فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمي أو الحربي

باب إِذَا أَسْلَمَتِ الْمُشْرِكَةُ أَوِ النَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الذِّمِّيِّ أَوِ الْحَرْبِيِّ
وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ: عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذَا أَسْلَمَتِ النَّصْرَانِيَّةُ قَبْلَ زَوْجِهَا بِسَاعَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ.
.

     وَقَالَ  دَاوُدُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ سُئِلَ عَطَاءٌ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ أَسْلَمَتْ ثُمَّ أَسْلَمَ زَوْجُهَا فِي الْعِدَّةِ أَهِيَ امْرَأَتُهُ؟ قَالَ: لاَ، إِلاَّ أَنْ تَشَاءَ هِيَ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَصَدَاقٍ،.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ: إِذَا أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ يَتَزَوَّجُهَا،.

     وَقَالَ  اللَّهُ تَعَالَى: { لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} .

     وَقَالَ  الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ فِي مَجُوسِيَّيْنِ أَسْلَمَاهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَإِذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَأَبَى الآخَرُ بَانَتْ لاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا،.

     وَقَالَ  ابْنُ جُرَيْجٍ.

قُلْتُ لِعَطَاءٍ: امْرَأَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ جَاءَتْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ أَيُعَاوَضُ زَوْجُهَا مِنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} قَالَ: لاَ إِنَّمَا كَانَ ذَاكَ بَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ أَهْلِ الْعَهْدِ،.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ: هَذَا كُلُّهُ فِي صُلْحٍ بَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ قُرَيْشٍ.

وهذا ( باب) بالتنوين ( إذا أسلمت المشركة) كوثنية ( أو النصرانية) أو اليهودية ( تحت الذمي أو الحربي) قبل أن يسلم هل تحصل الفرقة بينهما بمجرّد إسلامها أو يثبت لها الخيار أو يوقف في العدّة، فإن أسلم استمرّ النكاح وإلا وقعت الفرقة بينهما.
قال الشافعية: إذا أسلم مشرك ولو غير كتابي كوثني ومجوسي وتحته حرة كتابية تحل له ابتداء استمر نكاحه لجواز نكاح المسلم لها أو كان تحته حرّة غير كتابية كوثنية وكتابية لا تحل له ابتداء وتخلفت عنه بأن لم تسلم معه أو أسلمت هي وتخلّف هو فإن كان قبل الدخول تنجزت الفرقة أو بعده وأسلم الآخر في العدّة استمر نكاحه، وإلا فالفرقة من الإسلام، والفرقة فيما ذكر فسخ لا طلاق ولو أسلما معًا قبل الدخول أو بعده استمرّ نكاحهما لتساويهما في الإسلام والمعية في الإسلام بآخر لفظ لأن به يحصل الإسلام لا بأوّله ولا بأثنائه، وقد جنح البخاري إلى أن الفرقة بمجرّد الإسلام وشرع يستدل لذلك فقال:
( وقال عبد الوارث) بن سعيد ( عن خالد) الحذاء ( عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها بساعة حرمت عليه) .
سواء دخل عليها أم لا وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة عن عباد بن العوّام عن خالد الحذاء بنحوه.

( وقال داود) بن أبي الفرات بالفاء المضمومة والراء المخففة ( عن إبراهيم) بن ميمون ( الصائغ) المروزي أنه قال: ( سئل عطاء) هو ابن أبي رباح ( عن امرأة من أهل العهد) أي الذمة ( أسلمت ثم
أسلم زوجها)
بعدها وهي ( في العدة أهي امرأته؟ قال: لا.
إلا أن تشاء هي بنكاح جديد وصداق)
جديد أيضًا لأن الإسلام فرّق بينهما، وهذا وصله ابن أبي شيبة من وجه آخر عن عطاء بمعناه.

( وقال مجاهد) : هو ابن جبر فيما وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه ( إذا) أسلمت الزوجة ثم ( أسلم) الزوج وهي ( في العدة يتزوجها) ثم استدلّ المؤلّف لتقوية قول عطاء المذكور هنا بقوله ( وقال الله تعالّى: { لا هنّ حل لهم ولا هم يحلون لهن} ) [الممتحنة: 10] أي: لا حل بين المؤمنة والمشرك لوقوع الفرقة بينهما بخروجها مسلمة.

( وقال الحسن) البصري ولابن عساكر باب بالتنوين وقال الحسن ( وقتادة) بن دعامة فيما أخرجه ابن أبي شيبة ( في مجوسيين) امرأة وزوجها ( أسلماهما على نكاحهما، وإذا) بالواو ولأبي ذر فإذا ( سبق أحدهما صاحبه) بالإسلام ( وأبى الآخر) أن يسلم ( بانت) منه وحينئذٍ ( لا سبيل له عليها) إلا بخطبة.

( وقال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز فيما وصله عبد الرزاق: ( قلت لعطاء امرأة من المشركين جاءت إلى المسلمين أيعاوض) بفتح الواو مبنيًّا للمفعول من المعاوضة ولأبي ذر وابن عساكر أيعاض بإسقاط الواو من العوض أي أيعطى ( زوجها) المشرك ( منها) عوض صداقها ( لقوله تعالى: { وآتوهم ما أنفقوا} ) [الممتحنة: 10] المفسر بأعطوا أزواجهن مثل ما دفعوا إليهن من المهور ( قال) عطاء ( لا) يعاوض ( إنما كان ذلك) المذكور في الآية من الإعطاء ( بين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين أهل العهد) من المشركين حين انعقد العهد بينهم عليه وأما اليوم فلا.

( وقال) بالواو ولابن عساكر بإسقاطها ( مجاهد) فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عنه في قوله تعالى: { واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا} [الممتحنة: 10] من ذهب من أزواج المسلمين إلى الكفار فليعطهم الكفار صداقهن وليمسكوهن ومن ذهب من أزواج الكفار إلى أصحاب محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكذلك ( هذا كله في صلح) كان ( بين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين قريش) ثم انقطع ذلك يوم الفتح.


[ قــ :5002 ... غــ : 5288 ]
- حَدَّثَنَا يحيى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: كَانَتِ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْتَحِنُهُنَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} [الممتنحة: 10] إِلَى آخِرِ الآيَةِ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ قَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «انْطَلِقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ لاَ وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ، غَيْرَ أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ بِالْكَلاَمِ، وَاللَّهِ مَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى النِّسَاءِ إِلاَّ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، يَقُولُ لَهُنَّ إِذَا أَخَذَ عَلَيْهِنَّ: «قَدْ بَايَعْتُكُنَّ» [كَلاَمًا] .

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري وسقط لغير أبي ذر لفظ يحيى قال: ( حدثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأموي الأيلي ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ولفظ رواية عقيل هذه سبق أول الشروط ( وقال إبراهيم بن المنذر) : فيما وصله الذهلي في الزهريات ( حدّثني) بالإفراد ( ابن وهب) عبد الله قال: ( حدّثني) بالإفراد أيضًا ولابن عساكر حدّثنا ( يونس) بن يزيد الأيلي واللفظ لرواية يونس ( قال ابن شهاب) الزهري: ( أخبرني) بالتوحيد ( عروة بن الزبير) بن العوّام ( أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: كانت) ولابن عساكر كان ( المؤمنات إذا هاجرن) من مكة ( إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قبل عام الفتح ( يمتحنهن) يختبرهن فيما يتعلق بالإيمان فيما يرجع إلى الظاهر ( بقول الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} ) نصب على الحال ( { فامتحنوهن} إلى آخر الآية) .
وقوله إلى آخر الآية ساقط لابن عساكر.

( قالت عائشة) : بالإسناد السابق ( فمن أقرّ بهذا الشرط) المذكور في آية الممتحنة وهو أن لا يشركن بالله إلى آخره ( من المؤمنات) وعند الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال: كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ( فقد أقرّ بالمحنة) أي الامتحان الذي هو الإقرار بما ذكر ( فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أقررن بذلك من قولهن، قال لهن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( انطلقن فقد) أقررتن و ( بايعتكن لا والله ما مست يد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يد امرأة) في المبايعة ( قط غير أنه بايعهن بالكلام والله ما أخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على النساء إلا بما أمره الله يقول لهن إذا أخذ عليهن) عهد المبايعة ( قد بايعتكن) على أن لا تشركن بالله شيئًا إلى آخره ( كلامًا) من غير أن يضرب يده على يدهن كما كان يبايع الرجال.