أكلت مغافير فإنه سيقول لك لا فقولي له ما هذه الريح التي أجد منك) وسقط لفظ منك لأبي ذر ( فإنه سيقول لك سقتني حفصة شربة عسل فقولي له جرست) بفتح الجيم والراء والسين المهملة أي رعت ( نحله) أي نحل هذا العسل الذي شربته ( العرفط) بضم العين المهملة والفاء بينهما راء ساكنة آخره مهملة الشجر الذي صمغه المغافير ( وسأقول) أنا له ( ذلك وقولي) له ( أنت يا صفية) بنت حيي ( ذاك) بكسر الكاف بلا لام ولأبي ذر ذلك أي قولي الكلام الذي علمته لسودة زاد يزيد بن رومان عن ابن عباس وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشد عليه أن توجد منه ريح كريهة لأنه يأتيه المَلَك ( قالت) عائشة
( تقول سودة) لي ( فوالله ما هو إلا أن قام) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( على الباب فأردت أن أُبادئه) بالموحدة من المبادأة بالهمز ولابن عساكر أناديه بالنون بدل الموحدة ( بما أمرتني به) من أن أقول له أكلت مغافير ( فرقا) بفتح الفاء والراء خوفًا ( منك، فلما دنا) عليه الصلاة والسلام ( منها قالت له سودة: يا رسول الله أكلت مغافير؟ قال) :
( لا) ما أكلتها ( قالت) له: ( فما هذه الريح التي أجد) ها ( منك؟ قال) عليه الصلاة والسلام: ( سقتني حفصة شربة عسل) وسقط لابن عساكر عسل ( فقالت) سودة ( جرست) رعت ( نحله العرفط) شجر المغافير وقالت عائشة: ( فلما دار إليّ) بتشديد الياء ( قلت له) عليه الصلاة والسلام وسقط لأبي ذر له ( نحو ذلك) القول الذي قلت لسودة أن تقوله له ( فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك) عبّر بقوله نحو ذلك في إسناد القول لعائشة وبقوله مثل ذلك في إسناده لصفية لأن عائشة لما كانت المبتكرة لذلك عبّرت عنه بأي لفظ أرادت، وأما صفية فإنها مأمورة يقول ذلك فليس لها أن تتصرف فيه، ولكن وقع التعبير بلفظ مثل في الموضعين في رواية أبي أسامة فيحتمل أن يكون ذلك من تصرف الرواة ( فلما دار إلى حفصة) في اليوم الآخر ( قالت) له: ( يا رسول الله: ألا) بالتخفيف ( أسقيك منه) ؟ من العسل ( قال: لا حاجة لي فيه) لما وقع من توارد النسوة الثلاث على أنه نشأت له من شربه ريح كريهة فتركه حسمًا للمادّة ( قالت) عائشة: ( تقول سودة والله لقد حرمناه) بتخفيف الراء معناه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من العسل.
قالت عائشة: ( قلت لها) أي لسودة ( اسكتي) لئلا يفشو ذلك فيظهر ما دبّرته لحفصة وهذا منها على مقتضى طبيعة النساء في الغيرة وليس بكبيرة بل صغيرة معفوّ عنها مكفّرة.