فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب التلاعن في المسجد

باب التَّلاَعُنِ فِي الْمَسْجِدِ

[ قــ :5023 ... غــ : 5309 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنِ الْمُلاَعَنَةِ وَعَنِ السُّنَّةِ فِيهَا عَنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَخِي بَنِي سَاعِدَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي شَأْنِهِ مَا ذَكَرَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَمْرِ الْمُتَلاَعِنَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ قَضَى اللَّهُ فِيكَ وَفِي امْرَأَتِكَ»، قَالَ فَتَلاَعَنَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَا شَاهِدٌ، فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ فَرَغَا مِنَ التَّلاَعُنِ، فَفَارَقَهَا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «ذَاكَ تَفْرِيقٌ بَيْنَ كُلِّ مُتَلاَعِنَيْنِ».
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتِ السُّنَّةُ بَعْدَهُمَا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ، وَكَانَتْ حَامِلًا وَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى لأُمِّهِ قَالَ: ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي مِيرَاثِهَا أَنَّهَا تَرِثُهُ وَيَرِثُ مِنْهَا مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ
سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ قَصِيرًا كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلاَ أُرَاهَا إِلاَّ قَدْ صَدَقَتْ وَكَذَبَ عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ أَعْيَنَ ذَا أَلْيَتَيْنِ فَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى الْمَكْرُوهِ مِنْ ذَلِكَ».

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن جعفر) البخاري البيكندي قال: ( أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا ( عبد الرزاق) بن همام الصنعاني قال: ( أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ( قال: أخبرني) بالإفراد ( ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن الملاعنة) بفتح العين ( وعن السنة فيها عن حديث سهل بن سعد أخي بني ساعدة أن رجلًا من الأنصار) اسمه عويمر العجلاني حليف بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ( جاء إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا رسول الله أرأيت رجلًا) أي أخبرني عن حكم رجل ( وجد مع امرأته رجلًا) يزني بها ( أيقتله) أي فتقتلونه قصاصًا لتقدم عمله بحكم القصاص من عموم قوله تعالى: { النفس بالنفس} [المائدة: 45] وقد اختلف فيمن وجد مع امرأته رجلًا فتحقق الأمر فقتله هل نقتله؟ فالجمهور على المنع والقصاص منه إلا إن أتى ببينة على الزنا أو على المقتول بالاعتراف أو اعتراف ورثته فلا يقتل قاتله إذا كان الزاني محصنًا ( أم كيف يفعل) ؟ أي أيّ شيء يفعل فكيف مفعول يفعل كقوله تعالى: { كيف فعل ربك} [الفيل: 1] إذ معناه أيّ فعل فعل ربك؟ ولا يتجه فيه أن يكون حالًا من الفاعل وعن سيبويه أن كيف ظرف وعن السيرافي والأخفش أنها اسم غير ظرف ورتبوا على هذا الخلاف أمورًا.

أحدها: أن موضعها عند سيبويه نصب دائمًا وعندهما رفع مع المبتدأ نصب مع غيره.

الثاني: أن تقديرها عند سيبويه في أي حال أو على أي حال وعندهما تقديرهما في نحو كيف زيد أصحيح زيد ونحوه وفي نحو كيف جاء زيد أراكبًا جاء زيد ونحوه.

الثالث: أن الجواب المطابق عند سيبويه أن يقال على خير ونحوه، وقال ابن مالك ما معناه لم يقل أحد إن كيف ظرف إذ ليست زمانًا ولا مكانًا ولكنها لما كانت تفسر بقولك على أي حال لكونها سؤالًا عن الأحوال العامة سميت ظرفًا لأنها في تأويل الجارّ والمجرور واسم الظرف يطلق عليها مجازًا انتهى من المغني.

( فأنزل الله في شأنه) في شأن عويمر ( ما ذكر في) ولأبي ذر عن الكشميهني من ( القرآن من
أمر المتلاعنين)
في قوله تعالى: { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} إلى آخر
الآيات ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له: ( قد قضى الله فيك وفي امرأتك) خولة بنت قيس بما أنزله في قوله:
{ والذين يرمون أزواجهم} [النور: 6] ( قال) سهل ( فتلاعنا في المسجد، وأنا شاهد) وفيه مشروعية تلاعن المسلم في المسجد الجامع وأما زوجته الذمية ففيما تعظمه من بيعة وكنيسة وغيرهما فإن رضي زوجها بلعانها في المسجد وقد طلبته جاز والحائض تلاعن بباب المسجد الجامع لتحريم مكثها فيه ومثلها النفساء والجنب والمتحيرة ( فلما فرغا) من تلاعنهما ( قال) عويمر: ( كذبت عليها
يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين فرغا من التلاعن ففارقها عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
تمسك به من قال: إن الفرقة بين المتلاعنين تتوقف على تطليق الزوج، وأجاب القائلون بأن الفرقة تقع بالتلاعن بقوله في حديث ابن عمر: فرّق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين المتلاعنين، وبقوله في حديث مسلم: لا سبيل لك عليها ( فقال) سهل أو ابن شهاب ( ذاك تفريق) ولأبي ذر عن المستملي فكان ذلك تفريقًا وللكشميهني فصار بدل فكان وتفريقًا نصب كالمستملي ( بين كل متلاعنين.
قال ابن جربج)
بالسند السابق ( قال ابن شهاب فكانت السُّنَّة بعدهما أن يفرق بين) كل ( المتلاعنين وكانت) خولة الملاعنة ( حاملًا) حين الملاعنة ( وكان ابنها يدعى لأمه) لا لزوجها الملاعن إذ اللعان ينتفي به النسب عنه إن نفاه في لعانه وإذا انتفى منه ألحق بها لأنه متحقق منها ( قال ثم جرت السُّنّة في ميراثها) في ميراث الملاعنة ( أنها ترثه) أي ترث الولد الذي لحقها ونفاه الرجل ( ويرث) الولد ( منها ما فرض الله له) ولأبي ذر لها.

( قال ابن جريج) بالسند السابق ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن سهل بن سعد الساعدي في هذا الحديث أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في اليونينية بكسر همزة إن ( قال) ثبت قال لأبي ذر ( إن جاءت به) بالولد المتلاعن بسببه ( أحمر) اللون ( قصيرًا) أي قصير القامة ( كأنه وحرة) بفتح الواو والحاء المهملة والراء دويبة تترامى على الطعام واللحم فتفسده وقال في القاموس: وزغة كسام أبرص أو ضرب من العظاء لا تطأ شيئًا إلاّ سمته ( فلا أراها) بضم الهمزة أي فلا أظنها ( إلا وقد صدقت) والولد منه ( وكذب عليها وإن جاءت به أسود أعين) بفتح الهمزة وسكون المهملة أي واسع العين ( ذا) أي صاحب ( إليتين) عظيمتين ( فلا أراه) فلا أظنه ( إلا قد صدق عليها) فهو لابن سحماء ( فجاءت به) بالولد ( على) الوصف ( المكروه من ذلك) وهو شبهه بمن رميت به.